بث التلفزيون الفرنسي وتحديدا قناة «فرنسا 2» مؤخرا فيلما وثائقيا حول شخصية الرئيس السوري بشار الأسد وقد تمت إعادة بث الفيلم في عدة مناسبات لعل آخرها في سهرة الجمعة على قناة «تي في 5». ويندرج هذا الفيلم الذي يحمل عنوان: «بشار الأسد، السلطة أو الموت» ضمن سهرة خاصة أعدها التلفزيون الفرنسي حول الوضع في سوريا وتم خلالها عرض فيلمين وثائقيين احدهما الفيلم المذكور وثانيهما بعنوان: «سوريا، الصرخة المكتومة.» أما السهرة فهي من تنشيط الصحفي وقارئ الأخبار «لوران دي لا أوس». ولئن كنا ندرك أن التلفزيون الفرنسي له خطه الإعلامي وهو يحتكم لسياسة فرنسا ومواقفها من الصراع في سوريا فإن ذلك لا يحول دون الاعتراف بجدوى مثل هذه المبادرات. فقد سلط الفيلم الضوء على شخصية بشار الأسد وقدم صورة واضحة بالخصوص حول فترة شبابه وحول الظروف التي حولت الشاب الهادئ وفق وصف الفيلم الذي كان يحلم بحياة هادئة وبممارسة مهنة الطب (كان يدرس طب العيون بلندن) إلى رئيس لبلد له خصوصية على المستوى الجغرافي فهو يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط وهو معقد بسبب كثرة المذاهب والقوميات. ورغم نقائص الفيلم ورغم المواقف الحاسمة حول الرئيس السوري والحكم عليه بمعيار الغرب دون محاولة فهم ذلك «الشرق المعقد» وفق وصف الجنرال ديغول، إلا أن الفيلم كان جديرا بالمشاهدة. فقد اعتمد على شهادات العارفين بشخصية بشار الأسد من الفرنسيين والسوريين واللبنانيين بالخصوص واعتمد خاصة على الصورة. وقد استغل الفيلم صورا من الأرشيف وخاصة من زيارات الرئيس السوري إلى فرنسا واستقباله في قصر الإليزي من طرف الرئيس جاك شيراك (قبل أن يكون بشار الأسد رئيسا لسوريا) واستقباله من طرف الرئيس نيكولا ساركوزي الذي قام بدور مهم في التقارب بين سورياوفرنسا بعد الجفوة التي سادت بين البلدين لأسباب سياسية ولأسباب لها علاقة بمقتل رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري، ذلك أن فرنسا كانت قد وجهت التهمة للرئيس بشار الأسد. والحقيقة وكما سبق وذكرنا فإنه يمكن أن تكون للمتلقي مؤاخذات على الفيلم خاصة على الإصرار على تحميل الرئيس بشار الأسد المسؤولية كاملة في الحرب في سوريا واتهامه بالتسبب في مقتل آلاف الأبرياء. ويمكن أن يرى فيه المشاهد تحاملا على الرئيس السوري وعلى أسرته وعلى زوجته، إلا أن الفيلم ساعد على تقريب شخصية الرئيس السوري من المتلقي وهو الذي يعتبر بالنسبة للكثيرين لغزا حقيقيا. كما أن الفيلم ساعد على فهم الموقف الفرنسي والموقف الأمريكي وعلى ظروف التدخل الروسي في سوريا وعلى ممولي الجماعات الإرهابية. وودنا لو أن التلفزيون التونسي يعتمد فكرة الأفلام الوثائقية للتعريف بالقضايا المعقدة التي تهم المشاهد التونسي عن قرب. فهي يمكنها أن تحقق مجموعة من الأهداف في آن واحد. أولا، ان الفيلم الوثائقي هو عمل فني بالأساس ويوفر عامل الفرجة وهو عامل مهم لاستقطاب جمهور التلفزيون. ثانيا، من شأن الفيلم الوثائقي أن يغنينا عن جلسات الحوار الطويلة بالبلاتوهات التلفزيونية وهي جلسات مملة ويكثر فيها التشنج (الحالة التونسية خصوصا) وتضيع فيها المعلومة ويزداد غالبا المشهد ضبابية. ثالثا، نحن كما هو معلوم في عالم الصورة بامتياز ومن المفروض أن الصورة تغني عن السيول الجارفة من الكلمات. والغريب في الأمر أن العديد من البرامج التي يبثها التلفزيون التونسي بمختلف فروعه الخاص والعام، لا فرق بينها وبين البرامج الإذاعية لأنها تعوّل على الكلام وتتجاهل الصورة تماما.