انطلاق الحملة الوطنية لمراقبة التكييف الفردي بمشاركة أكثر من 50 فريق مراقبة مشترك    حجز وإتلاف مواد غذائية ومياه غير صالحة للاستهلاك بهذه الولايات    ترجي جرجيس يعزز صفوفه بالمهاجم النيجيري ستانلاي اوغوه    وزارة الدّفاع الوطني تعلن أنّ حصّة التجنيد الثالثة لسنة 2025 تنطلق يوم 1 سبتمبر 2025    بلدية باردو تدعو متساكنيها الى ضرورة الانتفاع بالعفو الجبائي لسنة 2025    قبلي: تدخل طبّي أوّل من نوعه بالمستشفى المحلي بدوز يمكّن من انقاذ حياة مريض مصاب بجلطة قلبية    نصيحة من "تشات جي بي تي" تدخل رجلا المستشفى..ما القصة..؟!    عاجل/ خمور فاسدة تتسبّب في وفاة 13 شخصا وإصابة آخرين بالعمى    قبلي: أصحاب الشهائد العليا المعطلون عن العمل يطالبون بتفعيل مبادرة انتدابهم حسب العمر وسنة التخرج    طرشون يوضح: ''فكرة تقاسم الأعمال في الدار دراسة تربوية برك...ما فماش قانون معمول بيه''    عاجل : تأجيل إضراب أعوان شركة ''عجيل''    بإحتفالية "الدون": شيماء التومي تتأهل إلى نهائي دورة كازاخستان للتايكواندو (فيديو)    زغوان: الشروع في تحيين الدراسة الفنية لمشروع توسعة مبيت مركز التكوين والتدريب المهني بزغوان    عرض "كلنا نغني " ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي ... تجربة موسيقية مبتكرة تحول الجمهور إلى نجم    بورصة تونس: إطلاق تداول أسهم تأمينات البنك الوطني الفلاحي    النجم الساحلي: ثلاثي جديد على ذمة لسعد الدريدي في مواجهة النادي الإفريقي    تونس لم تسجّل إصابات بفيروس "شيكونغونيا" وتواصل مراقبة البعوض الناقل    بلاغ هام للطلبة..#خبر_عاجل    ال Var غايب والحكام التوانسة في الميدان    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..    ملف عمال الحضائر والقرية الحرفية: هذا ما وعد به رئيس الدولة..#خبر_عاجل    عاجل/ تحذير ودعوة للانتباه من تكون سحب رعدية بهذه السواحل..    عاجل/ وفاة شاب بصعقة كهربائية داخل مطعمه..    عاجل : تفاصيل الإعلان عن مواعيد النتائج النهائية لمترشحي مراحل التكوين الهندسي لدورة 2025    صفاقس: شنوة باش يصير لبدر خوذي بعد ما أنقذ 3 صغار من الحريق؟    السودان: الكوليرا تقتل 40 شخص في أسبوع    القيروان تحتضن الدورة الثامنة للمهرجان المغاربي ''للكسكسي''    الشركة العقارية للبلاد التونسية: الشروع في بيع 45 شقة ضمن آلية "الفوبرولوس"    بنزرت: حجز عدد هام من التجهيزات الكهرومنزلية غير المطابقة للمواصفات    المروحة في الشهيلي تنجم تضرّك في الحالة هذه    "سوسيوس كليبيست" يواصل بيع تذاكر الكلاسيكو .. والمستشهر الأمريكي على الخط    فتح بحث تحقيقي في شبهات فساد بملفّ الطاقات المتجدّدة    نبيهة كراولي تختتم مهرجان الحمامات الدولي: صوت المرأة وفلسطين يصدح في سهرة استثنائية    مهرجان قرطاج الدولي 2025: صوفية صادق تغني في عيد المرأة ... بين وفاء الذاكرة وتحديات الحاضر    عاجل: الفنانة الكويتية حياة الفهد تصاب بجلطة وحالتها حرجة    واشنطن تلغي تأشيرات مسؤولين برازيليين    رئيس الجمهورية يزور معتمدية سجنان بمناسبة الاحتفال بعيد المراة    عاجل/ صفقة شاملة لغزة.. تفاصيل المفاوضات في القاهرة..    