تمر اليوم سبع سنوات منذ اندلاع الثورة التونسية.. ثورة «حصدت» أرواح المئات من الشهداء.. شباب يافع دفع عمره وروى تراب وطنه بدمه في سبيل غد أفضل.. غد مشرق للأجيال القادمة.. شهداء ودّعوا عائلاتهم باكرا ودعوهم بكل فرح طمعا في ان تنصفهم دولتهم طمعا في ان ينصفهم القضاء في الحصول على حقهم خلفوا أمهات ثكالى وأرامل ويتامي «ناضلوا» لسنوات بين أروقة المحاكم طمعا في الوصول الى الحقيقة ولا شيء غير ذلك طعما في ان ينام الشهيد هانئا في قبره ولكنهم لم يحصدوا سوى «الخذلان» واليأس والاحباط .. ثورة خلفت كذلك جرحى يحملون «عاهات» واعاقات مختلفة ومستديمة قضت على أحلامهم ومستقبلهم باكرا والتحقوا بركب البطالة والفقر والتهميش «غصبا» وهم في ريعان شبابهم فطمعوا في ان تنصفهم دولتهم معنويا وماديا ولكن البعض مات نتيجة الاهمال وآخرون «ماتوا» «كمدا» والبقية يرابطون إما في المستشفيات واما في منازلهم يدمنون أدوية الأعصاب لنسيان مصابهم «مدفونين» في غرف موحشة مظلمة بعد ان حكمت عليهم الثورة ب «الشلل» وحكمت عليهم الحكومة ب»الموت البطيء» لنكرر في كل ذكرى ثورة جديدة أسئلتنا المعتادة لنجابه بكم هائل من اليأس والاحباط فإلى أين وصلت قضايا شهداء وجرحى الثورة التونسية المنشورة أمام المحاكم؟ ومتى سيتم»الإفراج» عن القائمة النهائية للشهداء والجرحى؟ وهل نال الشهيد حقه بعد «ماراطون» المحاكمات العسكرية؟ علي المكي شقيق الشهيد عبد القادر المكي من الأسماء التي ارتبطت بملف شهداء وجرحى الثورة باعتباره أسس جمعية «لن ننساكم» التي «ناضلت» لكشف الحقيقة قبل ان يدب اليأس في نفوس كل العائلات المنخرطة فيها و»تختفي» وفي هذا السياق ذكر ل «الصباح» ان ملف شهداء وجرحى الثورة اتصف بثلاثة «عورات» وفق قوله فأما «العورة» الأولى فقد تجسدت في كل قضايا شهداء وجرحى الثورة وهي ترسيخ لسياسة الافلات من العقاب، فاليوم أغلب الذين تورطوا في قتل الشهداء واصابة الجرحى والمسؤولين عن ذلك تم «اخراجهم» من السجون بأساليب متنوعة والقضاء لعب دورا غير عادل في ذلك وستبقى قضايا شهداء وجرحى الثورة نقطة سوداء في تاريخ القضاء التونسي ولن ينساها التاريخ أما «العورة» الثانية فتتمثل في إهمال جرحى الثورة وهو ما تسبب في تفاقم معاناتهم الصحية وحتى من تلقى منهم العلاج فإن ذلك لم يكن وفق برنامج أو من خلال تقديم الإحاطة بل كان من وراء ضغط كبير من ذوي الجرحى ومسانديهم، و»كلنا يعلم أن هناك من جرحى الثورة من التحق بقافلة الشهداء بعد معاناة كبيرة مع المرض فجلهم تدهورت وضعيتهم الصحية والتي أثرت بدورها سلبا على حالتهم النفسية فيكفي ان تجلس مع جرحى الثورة مسلم قصد الله وطارق الدزيري وخالد بالنجمة ومحمد الجندوبي حتى ترى ذلك بأم عينك وتسمع منهم ما يذيب فؤادك». التفاف.. أما بالنسبة ل«العورة» الثالثة وهذه كما يقول المثل الشعبي «قالتلهم اسكتوا» فتتمثل في ان السلطة برئاساتها الثلاثة اليوم تتملص وتتهرب من نشر القائمة الرسمية لشهداء وجرحى الثورة والتي تم ضبطها واعدادها من قبل الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية، فكل ماله صلة بالثورة يريدون الالتفاف عليه وكما صرح بذلك رئيس الجمهورية فإنها «قوس ويجب غلقه» متناسيا بأن دماءنا سالت ولا نستطيع أن ننساها او ننسى أصحابها، بل اننا نعتبر أن اي محاولة التفاف على الثورة والتنكر لشهدائها وجرحاها هي خطوات الى الوراء وأن من هم في السلطة لم يستوعبوا الدرس بعد، ومازال يأخذهم الحنين الى زمن قد ولى ومضى وأنه بما لنا من رصيد الدماء كفايتنا دائما للنجاة. الاهمال.. وفي ذات السياق أكدت سامية المحيمدي شقيقة الشهيد هشام المحيمدي ل «الصباح» انه بعد مرور7 سنوات من اندلاع الثورة لم يتحقق شيء لشهداء وجرحى الثورة سوى «الخذلان» والوعود الواهية والمماطلة و»التلاعب» بتواطؤ من جميع الأطراف بداية من القضاء العسكري وصولا الى أعلى هرم في السلطة، فعائلات الشهداء مازالت تعاني اللوعة والحرقة باعتبار ان الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري لم تطفئ ظمأ سنوات من انتظار حكم عادل من انتظار ان يأخذ الشهيد حقه بل ان الأحكام أججت «نار» أمهات ثكالى مكلومين وزادت غضبهم وسخطهم ونقمتهم على حكومة لم تعط الشهيد حقه.. حكومة «أهملت» جرحاها