كانت غايتها الأساسيّة تحسين وضعيتها الاجتماعية فاستغلّت العطلة المدرسية وانطلقت في رحلة لجني الزيتون علّها تحصد بعض الدنانير تساعدها على مواصلة مشوارها الدراسي بعد أن عجز أهلها عن توفير متطلباتها المدرسية، لم يدر للحظة في خلدها أن أحلامها وطموحاتها سترتطم بصخرة الموت بعد أن سقطت من شاحنة كانت تقل نسوة من معتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين إلى ولاية قفصة... مرّة أخرى تضعنا حادثة وفاة التلميذة هويدا الحاجي أمام مأساة ظروف نقل النساء العاملات في المجال الفلاحي فرغم تكرّر حالات الوفاة ورغم التّنديدات من قبل المجتمع المدني والمنظّمات الحقوقيّة إلا أن دار لقمان ظلت على حالها وظل المشهد ذاته، شاحنة مهترئة تكدس في صندوقها الخلفي مجموعة من النسوة الكادحات في مشهد يراه كثيرون يسيء جدّا لصورة المرأة الكادحة ويضرب عرض الحائط بأبسط الحقوق الإنسانية والاجتماعية المنصوص عليها صلب الدستور. توفيّت، صباح الخميس 1 فيفري 2018، التلميذة هويدا حاجي (18 سنة) بالمستشفى الجامعي بصفاقس متأثّرة بإصابتها على مستوى الرأس بولاية قفصة. وتعود أسباب الوفاة إلى سقوطها من شاحنة كانت تقل نسوة لجني الزيتون من معتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين إلى ولاية قفصة. وهذه ليست الحادثة الأولى وإنما هي رقم آخر ومأساة جديدة تنضاف إلى سلسلة أخرى من الحوادث الأليمة حيث جد بتاريخ 16 أكتوبر 2017، حادث مرور بين شاحنتين تقلاّن عاملات في القطاع الفلاحي بالطريق الرابطة بين منزل المهيري والقيروان أسفر عن إصابة 36 عاملة بجروح. وتتمثّل صورة الحادث في انقلاب إحدى الشاحنتين بسبب مجاوزة ممنوعة. وشهد شهر أفريل الماضي وفاة امرأة (عمرها 55 عاما) وإصابة 10 نساء أخريات، في حادث انقلاب سيارة استعملت لنقل العاملات في قطاع الفلاحة، في منطقة الفوار بتبرسق من ولاية باجة. هذه الحوادث سالفة الذكر تدفعنا إلى طرح أسئلة بإلحاح عن الإجراءات التي أعلنت عن تطبيقها سابقا وزارة المرأة بالتعاون مع وزارة النقل؟ ولماذا تغيب آلية المحاسبة والعقاب مع كل حادث؟ وفي هذا السياق تؤكد وزارة المرأة والأسرة والطفولة الظروف الصعبة وغير اللائقة التي تواجهها النساء العاملات في القطاع الفلاحي فاستنادا إلى دراسة أعدّتها وزارة المرأة والأسرة والطفولة أعلنت نتائجها خلال أوت 2016، فان 10 % من العاملات في الأرياف ضحايا حوادث شغل وأن 21.4 % معرّضات لمخاطر حوادث الشغل خاصة وأن 62.3 % يعملن في ظروف صعبة و18.8 % يعملن في ظروف صعبة جدا. وأثبتت الدراسة التي شملت ولايات سليانة ونابل والقصرين والمهدية وجندوبة، أن أعمار العاملات في الأرياف تتراوح بين 16 و82 سنة وتصل نسبة الأمية في صفوفهن إلى 4% مقابل 6.% متحصلات على شهادة تعليم عال. من هذا المنطلق أشارت وزيرة المرأة في تصريح سابق إلى وجود جهود مع وزارة النقل ترمي إلى تمديد خطوط النقل الريفي بما يمكن النساء العاملات في القطاع الفلاحي من بلوغ الضيعات الفلاحية في ظروف آمنة تمكن من تفادي الحوادث التي قد تتعرض لها عبر وسائل النقل غير المهيّأة لهذا الصنف من العملة، إلى حين المصادقة على مشروع قانون يتعلق بإحداث صنف جديد من النقل الخاص بالعاملين في الفلاحة.. في تفاعله مع المسألة أكّد رمضان بن عمر المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح ل»الصباح» أن الإشكال الرئيسي يتمثل في غياب آلية المتابعة بعد وقوع أي حادث معتبرا في السياق ذاته أن القوانين والقرارات المنصوص عليها ومهما كانت رائدة أو مهمة فان الأهم هو مدى تجسيمها على ارض الواقع مشيرا في هذا الإطار انه ومع غياب ثقافة المحاسبة فان هذه الحوادث من شانها أن تتكرر لاحقا. وحسب إحصائيّات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ عدد ضحايا حوادث المرور التي تعرّضت لها العاملات في قطاعي الفلاحة والصناعة بلغ، سنة 2015، 98 عاملة (85 جرحى و7 حالات وفاة) ليرتفع هذا العدد سنة 2016 إلى 112 ضحية (107 جرحى و5 وفيات) جدّ أغلبها في جهات الشمال الغربي والقيروان وأرياف الساحل وزغوان. وأكّد بن عمر في هذا الإطار أنه يتعين على الدولة إيجاد آليات تحد من الظاهرة على غرار تطبيق القانون وتحسين ظروف التنقل فضلا عن تفعيل آليات الرقابة مع تشجيع النساء على بعث مشاريع نقل تحظى بدعم من الدولة مشددا في السياق ذاته على ضرورة أن تفرض الدولة على أصحاب الضيعات شروطا صارمة في عملية نقل النسوة من شأنها أن تحفظ سلامتهن. في هذا الخضم وفي انتظار المصادقة على مشروع قانون يتعلق بإحداث صنف جديد من النقل الخاص بالعاملين في المجال الفلاحي يتعين على الدولة ومختلف مكونات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات حقوقية إيلاء الأهمية القصوى لهذه المعضلة- التي ما فتئت تستفحل في ظل غياب أدنى مقومات السلامة في عملية نقل النساء- كأن تكثف من أجهزة الرقابة على أصحاب الضيعات الفلاحية لا سيّما في ما يتعلق بظروف نقل النسوة إليها حتى لا تزهق أرواح أخرى...