الخطوط السورية تعود إلى الأجواء الليبية بعد سنوات...التفاصيل    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    حرائق الغابات تجتاح أوروبا    باريس سان جيرمان يحرز كأس السوبر الأوروبية بفوزه على توتنهام بركلات الترجيح    "فايننشال تايمز": توتر متصاعد بين ترامب وزيلينسكي عشية قمة ألاسكا    فظيع في القصرين :يقتل والده ويدفنه في المنزل !!    رئاسة الجمهورية تكشف فوى زيارة سعيد لمعتمدية سجنان..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    بطولة أمم إفريقيا للمحليين: فوز موريتانيا ومدغشقر على بوركينا فاسو وافريقيا الوسطى    مهرجان العنب بقرمبالية.. احتفال بالحصاد والتراث    قرطاج بين إبهار الحفلات وطمس الملامح التاريخية...مسرح أثري ... أم قاعة أفراح؟    سرّ غير متوقع لتقوية العلاقة الزوجية    رئيس الجمهورية في زيارة غير معلنة إلى سجنان: التفاصيل    تاريخ الخيانات السياسية (45): مقتل صاحب الشامة القرمطي    دواؤك في مطبخك...الثوم يتفوق على المضادات الحيوية...    تفشي عدوى بكتيرية بفرنسا ...تفاصيل    الكاف: حجز كميات من السجائر المحلية والمجهولة المصدر    طقس اليوم: أمطار مُنتظرة ببعض الجهات بعد الظهر والحرارة تصل إلى 39درجة    دعوة الى تلازم الذكاء الاصطناعي مع مقاصد الدين    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصدرته مؤسسة الفكر العربي: كتاب جديد يطرح.. أيّ مستقبل للّغات في ظلّ العولمة؟
نشر في الصباح يوم 06 - 02 - 2018

مصير اللغات ومستقبلها وإمكانية حمايتها في ظلّ العولمة وهيمنة بعض اللغات ومركزيتها، هو محور الكتاب الصادر حديثاً عن مؤسّسة الفكر العربي تحت عنوان «أيّ مستقبل للّغات، الآثار اللغوية للعولمة»، وهو من تأليف الباحث اللغوي الفرنسي لويس- جان كالفي، وترجمة الدكتور جان جبور.
يسعى مؤلّف الكتاب إلى بلورة ما أسماه «علم السياسة اللغوية»، الذي يساعدنا في الإجابة على الأسئلة المعقّدة التي تطرحها العولمة في جانبها اللغوي. فالسياسات اللغوية برأيه، تشكّل «تدخّلات» تطال اللغة، أو العلاقات بين اللغات، لكنها ليست العامل الوحيد المؤثّر. إذ يمكن لدولة ما أن تتدخّل في نقاش حول قواعد الكتابة، وأن تقرّ قانوناً يحمي اللغة، وأن تحدّد الوضع القانوني للغاتٍ مناطقية. لكنّ هناك أنواعاً أخرى من الإجراءات لا ترتبط بالدولة، يقوم بها أفراد أو مجموعات، كالمشروع الذي قادته في منتصف القرن السادس عشر مجموعة من الشعراء الفرنسيين انضووا تحت لواء ما عُرف ب ِ»البلياد» (الثريا)، أو العمل الذي قام به الكاتب أحمدو كوروما حول اللغة، والذي يقدّم لنا في رواياته صيغة استحواذية أفريقية للغة الفرنسية. إلّا أنه في السياسة اللغوية، يجهل صُنّاع القرار في أغلب الأحيان ماذا يفعلون، أو أقلّه لا يدركون الترابط الإيديولوجي العام لاختياراتهم التجريبية. وهذه النقطة هي ذات أهمّية قصوى بالنسبة لعلم السياسة اللغوية، الذي يتولّى الكشف بالتحديد عن خلفية السياسة اللغوية.
