رحب عدد من الفنانين والموسيقيين والناشطين في الحقل الثقافي بعودة "الروح" والنشاط إلى مقر جمعية دار الموسيقي التي يشرف على إدارتها وتسييرها مقداد السهيلي بصفته كاتب عام النقابة التونسية لقطاع الموسيقى وهي أيضا المقر لهذه النقابة. و تأتي بوادر هذا الانفراج بعد «الأزمة» المالية التي مر بها هذا الفضاء في الأشهر الاخيرة وكادت تؤدي إلى غلقه، رغم مناشدة مسيره سلط الإشراف والمستثمرين الغيورين على الثقافة والفنون في تونس للتدخل لكن دون مجيب. «الصباح» تحدثت مع مقداد السهيلي عن سبب ومحفزات هذه العودة «القوية» لدار الموسيقي من ناحية والتحرك الذي ما انفكت النقابة التونسية لقطاع الموسيقى تشنه وتوسع دائرته في الأوساط الفنية والثقافية رافعة شعار «لا للابتذال» الفني على أكثر من صعيد. كما تم التطرق لمشاريعه الفنية الخاصة ودوافع «العودة» التي خير التمهيد والتحضير لها في الخفاء وغيرها من المسائل الأخرى نتابع تفاصيلها في الحوار التالي: أطلقت صيحة فزع منذ مدة مفادها صعوبة فتح دار الموسيقي بسبب الأزمة المادية، لكن تعود اليوم لمواصلة نشاط «الدار». فما هي دوافع وأسباب العودة لفتح «الدار»؟ -في الحقيقة فكرت في الأمر وحز في نفسي ان يكون مآل هذا الفضاء الفريد من نوعه الغلق والاندثار في ظل سياسة اللامبالاة تجاه كل المشاريع الثقافية الناجعة وقررت إعادة فتح الفضاء والعمل لا غير بالابتعاد عن»المهاترات» الفارغة. خاصة أني ضحيت كثيرا من أجل بعث هذا المشروع الذي يستمد أهميته من توجهه لكل الموسيقيين والفنانين في تونس وهو ليس مشروع شخصي مثلما يدعي البعض. إذ يكفي أن أذكر أني صرفت من مالي الخاص لفائدة جمعية دار الموسيقي خاصة فيما يتعلق بصنع تمثل للفنان الراحل علي الرياحي بقيمة تجاوزت الثلاثين ألف دينار وذلك في إطار متحف الفنانين الذي أردته أن يكون تكريما لفنانين قدامي وتخليدا لذكراهم بما يمهد لتتوسع «الحفاوة» وتشمل كل من قدم للأغنية والموسيقى التونسية. لذا أناشد كل أطياف المجتمع لدعم هذا المشروع الذي تتجاوز أهدافه ومزاياه ما هو شخصي فهو شامل ونافع للحقل الثقافي والفني في تونس. هل تعني أن قرارك الغياب والابتعاد عن المشهد السمعي البصري بصفة خاصة هو أيضا في إطار الابتعاد عما سميته ب«المهاترات»؟ - نعم لأني مللت استغلال حضوري في أي مناسبة وتمييع القضايا الأساسية التي أدافع عنها باستدراجي لمواضيع ومسائل لا تخدم القضايا الفنية والاجتماعية والإنسانية التي سخرت وقتي وطاقتي للنضال من أجلها. ثم هناك مسألة أخرى أطالب بمراجعتها وتتعلق بالأساس بحضور الفنان في البرامج والمنوعات التلفزية التي يجب أن تكون مدفوعة الأجر. تبنّيت في المدة الأخيرة مسألة «تأجير» الفنانين في الحضور الإعلامي، فهل تعتقد أن الكل حري بهذا الطلب لاسيما أن «الأشباه» أكثر حضورا ونشاطا في المجال؟ - أنا أعتبر هذا المطلب استحقاق بالنسبة للفنان وهو أساسي خاصة بالنسبة للبرامج والمنوعات التلفزية التي يكون فيها الجمهور وكل العاملين مأجورين باستثناء الفنان الذي يعد مادة أساسية ومنشطا ومحركا للأجواء في تلك المساحات التنشيطية. أما فيما يتعلق بنوعية الحضور فتلك مسألة أخرى نحن في النقابة بصدد التشاور والتباحث من أجل التحرك في الاتجاه الصحيح لتنقية الوضع والمشهد. نتابع في المدة الأخيرة «هبة» من جديد للنقابة التونسية لقطاع الموسيقى رافعة شعار «مقاومة الإبتذال» ضرورة لإعادة الاعتبار للإبداع، فكيف ستكون هذه «المقاومة»؟ - صحيح اننا في صلب النقابة وفي جمعية دار الموسيقي أطلقنا حملة ضد الرداءة وقد انطلقنا في حملة تحسيسية في الإطار لاسيما في ظل ما تشهده الساحة الثقافية عامة والموسيقية الفنية بشكل خاص من انتشار لظواهر لا علاقة لها بالفن والإبداع وتفشي الترويج لأشباه الفنانين بما أثر على الذوق العام. لذلك تقترح النقابة التونسية لقطاع الموسيقى تكليف مجموعة من أساتذة الموسيقى المشهود لهم بالكفاءة ليكونوا مستشارين في المجال في القنوات التلفزية العمومية والخاصة وهذا من شأنه أن يحد من الرداءة والابتذال. هل يعني أنك ترفض مبدأ «حرية التعبير» وتطرح بديلا رقابيا قد يحول دون تحقيق هذا المطلب؟ - أعرف أني سأواجه مصاعب بسبب ذلك ولكن لا يهم. لأني مؤمن بهذه الرسالة. لأن الوضع اليوم في أسوأ حالاته والغربلة وانتقاء من يمثل الفنان التونسي مسألة يجب تكريسها في الحقل الثقافي حتى لا يستسهل الأمر من «هب ودب» فالرقص والاستعراض والغناء لها مقوماتها وخصوصياتها وقوانينها. ولا يعنيني أن قالوا عني»عساس على الأخلاق» ففي ذلك حماية للفنانين وحفظ لكرامتهم وحضورهم. وأخص بالأمر في هذا المستوى الإعلام العمومي المختص في السمعي البصري باعتباره مرجعا في الرصانة والمبادرة وتكريس العادات النبيلة في الفن الأصيل والإبداع الحقيقي بغلق الأبواب امام الفن الهابط من ناحية إيفاء الفنان حقه المادي من ناحية أخرى. ما هي ردود أفعال الفنانين حول هذه المبادرة؟ - في الحقيقة وجدت تجاوبا كبيرا من الوسطين الفني والموسيقي على حد السواء، لا بل شدد عدد كبير منهم على المضي في اتجاه هذا المنحى من أجل تنقية المشهد من «الشواذ» الذين كادوا ان يصبحوا «قواعد» في هذه المرحلة التي أصبح فيها الوضع الثقافي متدهورا وأشبه بكارثي على نحو لم يشهد له مثيل في مخلف الحقب الحكومية السابقة. ونحن بصدد القيام بعريضة في الغرض سنرسلها للجهات والسلط المعنية بما في ذلك وزارة الشؤون الثقافية ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب ووزارتي التربية والداخلية. ولكن تحرك النقابة والاكتفاء بعريضة لا يمكن أن تغير الوضع طالما ليس هناك قوانين تنظم المسألة فكيف سيكون موقفكم؟ - نحن بصدد تكوين لجنة قانونية في صلب نقابتنا يترأسها الأستاذ محمد فيصل بن جعفر محامي النقابة وستتولى هذه اللجنة صياغة نص قانوني في الغرض سيتم عرضه على الجهات الرسمية المعنية بما في ذلك مجلس نواب الشعب ورئاسة الحكومة بما يمكن نقابتنا من مشروعية قانونية. تحدثت عن مقترحات ومبادرات مختلفة لكن فنيا ما هي الخطوات القادمة في هذا المجال؟ - في المستوى الفني نعد في دار الموسيقي لتنظيم تظاهرة في مارس القادم ستكون في سياق الحملة التحسيسية لدعم هذا المشروع الفني الشامل تنطلق بمناسبة ذكرى ميلاد الراحل علي الرياحي لتشييد التمثال الخاص به واعلان فتح متحف النجوم بهذا الفضاء. ما هي مشاريعك الخاصة لعلمنا انك منشغل بها منذ مدة؟ - خيرت التوجه للعمل لا غير، وقررت العودة لشخصيتي الفنية بعد سنوات من النضال النقابي اقتصرت خلالها على أوبيرات»للحب والسلام» التي قدمتها مرة واحدة في إطار مهرجان قرطاج الدولي في دورته الأخيرة وحاليا بصدد التحضير لمجموعة من الأعمال الجديدة التي سترى النور قريبا تجمعني بكل من أحمد الشايبي في التوزيع وأخرى مع عبد الباسط بالقايد. ومن المنتظر أن نعرض الأبيرات خارج تونس لأنه ربما الحل الوحيد لتتم برمجتها في أي تظاهرة أو مهرجان آخر في تونس.