صنع فيلمه الحدث وكان مفاجأة السينما التونسية في منافسات الدورة المنقضية لأيام قرطاج السينمائية بتتويجه بثلاث جوائز مهمة على مستوى السيناريو وجائزة طاهر الشريعة للعمل الأول وجائزة «تي في5 موند» الفرنسية ، وليد مطار واحد من جيل سينمائي كامل اختار مطاردة حلمه بسينما يتقاسم شغفها مع الأخر..«شرش» أو «ريح الشمال» لوليد مطار أحد الأفلام المبرمجة في الفترة الحالية بقاعات السينما التونسية.. «الصباح الأسبوعي» التقت المخرج الشاب للحديث عن فيلمه الروائي الطويل الأول بعد خمس تجارب روائية ووثائقية قصيرة (منها «أولاد الفكرونة» و«بابا نويل»)، مهّدت الطريق لوليد مطار ليكون اليوم أحد أبرز سينمائيي جيله. ● كتابة مشتركة للسيناريو مع ليلى بوزيد وكلود لوباب ما المختلف في تجربة؟ - أنا وليلى بوزيد نتعاون على مستوى الكتابة منذ فترة طويلة (2007) ونتكامل في هذا الجانب وبعد خامس فيلم قصير لي «بابا نويل» قررت تقديم روائي طويل وكانت هناك مشاريع أفكار عديدة و»شرش» لم يكن في بداية كتابته يروي حكايتين متوازيتين فقد كنت سأكتفي بالشخصية التونسية وعملها في مصنع للنسيج ثم قرارها بالهجرة غير أن السيناريو بدأ يتبلور أكثر وبعد الهجمات الإرهابية الأخيرة على فرنسا قادتنا هذه التأثيرات لخيارات أخرى فابتكرنا شخصية فرنسية وفي أجواء العولمة تشكلت شخصيات الفيلم واخترعنا قصة حب في تونس وركزنا على علاقة الأب بابنه في فرنسا، هي حكايات اجتماعية إنسانية يمكن أن تقع في أي مكان ثم التحقت كلود لوباب بكتابة السيناريو حتى تضيف اللمسة الفرنسية الكوميدية على العمل فباعتباري أحب اعتماد الكوميديا السوداء في أعمالي وأنا وليلى نتقن تقنية كتابة كوميديا التونسية استعنا بسيناريست فرنسية للاهتمام بالجانب الغربي من القصة. وشخصيا أحتاج إلى العمل مع فريق للكتابة خاصة وأني أجد نفسي في الإخراج أكثر والحكاية أتخيلها مشاهد لا على الورق والسيناريو إلى جانب أنه يروي الحكاية هو وثيقة تقنية يعتمدها الانتاج ومدير التصوير ومساعد المخرج وأؤمن بأن كتابة السيناريو لها مختصون كما أن امتهاني لعمل خارج مجال السينما (الهندسة الصناعية) يجعلني أحتاج إلى فريق عمل لأجل الفعالية. ● تزامنت برمجة الأفلام التونسية في قاعات السينما فهل خفض هذا الكم من نسب إقبال الجمهور على «شرش»؟ - الجمهور يواكب عروض الفيلم وحقق إقبالا جيد امن قبل التونسيين لكن العدد القليل لقاعات السينما هو العائق الأكبر أمام أي فيلم تونسي وقد قمنا بعد عرض الفيلم بأيام قرطاج السينمائية بإضافة ترجمة بالعربية فالجمهور التونسي ليس كله فرنكوفونيا كما لا أعتقد أن هناك تنافسا بين الأفلام التونسية حتى مع تزامن عروضها وكلما تضاعف العدد كان ذلك لصالح السينما الوطنية فالجمهور والجودة موجودان وأفلامنا أصبح لها صيت دولي وصارت أقرب من الناس على غرار فيلم كوثر بن هنية «على كف العفريت» و«الجايدة» ثم «شرش» و«شيطان القايلة» و«بنزين» الذي قام بعروض عديدة في الجنوب التونسي وهذا مهم وقد سعينا إلى ذلك في «شرش» بالانتقال إلى مناطق بداخل الجمهورية حاملين تقنيات للغرض السينمائي وبرمجنا عروضا في دور الثقافة. والتونسيون يحبون استهلاك عمل محلي وأي جمهور يحتاج إلى عمل يكون مرآته. ● اعتماد «شرش» على قيم كونية وإنسانية في طرحه هل هو بحث عن العالمية وسوق أجنبية للفيلم؟ - من المفروض أن يكون الفيلم في مضمونه كونيا .صحيح أن الفنان والمنتوج جنسيتهما تونسية والإشكال يعود إلى مسألة التصنيفات على مستوى الدعم والمهرجانات على غرار ما يسمى ب»سينما الجنوب» ، أو أفلام افريقية وأخرى عربية ودعم لنوع معين من السينما المنتمية إلى منطقة بذاتها لكن الفن يبقى دوما كونيا ونتمنى أن نتجاوز ذلك ويصبح الفيلم التونسي له مكان في العرض التجاري بفرنسا وأوروبا وتكون المشاركة في المهرجانات محطة أولى لعرض أكبر يعمّه الجمهور. ● ل«حمام الأنف» رمزية كبيرة في سينما وليد مطار فهل حقق عرض «شرش» في هذه المدينة تطلعاتك؟ - العرض في حمام الأنف كان شرطي الوحيد على المنتج والموزع ردا للاعتبار لمدينتي التي صورت بها الفيلم ولنادي السينمائيين الهواة بحمام الأنف، الذي ترعرعت فيه وكذلك كانت الغاية من برمجة العمل في حمام الأنف تذكيرا بأن كل قاعات السينما بهذه المدينة أغلقت ومع ذلك حضر الجمهور بكثافة وهذه رسالة واضحة إلى الإرادة السياسة التي تردد دوما أن التونسي لم يعد يذهب إلى السينما وكل مناطق الجمهورية لا يوجد فيها عدد كاف من القاعات .ففي فرنسا حين يعرض فيلم اجتماعي أغلب جمهوره شيوخ وفي تونس العكس .أكبر نسبة من جمهور السينما التونسية من الشباب.. كنا نتوقع بعد الثورة أن الإرادة السياسية ستكون مختلفة لكن للأسف لا تغير. فمكاسبنا واضحة إلى جانب حرية التعبير تأسيس جمعيات و برمجة أفلام ومناقشتها وفي انتظار ثورة أخرى علينا العمل وإنتاج الأفلام.. ● هل وجدت صعوبات في كاستينغ الفيلم خاصة وأن طرح روايتين في عمل واحد له عوائقه وهل كان اختيار مغني راب متعمدا لأداء دور «فؤاد»؟ - لم أختر حمزاوي لأنه مغني راب بل لأنه فؤاد، الذي أبحث عنه، «ولد الحومة» وفي نفس الوقت صاحب وجه مؤثر ومعرفتي بمحمد أمين حمزاوي تعود إلى ما قبل تقديمه ل «حوماني» ومشاركته في «مكتوب» لكن بعد أن صار نجما شبابيا خشيت أن يؤثر ذلك على العمل ويصبح النجم يسيطر على الفيلم وكلفت جميل النجار بإجراء كاستينغ لدور «فؤاد» شارك فيه محترفون وهواة وأبناء المعهد العالي للمسرح وشاهدت حمزواي في أحد فيديوهات الكاستينغ بينهم ففاجأني بأدائه وأعجبني استعداده حيث أنقص 15 كغ وكان متعاونا جدا مع كل فريق الفيلم وهذا ما أبحث عنه دوما في أبطال أفلامي وهذه الخاصية تنطبق على جميع الممثلين، الذين شاركوا في «شرش» منهم عبير البناني، التي وجدت فيها كريمة وقطعت مع «كليشي بنت المعمل» وبالنسبة إلى الشخصيات الفرنسية اخترت فيلب ريبو لدور البطل الفرنسي «هيرفي» وزوجته عاملة النظافة جسدتها الممثلة كورين ماسيرو، التي تعود جذورها إلى منطقة شمال فرنسا أين صور الفيلم كما جسد دور ابنهما الممثل الشاب كاسي موتي كلان وهو ممثل معروف في فرنسا وله شعبية عند الشباب الفرنسي ورغم صغر سنه يملك في رصيده عشر سنوات من احتراف الفن كما استعنت بهواة يمثلون لأول مرة في السينما. وهذه التركيبة في كاستينغ «شرش» أقنعتني وكانت لصالح العمل ولم نجد صعوبات كبيرة ما عدا المجهود الكبير الذي بذل لفترة طويلة نسبيا من البحث عن الممثلين المناسبين لأداء الأدوار الرئيسية. ● تحدث البعض عن تأثرك وتقليدك لسينمائيين عالميين في بعض مشاهد «شرش» فكيف تفسر ذلك؟ - طبيعي أن أكون متأثرا بمراجع سينمائية معينة والفن بطبعه تفاعلي وتحكمه الاستمرارية وشخصيا أقرأ كثيرا وأشاهد عددا كبيرا من الأفلام كما أني متأثر بالواقعية الإيطالية وبالمخرجين إيليا سليمان ، كين لوتش، الأخوان البلجيكيان درادين وبالتالي حتى دون أشعر أو أرغب في تقديم أعمال تشبه هذه الأجواء سأجد نفسي قريبا من هذه العوالم الفنية. ● هل تعتقد أن غياب الرقابة الذاتية ساهم في ولادة سينما مغايرة يقودها أبناء جيلك؟ - لا أعتقد أن غياب الرقابة الذاتية وراء ذلك بل الانفتاح أكثر على العالم والفنون والتجارب المختلفة فبفضل الانترنت والفيديو صارت مراجعنا أثرى ولم نعد نكتفي بأفلام نوادي السينما وبرمجة أيام قرطاج السينمائية فتغيرت أشياء كثيرة على مستوى الأداء واللعب وسينما المؤلف تطورت كثيرا في العالم والثورة الرقمية تزامنت مع أفلامنا القصيرة وبتمويلات قليلة يمكننا تقديم فيلم والمشاركة به في مهرجان دولي دون الحاجة إلى مساندة منتج له علاقات نافذة أو لوبي سينمائي . ● وكيف هي علاقتك بالدعم السينمائي؟ - أقبل شروط اللعبة وأمنح ثقتي للجنة وأعتقد أن إنشاء مركز السينما والصورة بصبغته المستقلة هو خطوة جيدة والمطلوب فقط شفافية أكبر في مسألة رزنامة الدعم ومواعيدها وهذا من منظوري الحل الأمثل الذي سيرضي الجميع. ● ما الذي يستفز وليد مطار ليقدم فيلما جديدا وماذا عن مشروعك القادم؟ - لا يمكنني تقديم عمل فني لا يشغلني اجتماعيا وثقافيا وفكريا، أشاطر الناس أفكاري، أتفاعل مع قضايا مجتمعي وأتقاسم معهم هواجسي، أؤمن أن السينما مرآة الناس ويستفزني حاليا موضوع هام سيكون محور مشروعي السينمائي القادم وهو العنف.