وقد عمد الكاتب إلى دراسة حالات كلّ من تركيا والاتحاد الأوروبي والأرجنتين وكورسيكا، ليُظهر بأنّ المسألة اللغوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي، فحين يكون وراء المطالبة اللغوية مشروع سياسي، من الملائم مقاربته في الميدان السياسي. من هنا، يقترح نظام خبراء للمساعدة على اتّخاذ القرار في مجال السياسات اللغوية، يقوم على وضع «تصنيف للحالات اللغوية والتدخّلات في هذه الحالات» انطلاقاً من تحليل نقدي لما تمّ القيام به، من أجل وضع قاعدة بيانات أولاً، وربما بعدها نُعدّ نظاماً مُبرمجاً إلكترونياً نُضمّن فيه الحالات الإقليمية والوطنية والدولية وفق «صيغ» أو «معادلات». وهو يُدخل في هذا التصنيف، كلّ المعطيات والبارامترات المفيدة (الوضع الإحصائي للّغات، علاقات اللغات فيما بينها، العوامل الحضرية، المعايير والتمثّلات، السياسات اللغوية..) لأن الهدف النهائي هو مزدوج الأبعاد: جمع الوثائق عن كلّ الحالات اللغوية في العالم وإنجاز نظام مختصّ، يقدّم لنا الحالات المشابهة في كل أنحاء العالم.
ويطرح الكاتب مسألة موت اللغات، معتبراً أن اللغات التي تندثر تؤشّر لحالات تتلاقى فيها عوامل سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، لتدفع بالمتكلّمين إلى الاستغناء عنها تدريجياً، فلا تعود لغات "ناشرة" (أيّ لغة التواصل المشتركة) شيئاً فشيئاً. إن المتحدّثين هم أيضاً مسؤولون، بفعل اختيارهم لعدم التكلّم بلغة ما، حتى وإن كان هذا التخلّي الجزئي قابلاً للتفسير من خلال عوامل اجتماعية وتاريخية. هذا يعني أن الإنسان في علاقته باللغات التي يخلقها ويعتني بها يومياً، يتمتّع بنوع من الحرية، ويتحمّل شيئاً من المسؤولية. ليس الإنسان هو الذي يتوقّف عن نقل لغته فحسب، وإنّما موازين القوى هي التي تفرض عليه هذا التخلّي أيضاً. لكن هل يتوجّب حماية كل اللغات واعتبارها متساوية ومنعها من الانقراض؟
يؤكّد كالفي أن القول بأن جميع اللغات متساوية هو أمر لا جدال فيه، كما أنه أمر أجوف على حدّ سواء. فجميع اللغات متساوية بنظر اللغويين، بما في ذلك بطبيعة الحال اللغات التي يسمّيها البعض "لهجات"، "كريولية"، "عامّية"، وما إلى ذلك؛ أي أنها جميعها لغات، وهي كلّها تستحق أن توصّف، مهما كان وضعها، وانتشارها وصيتها. لكن، وبعيداً عن هذا المنحى المثالي، يبيّن تحليل الحالات اللغوية في العالم أن اللغات غير متساوية إلى حدّ كبير. فهي في البداية غير متساوية من الناحية الإحصائية، إذ أن بعضها يُستخدم في الكلام من قبل أناس كثيرين جداً، فيما قلّة من الناس تتكلّم لغات أخرى. وهي غير متساوية من الناحية الاجتماعية، إذ يقتصر استخدام بعضها على وظائف محصورة، أو هي غير مكتوبة أو غير مستخدَمة في التعليم، فيما لغات أخرى هي لغات مهيمِنة، وتؤدّي وظائف رسمية، وأدبية، وثقافية، ودولية، أو تواصلية. وهي في النهاية غير متساوية من ناحية التمثّلات التي تختزنها.
ويرى كالفي أن بعض اللغات تُعتبر مرموقة، وغيرها لا، بعضها يطالب المتكلّمون بها أن تُعتبر لغات هُويّة، فيما يتخلّى متكلّمون آخرون عن لغاتهم ولا يعملون على نقلها إلى أولادهم ويفضّلون لهم اكتساب لغة أخرى.
والعولمة التي تزيد من أعداد شبكات التواصل، تُعمّق التفاوت بين اللغات، وتعزّز وضع اللغة المفرطة في مركزيتها، الانقليزية، على حساب اللغات الطَرَفية. من هذه الناحية، إن البند الخامس من "الإعلان العالمي للحقوق اللغوية" الذي ينصّ من حيث المبدأ على أن لكلّ الجماعات اللغوية حقوقاً متساوية، بغض النظر عن الوضع القانوني أو السياسي للغتها، أكانت رسمية، إقليمية أو لغة أقلّيات، هو بند غير واقعي تماماً.
