اختلفت الحلول والإجراءات بين ساسة البلاد بشان المؤسسات العمومية التي تشكو عجزا كبيرا يفوق ال3 آلاف مليون دينار حسب المصادر الرسمية وتراجعا ملحوظا في عائداتها من سنة إلى أخرى بأكثر من الضعف لتنخفض قيمتها المضافة هي الأخرى بنسبة 15.3 بالمائة، حيث قامت الحكومات المتعاقبة خلال السبع سنوات التي تلت الثورة بعدة إصلاحات وبرامج تخص إعادة هيكلتها وضخت لها تمويلات هامة من الميزانية العمومية في أكثر من مرة كانت أثقلها سنة 2014 حيث بلغت نحو ال5851.5 مليون دينار لتغطية العجز الحاصل في البعض منها ولإنعاش البعض الآخر باعتبارها من مشمولات الدولة. وبعد أن انطلقت الدولة فعليا في برنامج التفويت في بعض مساهمتها الصغيرة في عدد من البنوك الأجنبية البالغ عددها ال14 بنكا، يبدو أن الحكومة تتجه نحو برنامج الخوصصة في عدد من مؤسساتها العمومية لتتجنب الالتجاء إلى التداين الذي بلغ حسب الإحصائيات الأخيرة حدود ال71 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ورغم نفي مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية برنامج التخصيص في الوقت الحالي من خلال تصريحاتهم الأخيرة، فأنهم لم يستبعدوا صراحة النية في خوصصة البعض منها خاصة تلك التي تصنف على أنها منشآت غير استراتيجية بالمرة. بالمقابل، يعتبر العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي أن هذه المسألة باتت أمرا ضروريا ولابد أن تتم الخوصصة في اقرب الآجال، في حين تعد مسالة خوصصة المنشآت العمومية لدى الاتحاد العام التونسي للشغل خطا أحمر وغير ممكنة ولا يمكن حتى مجرد التفكير فيها، من ذلك نبهت المنظمة الشغيلة في أكثر من مناسبة من مغبة هذا البرنامج الذي يبشر به العديد من الخبراء وحتى البعض من ممثلي الحكومة كأبرز الحلول لإنقاذ هذه المؤسسات وإنعاش الاقتصاد المحلي. وأمام تنافر الآراء حول مسالة الخوصصة للمنشآت العمومية، أفاد الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح خص به «الصباح» بان ملف التفويت في المؤسسات العمومية غير مطروح حاليا ويبقى المبدأ الأساسي للحكومة بخصوص هذا الملف هو معالجة وإصلاح هذه المؤسسات حالة بحالة، مبينا أن الحكومة حاليا تدرس وتتفق على منهجية العمل بخصوص إصلاح المؤسسات العمومية وليست لها حاليا ما يسمى بملف تخصيص أو التفويت في المؤسسات العمومية.. هذه المؤسسات المتوقع التفويت فيها لكن المسؤول الحكومي لم ينف بالمقابل أن هناك صنفا من المؤسسات العمومية التي تعتبر استراتيجية لكنها تنشط في قطاع تنافسي مثل الخطوط التونسية وشركة الفولاذ وعدد من المؤسسات المفتوحة على رأس المال الخاص مثل بنك الإسكان، بما يعني إمكانية الترفيع في رأس مالها الخاص في حال عدم تمكن الدولة من تمويل هذا الصنف من المنشآت وهو أمر عادي ومتعارف عليه ويقع في العلن حسب تعبيره، مبينا أن الأمر يختلف بالنسبة للمؤسسات الأخرى غير الاستراتيجية بالمرة للدولة وتنشط في القطاع الخاص ومازالت تشكو صعوبات فهي تمثل بالتالي عبئا على الدولة وحل التفويت فيها جائز وممكن والأموال المرصودة من هذا البرنامج ستوجه مباشرة إلى برامج إعادة هيكلتها... إلى جانب هذه المنشآت، سيتم التفويت في شركة «اسمنت قرطاج» التي تستحوذ فيها الدولة على 5 .52 بالمائة من رأسمال الشركة إلى مستثمر استراتيجي أو مالي قادر على تسيير الشركة وتطويرها بعد أن تم مؤخرا إطلاق طلب عروض دولي للتفويت فيها .. وحسب التوقعات سيليها في مرحلة ثانية الشركة الوطنية للتبغ والوقيد.. فضلا عن الشركة التونسية لصناعة الحديد الفولاذ التي سيتم بيع 49 % من الأسهم التي على ملك الدولة بهدف تحسين وضعيتها ومردودها. حسب ما أكده وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، سليم الفرياني. ومن اهم المؤسسات العمومية التي لها علاقة بميزانية الدولة من جملة ال104 منشأة، فقد حصرها الراجحي في خمس مؤسسات وتتمثل في الشركة التونسية لصناعات التكرير «ستير» والشركة التونسية للكهرباء والغاز «الستاغ» وشركة الخطوط التونسية «تونيسار» والديوان الوطني للحبوب والوكالة الوطنيّة للتبغ والوقيد، مشيرا إلى أن هذه الشركات لها مخاطر على الميزانية وهو ما أخضعها إلى المراقبة من خلال عقد برامج عقود وإبرام عقود أداء كانت قد انطلقت منذ سنة 2013. واعتبر المسؤول الحكومي أن مصير هذه المنشآت العمومية الخمس يعود بالأساس إلى قرار حكومي باعتبار حساسيتها. ويبدو أن برنامج خوصصة المؤسسات العمومية التي تعاني عجزا متواصلا لن يتطلب الكثير من الوقت عكس ما أكده العديد من مسؤولي الحكومة، بل من المتوقع أن يتم الحسم فيها قريبا حسب ما ذهب إليه عدد كبير من الفاعلين في الشأن المالي، وذلك بمجرد الانتهاء من برنامج التفويت في الممتلكات المصادرة التي حدد عددها ب19 شركة في برنامج سنة 2018 قسمت على السداسيتين من السنة لتعبئة موارد جديدة لخزينة الدولة تقدر ب500 مليون دينار حسب ما تضمنه قانون المالية للسنة الجارية.