يعتقد الرئيس دونالد ترامب أنه بقطعه المساعدات السنوية للسلطة الفلسطينية انما يهين الشعب الفلسطيني ويدفعه للتنازل عن حقه في الحرية والسيادة، ولكن ربما يجهل الرئيس الأمريكي القادم من عالم المال والاعلام أن مصادرة الحلم الفلسطيني قد يستوجب منه القضاء على هذا الشعب وإبادته وقبره الى آخر نفر فيه قبل تحقيق هذا الهدف... صحيح أن الفلسطينيين لا يملكون دولة معترف بها ولا جيشا أو ترسانة يقارعون بها الاحتلال، ولا ثروة نفطية أو امكانيات تساعدهم على شراء الاصوات في المنابر الاقليمية والدولية، ولكنهم يملكون إرادة رهيبة على الصبر والتحمل ولديهم قدرة هائلة على احياء الامل ومواصلة المسيرة النضالية كلما اعتقد الجميع ان القضية انتهت. منذ فوز ترامب بالانتخابات قبل أكثر من عام كان من الواضح أن للرجل مواقف وخيارات استفزازية لا تلتزم بالثوابت والاعراف الديبلوماسية... وفي كل يوم يكشف ترامب عن استخفافه واحتقاره لشعوب العالم التي يختزل وجودها في حجم المساعدات التي تمنح لها والتي تفرض عليها بالتالي أن تعلن الولاء لإدارته وخياراتها مهما كانت ظالمة.. ترامب وعبر تغريداته على تويتر ما انفك يفاجئ العالم بمواقف تعكس تلك العقلية الانتهازية المتعالية وهي مواقف جعلته ينسى موقعه السياسي ويتوخى طريق كيم جونغ أون وهو يجاهر بترهيب العالم والتفاخر بامتلاكه أكبر زر نووي على مكتبه في البيت الابيض ويقبل بالانسياق في لعبة خطيرة بأن العالم واقع بين فكي الزر النووي الكوري الشمالي والزر النووي الامريكي الجنوني، وهو ما لا يمكن الا أن يعزز رغبة الكثير من الامم في الحصول على السلاح النووي بكل الطرق المتاحة.. وبالعودة الى لعبة الابتزازات المفضوحة ازاء الفلسطينيين، فربما حز في نفس الرئيس الامريكي أن يتجرأ رئيس السلطة الفلسطينية – وهو الذي لا يملك دولة معترف بها - على حشد ذلك الدعم الدولي في الاممالمتحدة واعتراض الفيتو الامريكي بشأن القدس.. وربما يكون استفزه أن تقدم السلطة الفلسطينية التي لا تملك سلطة القرار على دعوة ممثلها في واشنطن بعد اعلانه قطع المساعدات عن الفلسطينيين.. وربما هاله ان تعلن السلطة الفلسطينية رفضها استقبال نائبه مايك بنس الذي يعتزم زيارة منطقة الشرق الاوسط بعد القرار الغبي الذي اقره الكونغرس الامريكي بنقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدسالمحتلة... صحيح ان الرئيس ترامب يمثل القوة الاولى العسكرية والاقتصادية في العالم وأن لديه من السلطات ما يسمح له بوقف المساعدات السنوية للفلسطينيين والمقدرة بنحو ثلاثمائة مليون دولار، وهو مبلغ زهيد امام حجم المساعدات التي تحظى بها إسرائيل من الحكومات الامريكية المتعاقبة للجمهوريين او الديموقراطيين.. ولكن الحقيقة ايضا ان لغة الابتزاز والمقايضة التي اعتمدها ازاء الفلسطينيين انما تعكس مجددا عقلية الكاوبوي وعقلية أن «من ليس معنا فهو ضدنا» التي تنتصر للجلاد على حساب الضحية... خطاب ترامب وهو يتبجح بأن منع تلك المساعدات سيسمح لبلاده بتحقيق مكاسب مالية إنما يشكل اهانة للرئيس الامريكي ذاته قبل الاطراف المعنية بالمساعدات الامريكية بالنظر الى ما يحتمله هذا الموقف من إصرار على ابتزاز الاضعف واستغلاله لتحقيق مكاسب معادية للقانون الدولي وللشرعية الدولية وخدمة لمشاريع الاستيطان وسلطة الاحتلال ... والأكيد أن اتخاذ هذا القرار خطوة اولى باتجاه تكريس سياسة الامر الواقع والانتقال الى نقل السفارة الامريكية الى القدسالمحتلة قبل المرور الى فرض صفقة القرن التي لا يزال ترامب مقتنعا بها... المعركة التي تنتظر الفلسطينيين قد تكون الاعقد ولكنها لن تكون نهاية المطاف، وإذا كانت بعض الدول العربية المقتدرة غير مستعدة لتقديم البديل عن المساعدات الامريكية فإن الأكيد ان فلسطينيي الشتات في مختلف انحاء العالم قادرون على ذلك لدعم الصمود على الارض...