وإذا كانت اللغات غير متساوية في الواقع، هل يتوجّب علينا أن نكافح من أجل مساواتها؟
هل بإمكان السياسات اللغوية "حماية" اللغات المهدّدة بالانقراض، وهل يتوجّب عليها ذلك؟ فإذا كانت اللغات نتاج ممارسات اجتماعية، وإذا كانت موضوعة لخدمة البشر، يتوجّب علينا حين نقرّر الدفاع عن لغة، وحمايتها أو تعزيزها أن نتساءل أولاً ما هي الفائدة المرجوة للناطقين بها، وما هي وظيفتها الاجتماعية. يجب أن نسأل أنفسنا عن الحاجات اللغوية للسكان، وعن الوظائف الاجتماعية للّغات التي يستخدمونها: إن الإدارة السياسية للّغات تمرّ بتحليل وظائفها العملية والرمزية. لا يمكن لأيّ لغوي أن يَسعد لاندثار لغة، لكن ذلك لا يعني أنه يتوجّب علينا بشكل منهجي، وبنوع من التعنّت المَرَضي، حماية أشكال لغوية هجرها الناطقون بها.
ويخلص المؤلّف إلى السؤال المحوري: أيّ مستقبل لغوي للعالم في ظلّ العولمة؟ ويرى أن الأوضاع اللغوية تتغيّر باستمرار، ومهما كانت عملية المسح دقيقة، فإنها لا تلبث أن تتبدّل بسرعة. والعوامل التي توثّر في هذه التغيّرات متنوّعة، ولا يمكن لعامل لوحده أن يفسّرها. فهناك الديمغرافيا، والنقل، والتحضّر، وسياسات الدول، والتكنولوجيات الجديدة، التي حوّلت العالم إلى «سوق» تحظى فيه اللغات بتراتبية، إذ يكون بعضها في قلب النظام العالمي، لأن عليها الطلب الأكبر، وبعضها الآخر على الطرف أو الهامش، ويتمّ التخلّي عنها شيئاً فشيئاً.
يؤكّد الكاتب أنّ عملية تقدّم أو تراجع اللغات كانت موجودة على الدوام، لكن العولمة حوّلت ظاهرة ظرفية إلى ظاهرة بنيوية. إنها تميل لخلق فجوة بين المركز والأطراف، مما يشجّع على ظهور التعبيرات عن الهوّية المتشدّدة. كلّ ذلك يرسم مستقبلاً لا تكون فيه، في مواجهة لغة العولمة، إلّا لغات إقليمية، هُوّية، بعد أن تكون اللغات الفائقة المركزية، كالفرنسية والإسبانية والبرتغالية والعربية، قد أُنهكت أو على الأقلّ وُضع حدٌّ لتوسّعها ولوظائفها. ليس «موت» اللغات إذاً هو الذي يميّز العولمة في جوانبها اللغوية، وإنما بالأحرى إعادة توزيعها الوظائفي، بحيث يتحوّل سوق اللغات ببطء إلى سوق زائف، لن يُفسَح لنا فيه قريباً أي مجال للاختيار: من جهة، نحن نكتسب لغة لا نختارها تُنقل إلينا عبر أهلنا، ومن جهة ثانية، ستُفرض علينا بطريقة أو بأخرى لغة العولمة، اللغة الانقليزية.
في مواجهة الجانب اللغوي للعولمة، يمكن للسياسات اللغوية أن تتراوح ما بين برامج طموحة ومُكلفة (مثل مشاريع التحالف بين المجموعات اللغوية كالفرنكوفونية والإسبانوفونية والعربوفونية...)، وعمليات محلّية ذات طابع نضالي. في الحالة الثانية، ليس المطلوب أن نضع اللغات الطَرفية على مستوى اللغات الفائقة المركزية، ونمنحها المكانة نفسها، لأن المشروع سيكون غير واقعي إلى حدّ بعيد. في المقابل، إذا تضافرت جهود الغالبية العظمى من المتحدّثين بلغة معيّنة من أجل الدفاع عنها، يمكن أن يأملوا في إعطائها فرصة للبقاء في «سوق اللغات». من هنا، فإنّ التحليل الموضوعي لكلّ حالة يجب أن يُظهر لنا ما هو الممكن، والمفيد، والمرغوب فيه، وما هو عديم الفائدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.