بعضهم توفي نتيجة عجزه البدني وآخرون يموتون في اليوم الف مرة كمدا على حكومة أدارت لهم ظهرها.. تناستهم وهمشتهم وهمشت من خلالهم ثورة بأكملها . مسار معطل.. من جهته أكد وزيرا أملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كورشيد والشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي لدى إشرافهما خلال الأسبوع الفارط على اجتماع عام انتظم بفضاء المركب الثقافي بمدينة القصرين على هامش احتفالات الجهة بالذكرى السابعة ليوم الشهيد، أن» القائمة النهائية لملف شهداء وجرحى الثورة بجّل ولايات الجمهورية وفي مقدمتها ولاية القصرين وملف الحضائر سيتم البت فيهما بصفة نهائية في موفى شهر مارس المقبل لإعطاء كل ذي حق حقه». فيما اعتبرت مباركة عواينيّة البراهمي رئيسة لجنة شهداء وجرحى الثورة بمجلس نواب الشعب أن السلطات التونسية لم تتعامل مع ملفات شهداء وجرحى الثورة بجدية مؤكدة ان مسار استكمال البحث عن الحقيقة وإعادة الاعتبار لضحايا الاستبداد مازال معطلا، أما ميمون خضراوي كاتب عام جمعية «وفاء» فعبر عن عدم رضاء عائلات شهداء وجرحى الثورة على مسار القضايا قائلا أنهم «مازالوا يبحثون عن حقيقة هذه الجرائم» وطالب خضراوي وزير العدل بأن يصدر أمرا يحيل بموجبه قضايا الشهداء والجرحى من القضاء العسكري الى القضاء العدلي» . سياسة «تنكيل».. ليلى الحداد محامية عائلات شهداء وجرحى الثورة التونسية أو المحامية التي «ارتبط» اسمها بهذا الملف قالت ل «الصباح» «إن تعلق اسمي بهذا الملف كمحامية الشهداء والجرحى التي تطوعت فيه بكل حب لم يكن من فراغ بل كان عن جدارة فنيابتي كانت في 98 بالمائة من قضايا الشهداء ورافعت في كل القضايا أكثر من 160 مرافعة في قضايا الشهداء في كل المحاكم العسكرية والعدلية». وأضافت بكل أسف بقولها «مازال الجرح عميقا وازداد عمقا لدى عائلات الشهداء والجرحى ليس فقط من الأحكام القضائية التي كشفت على مدى تورط القضاء العسكري في تنفيذ أجندة سياسية وهي إطلاق سراح جميع المتورطين في القتل وإصدار أحكام قاسية تكرّس الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة.. الجرح عميق ويزداد عمقا من سياسة التنكيل من الحكومات المتعاقبة التي لم تطلق «سراح» حتى القائمة النهائية وتنشرها في الرائد الرسمي للاعتراف بما قدمه شهداؤنا وجرحانا البواسل من أجل إسقاط نظام «بن علي» وللأسف عدم الإعلان على القائمة النهائية ليس كما يروج إعلاميا من قبل رئيس اللجنة الأستاذ توفيق بودربالة لأنها غير جاهزة بل لان الإرادة السياسية ترفض الاعلان عليها لان في ذلك اعتراف بالثورة التونسية وتكريم مناضليها وهو ما تسعى هذه الحكومة التي تشكلت في أغلبها من رجال «بن علي» لإجهاض وعدم الاعتراف بالثورة. أحكام مخيّبة للآمال.. وأضافت الحداد انه في جرد سريع لقضايا الشهداء والجرحى نلاحظ أن المحاكم العسكرية قد سخرت كل قضاتها في أمد سبع سنوات بعد ان ارهقت عائلات الشهداء والجرحى بالانتظار والامل في انصافها في حق ابنائها لتصدر احكاما مخيبة للآمال تم فيها الحكم اما بغلق هذه الملفات لعدم معرفة الجاني أو الحكم بعدم سماع الدعوى أو أحكاما بالسجن ولكن كل المتهمين في حالة سراح مثلا قضية الشهيد حاتم بن الطاهر تم الحكم فيها على المتهم بثماني سنوات سجنا من أجل القتل العمد والاهم انه اليوم في حالة سراح بل يواصل عمله كموظف بوزارة الداخلية كذلك قضية شهداء الحامة التي تم الحكم فيها بسبع سنوات سجنا والمتهمون في حالة سراح وكذلك قاتل الشهيد مجدي المنصري الذي تم تنزيل العقاب في حقه من 20 سنة سجنا إلى ست سنوات سجنا وهو في حالة سراح. منارة للمحاسبة.. وأضافت الحداد أن ملف الشهداء والجرحى كذلك تم بسطه على هيئة الحقيقة والكرامة ولكن هذا الملف الذي يكشف بشاعة نظام «بن علي» ويفتح الباب على مصراعيه على جرم نظام استعمل أمنه من أجل قتل شعبه يظل محاصرا من الجميع مكبلا برفض القضاء العسكري تسليم الملف لهيئة الحقيقة والكرامة ورفض وزارة الداخلية فتح أرشيفها لكشف الحقيقة.. حقيقة من قتل أبناء الشعب لذلك هذا الملف الذي اعتكفت فيه طيلة السبع سنوات سيظل «منارة» لمحاسبة نظام وسيظل رغم كل الاسلاك المحاصرة لحقيقته قضائيا وسياسيا ملفا جوهري سيرى النور لان القضايا العادلة لا تموت.