هل يمكن أن نتحدث أو نطرح مسألة «ديكتاتورية الذوق» في المجال الفني خاصة والثقافي بشكل عام كمعطى ينتصر للإبداع ويقطع مع الرداءة في الاختيار والذوق دون السقوط في خدمة أي أجندا ثقافية أو فكرية أو سياسية؟ هو الاستفهام الذي يطرح على هامش تصريحات السيد مهدي مبروك وزير الثقافة حول موقفه من إمكانية مشاركة بعض الفنانين العرب في مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين. كما يختزل الأبعاد المضمونية للسياسات الثقافية المتداولة ويحيل بدوره إلى التساؤل عن مدى تأثيرها وعلى نوعية وقيمة الإنتاجات الفنية والثقافية وتحديد مدى استجابة تلك الأعمال لمقومات الإبداع من ناحية وتحديد نوعية العلاقة بالمتلقي من ناحية أخرى خاصة أن مواقف أهل القطاع حول هذه المسألة تتسم بالتباين لكنها في المقابل تشترط ضرورة مراعاة مطالب وأهداف أهل القطاع وانتظارات المتلقي بمختلف شرائحه وانتماءاته. نظرا لأن الذوق يعتبر فيصلا في تقييم الأعمال الإبداعية ثم هو ملكة فطرية تستجيب في جوانب عديدة منها للتربية والتثقيف. ولعل تزامن طرح هذا التساؤل مع ما يشهده الوسط الثقافي في بلادنا خلال هذه المرحلة الانتقالية بمخلف قطاعاته ومجالاته من حراك وتجاذبات مقابل ضبابية المبادرات الرسمية فيما يتعلق بالمسار الإصلاحي الذي لطالما نادى به أهل القطاع وانتظروه للنهوض بمستوى المنجز الفني من حيث التصور والطرح وتحسين ظروف العمل لا سيما في ظل أول وزارة للثقافة ضمن أول حكومة منتخبة تعد من العوامل التي ساهمت في تغذية موجات المواقف والقراءات لهذا التصريح بين رافضة ومنتقدة لرأيه وأخرى هبت إلى المطالبة بضرورة التوجه إلى وضع قرارت جريئة ترجح الكفة للفنان والمثقف والإبداع على حد السواء. فالتعطش لإصلاحات شاملة للمنظومة المشرفة على تسيير الهياكل أو التظاهرات الفنية تعد من العوامل المحركة للمطالب الآنية التي تتمثل بالأساس في وضع ملامح سياسة ثقافية واضحة المعالم تهدف إلى تطوير المادة الفنية على نحو يؤسس لمنظومة ثقافة إبداع حرة وخلاقة ترتقي بالذائقة إلى مستوى ما هو منشود وتراعي الخصوصية الحضارية والثقافية للتونسي من جهة وتعمل على الترويج لها كمنتوج له من التميز والخصوصية والتطور والجمالية ما يسهل التعامل معه لأنه بالذوق ترتقي الشعوب وتحقق إنسانيتها وتحدد موقعها في خارطة الحضارة العالمية من جهة أخرى.
مطلب آني لكنه آجل
يرى أسامة فرحات أن هناك مسائل عديدة حقيقة بالطرح والمراجعة والبحث من أجل النهوض بالذائقة الفنية بشكل عام وإعادة هيكلة القطاع وتأسيس منظومة قانونية على أسس صحيحة لتطوير الميدان كان على وزير الثقافة أن يوليها اهتمامه قبل الخوض في تحديد الأسماء التي يمكن أن تشارك في التظاهرات الفنية الكبرى التي تنظمها سلطة الإشراف وتدعمه بالمال العمومي. وبيّن أن التحكم في الذوق العام وتوجيهه نحو الأفضل هي مسألة على قدر من الدقة والخطورة في نفس الآن لذلك يطالب سلطة الإشراف بضرورة تكوين لجان تتركب من مختصين في مجالات فنية وثقافية مختلفة تعمل من أجل معالجة قضايا ومسائل اعتبرها ذات أولوية على غرار الفصل بين ما هو خاص وما عمومي فيما يتعلق بالهياكل أو نشاط ومهام البعض كالمتعهدين وغيرهم أو تقنين.. عملية الانتماء لأي ميدان والحصول على بطاقة احتراف فهو يشدد على أن مثل هذه الاشكالات الجزئية لها تداعيات خطيرة على الوسط والذوق ومعالجتها تتم من قبل هذه اللجان وبعيدا عن أيّ انتماء وفي كنف الشفافية فمحدثنا يعتبرها من أهم الإشكالات التي يجب حلها للدخول في منعرجات إصلاحية أخرى ولكنه في المقابل يرى أن المبادرة بالإصلاح التشريعي مسألة عاجلة لا تحتمل التأخير لأن التوصل إلى النتائج المرجوة قد تكون بعد سنوات.
دعم مكسب الثورة
من جهته طالب مقداد السهيلي بضرورة توجه سلطة الإشراف إلى دعم مكسب الثورة من أجل تحقيق الانتعاشة الفنية والثقافية التي لم تتحقق بعد وانتظر مبادرة وزير الثقافة خلال هذه الفترة تحديدا إلى دعوة المنضوين صلب الوزارة إلى الاحتفال بالمكسب التاريخي والحضاري من خلال العمل وفتح مجالات الإبداع على أسس قانونية وقواعد منظمة ومضبوطة لكن هذا ما لم يحصل إلى حد الآن. لأنه يرى أن منطق الاستجابة لما يبحث عنه المتلقي في اختياراته هو المتحكم في الذوق دون قيد أو شرط ولكنه في المقابل لم يخف أن توجه الأنظمة العربية تحديدا وتونس خاصة إلى توجيه ذائقة الشارع إلى أنماط موسيقية وغنائية أو سينمائية وحتى في مستوى الكلمة لم ينجح في كبح الميل الكبير للأغنية الملتزمة والسياسية والكلمة الهادفة بما في ذلك الشعر الشعبي. ودعا محدثنا المثقفين والفنانين على حد السواء إلى الالتفاف حول المطالب الإصلاحية الشاملة التي تحفظ حقوق وكرامة المبدعين وتنظم سير عملهم وانتاجاتهم من ناحية وتضمن للمتلقي التونسي خاصة حق التمتع بأعمال وعروض تكون في مستوى انتظاراته وتطلعاته لثقافة وفن تونسالجديدة لأنه يعتبر القاعدة الجماهيرية بمثابة المناصرين الذين انتخبهم الإبداع لا فنان. أما الموسيقي فكري النفاتي فهو يرى أن تدخل سلطة الإشراف لتوجيه الرأي العام نحو- ما تعتبره - تعد الوجه الإيجابي للديكتاتورية في الذوق وذلك تقريبا ما يهدف ويطمح إلى تحصيله أغلب الناشطين في الحقل الثقافي عامة والفني خاصة نظرا للمزايا الفنية التي يمكن أن تقدمها هذه السياسة خاصة إذا ما اعتمدت علوية القانون وألزمت المنتصرين للإبداع بضرورة انتهاجها وعدم الحياد عنها. فهو يقر أن القطاع الثقافي بقي تقريبا الوحيد الذي لم تشمله مطالب وأهداف الثورة حسب ما أكده ومثاله في ذلك ما واجهه من صعوبات كغيره من الناشطين في القطاع الموسيقي فضلا عما لاحظه من تواصل نفس السياسة التي كرست الرداءة والتهميش في الميدان والتي تعتمد بالأساس على المحسوبية والولاءات وغياب الاحتكام إلى أهل الاختصاص في أغلب الهياكل والميادين.