قد يكون من السذاجة التعويل على الاجتماع المصغر لوزراء الخارجية العرب في العاصمة الاردنيةعمان للخروج بنتائج للتصدي لتداعيات قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بشأن القدسالمحتلة، وهذا ليس بسبب انعدام البدائل وغياب الخيارات الديبلوماسية التي يمكن اللجوء إليها، ولكن - وهذا الأهم - بسبب مصيبة العرب الدائمة وإصرارهم على المضي قدما في لعبة التدمير الذاتي الى درجة التهافت على مواصلة السير في طريق الانتحار الجماعي... الواقع أن أقصى ما يمكن ان يذهب إليه لقاء الاردن الذي يجمع ست دول وهي السعودية والامارات ومصر والمغرب وفلسطين وممثل جامعة الدول العربية، الدعوة الى انعقاد قمة عربية طارئة لا تحظى بإجماع العواصم العربية في هذه المرحلة والتي تعتبر أن موعد القمة العادية التي تحتضنها السعودية في مارس القادم ليس ببعيد.. ولكن قد ينسى معارضو انعقاد القمة الطارئة ان الاشهر الثلاثة المتبقية قبل انعقاد قمة مارس مدة زمنية كافية بالنسبة للكيان الاسرائيلي مدعوما بالحليف الامريكي لفرض سياسة الامر الواقع ومواصلة عمليات الاستيطان والتهويد، بل ومواصلة عمليات استقطاب بعض الدول المترددة، ومنها دول افريقية ضعيفة، واستمالتها لدفعها الى تبني القرار الامريكي بشأن القدسالمحتلة... وهذا ليس من باب المبالغة في شيء بل هو في صلب قراءة الواقع والتجارب السابقة للاحتلال الاسرائيلي وقدرته على استغلال الفراغ والاستماتة في لعب دور الضحية وحشد الدعم وشن الحملات الدعائية والسياسية لصالحه.. قبل سبعين عاما اتفق صناع القرار في العالم على استحداث وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في انتظار تنفيذ وعد دولي بالعودة الى بيوتهم، الا أن القرار ظل يؤجل سنة بعد سنة ومعه ظل الاحتلال يتوسع وظل الطوق يشتد حول الفلسطينيين.. ولا شك اليوم ان الاصرار على الغاء وكالة غوث اللاجئين يراد منه تصفية حق العودة نهائيا. طبعا، لقد ساعد وجود الوكالة في تحويل القضية الى مجرد رقم في الأجندة الدولية والترويج لها على انها مجرد قضية انسانية تبحث عن تقديم مساعدات صحية وغذائية وتوفير فرص للتعليم لأبناء اللاجئين، وهي حقيقة لا مجال لإلغائها، ولكن الوكالة معنية اليوم بمصير نحو ستة ملايين لاجئ في 58 مخيما في الضفة والقطاع وفي سوريا ولبنان والأردن، بما يجعل لزاما على الاممالمتحدة إعادة توطين هؤلاء وإنقاذ مصيرهم قبل إلغاء وجود الوكالة وتعليق مصير نصف مليون طالب وطالبة دون اعتبار لآلاف الموظفين في مختلف مكاتبها.. ولا شك أن الدعوة التي أطلقها وزير الأمن الداخلي الصهيوني جلعاد أردان لتفكيك هذه الوكالة الدولية خطوة اضافية باتجاه تنفيذ عملية التصفية العرقية والقتل البطيء للشعب الفلسطيني.. وهي الدعوة التي سرعان ما وجدت لها صدى لدى دان دانون النائب الحالي لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي لم يكن سوى سفير اسرائيل لدى الاممالمتحدة.. فالقضاء على «الأونروا» في هذه المرحلة بالتزامن مع قطع واشنطن مساعداتها للسلطة الفلسطينية، يعني مضاعفة الكارثة الانسانية في المخيمات الفلسطينية وإنهاك أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة المنكوب منذ أكثر من عقد من الزمن... نعم، لقد ارتبط قرار تأسيس «الأونروا» رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1949 بالقرار 194 الذي أكد حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، الأمر الذي يقيم الدليل على الارتباط الوثيق للحملة الراهنة لإلغاء وجود هذه الوكالة الأممية بتطبيق حق العودة وتطبيق القرار 194. ولهذا فإن قطع التمويل عن الأونروا هو بالتالي عملية لا تخلو من دناءة هدفها ممارسة الضغط والابتزاز على الفلسطينيين ودفعهم الى مفاوضات لقبر القضية نهائيا... لا بد من القول أن القبول بحل الاونروا دون حق العودة سيكون بمثابة كارثة جديدة لا نعتقد ان المنطقة يمكن ان تستوعبها..