في نظر العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات القاسية استجابة لالتزاماتها تجاهة صندوق النقد، وتهدف من خلالها إلى دفع الموارد والتقليص من النفقات وهي فاتورة يدفعها الأجراء والعاطلون عن العمل بالأساس وتشتكي منها المؤسسات الاقتصادية هي الأخرى.. ولكن مقابل هذه الإجراءات الموجعة التي جاءت بالأساس تحت ضغط المانحين فإن أحد بيانات صندوق النقد الأخيرة مازالت تتحدث عن حجم الأجور وخطورتها على الاقتصاد التونسي ويبدو بذلك أن الحكومة فرضت هذه الإجراءات الموجعة من دون أن تكسب منها رضا صندوق النقد المنشود. الخبير الاقتصادي بقسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل كريم الطربلسي في تصريح ل"الصباح الأسبوعي" يحمل رأيا مخالفا إذ يعتبر أن قانون المالية ذهب في اتجاهات التزامات الحكومة تجاه صندوق النقد الدولي بالخصوص. وأن بيان صندوق النقد يكشف عن لهجة إيجابية تجاه إجراءات الحكومة. ولكنه يشدد في الآن ذاته على أنه ليست هنالك دراسة علمية تبين العلاقة بين كتلة الأجور في البلاد ومؤشرات أخرى مرتبطة بالنمو على سبيل المثال. معتبرا أنه «إلى حد الآن لم نطلع على دراسات موضوعية تؤكد أن الدولة إذا أنقصت من كتلة الأجور فإن ذلك يعني نموا أكبر ونجاعة اقتصادية أكبر».. «أسباب موضوعية لارتفاع كتلة الأجور» يشير محدثنا إلى أن كتلة الأجور تضاعفت بين 2010 و 2017، إلا أنه يوضح أن هنالك جوانب موضوعية تفسر ذلك. إذ أن 40% من هذه الزيادة تعود إلى الانتدابات في الأمن والجيش بسبب الأحداث الأمنية والتهديدات الإرهابية التي عرفتها البلاد. لذا فإن تضاعف كتلة الأجور مرتبط بخصوصيات الوضع الانتقالي والصعوبات الأمنية، إضافة إلى الانتدابات الكبيرة إبان الثورة وتسوية وضعية عمال المناولة وتشغيل المتمتعين بالعفو التشريعي العام هذه هي العوامل التي تفسر ارتفاع كتلة الأجور وليست الزيادات، كما جاء على لسان محدثنا. وكتلة الأجور تمثل حاليا نحو 15% من الناتج الداخلي الخام وهي من منظور صندوق النقد الدولي لا يجب أن تتجاوز 12% ولكن في المقابل يتساءل محدثنا «هل نوقف الحرب على الإرهاب أو انتداب المعلمين في مدارس بقيت أشهرا دون معلمين لإرضاء صندوق النقد؟» «الحل في الانتعاش الاقتصادي» ويعتبر محدثنا أن الحل يتمثل في الإنعاش الاقتصادي وأن يرتفع الناتج الداخلي الخام حتى ينخفض حجم كتلة الأجور منه. ويعتبر كريم الطربلسي أن نسبة النمو التي تم تحقيقها في 2017 وهي بنقطتين تجعلنا نتفاءل، معتبرا أنه وطيلة الأربع سنوات الأخيرة لم تتجاوز نسبة النمو 1.5% خاصة أنها هذه السنة تأتي من القطاع الخاص وسابقا كانت تتأتى من الأجور والخدمات. وأوضح أن الحكومة تهدف إلى تسجيل نسبة نمو ب3% مشيرا إلى أن هنالك بوادر انتعاش اقتصادي. ويعتبر محدثنا أنه حسب بيان صندوق النقد، فإن هنالك موقفا ايجابيا من الوضع في تونس. هذا إلى جانب اعتباره أن وقف الانتدابات وتحقيق التقدم على مستوى إصلاح الصناديق الاجتماعية وإصلاح المؤسسات الهيكلية هي أهم ما يطلبه صندوق النقد. وردا على سؤالنا بخصوص إن كان الصندوق ونتيجة حديثه عن التأثيرات السلبية لكتلة الأجور يمكنه أن يطالب بتخفيض الأجور، استبعد محدثنا هذا السيناريو معتبرا أن الخطوات التي اتخذت في علاقة بكتلة الأجور تبدو كافية بالنسبة إلى الصندوق. ويؤكد محدثنا أنه لا يجب أن نختزل مشاكل الميزانية في الأجور فقط هنالك مشاكل في التداين وتنفيذ المشاريع. فمصاريف الميزانية ليست فقط مصاريف الأجور بل أيضا مصاريف التنمية ومصاريف الدعم.، على حد تعبيره.