هي «مرحلة استراتيجية جديدة» كما وصفها حزب الله اللبناني من أجل الحد من دخول إسرائيل المجال الجوي السوري.. وهي أيضا من «أخطر المواجهات» التي حدثت حتى اليوم بين إسرائيل وإيران في صراع على النفوذ في سوريا. الحكاية لم تبدأ عندما أسقط مضاد للطائرات من سوريا طائرة حربية إسرائيلية بصدد العودة إلى قواعدها بعد أن نفذت غارة على مواقع قوات تدعمها إيران في سوريا، فهي ليست الطائرة الإسرائيلية الوحيدة التي شنت هذه الغارة، بل هي واحدة من أصل 8 طائرات أرسلتها إسرائيل بدعوى الدفاع عن نفسها كما تقول. أخذ ورد وهذه الغارة تأتي ردا على ما وصفته إسرائيل بتوغل طائرة إيرانية دون طيار في مجالها الجوي في وقت سابق من نفس اليوم. مسلسل الأخذ والرد لم ينته عند هذا الحد، بل شنت إسرائيل غارة ثانية أصابت بحسب ما قالت 12 هدفا إيرانياوسوريا، تعتبره تل أبيب هجوما أكبر على مواقع سورية مما حدث 1982. والحكاية لم تبدأ أيضا باتّجاه إيران نحو نشر قواتها قرب مرتفعات الجولان وهو الأمر الذي تعتبره إسرائيل تهديدا لأمنها ويتطلب منها التصعيد ورد الفعل إذا ما شعرت أن إيران تستهدفها. لتحصل بذلك على دعم أمريكي غير مشروط تأكيدا لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. حكاية الصراع الإيراني الإسرائيلي أقدم من ذلك بكثير وهي اليوم تشهد ربما مرحلة جديدة بتحوله إلى مواجهة مباشرة بدل مواجهات بالوكالة. تصريحات تصعيدية منذ أشهر التصعيد الميداني سبقه بطبيعة الحال تصعيد كلامي، فقد نطق المسؤولون الإسرائيليون بجملة من التصريحات منذ سبتمبر الماضي حول جاهزيتهم للتصدي لأية محاولات لاتخاذ إيرانسوريا منصة لاستهداف المصالح الإسرائيلية. فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إيران تعمل بشكل متواصل من أجل تحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية واعتماد البلاد إلى جانب لبنان «جبهات حرب لإزالة إسرائيل من الوجود.» كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان كما اعتبره استمرارا لإيران في تهريب الاسلحة إلى لبنان مؤكدا أن إسرائيل جاهزة للتصدي لكل ما من شأنه تهديد لأمنها. المخاوف الإسرائيلية تتزايد بخصوص احتمال إنشاء طهران قواعد بحرية وجوية في سوريا تمكنها من التحكم في ميليشيات تابعة لها تنشط في سوريا. وكما لكل حليفه في سوريا ومقاتلون إما يقاتلون لصالحه أو باسمه فإن لكل مصالحه في البلاد. فإسرائيل تريد التصدي للنفوذ الإيرانيوتركيا للمقاتلين الأكراد وروسيا للنفوذ الأمريكي وغيرهم كثيرون. ولكن هذه التطورات الجديدة قد تبدأ تعني انطلاق المرحلة الموالية في سوريا فبعد الصراعات والاقتتال غير المباشر، هل يمكن أن تتحول البلاد إلى ساحة حرب إسرائيلية إيرانية؟ أروى الكعلي من يقاتل من في سوريا؟ التدخل الأجنبي في سوريا الذي بدأ بشكل غير علني تطور اليوم إلى حضور منظم وواضح وتعدد حاملو السلاح في البلاد وكل يحمل ولاء لهذا الطرف أو ذاك.. فعلى إثر حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية الأخيرة التي تثبت مدى التدخل الإسرائيلي في سوريا، تتحرك في البلاد جيوش ومليشيات تابعة ل8 دول على الأقل. فسوريا هي ساحة يحضر فيها المقاتلون الأكراد الذين حققوا الكثير خلال السنوات الأخيرة وهم يشكلون ركيزة «قوات سوريا الديمقراطية» التي نجحت في تحرير الرقة بعد أن حظيت بدعم التحالف الدولي وهم يقيمون مناطق إدارة ذاتية في المناطق التي يسيطرون عليها. وهذا التقدم الذي حققه المقاتلون الأكراد جعلهم هدف عملية «غصن الزيتون» التي أطلقتها تركيا في عفرين السورية. في سنة 2015 دخلت روسيا على الأرض بعد أن دخلت على خط الصراع في سوريا قبل ذلك بكثير. بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتفاخر بأن استخدام الأسلحة الروسية في سوريا" أظهر أن الجيش الروسي يعد واحدا من أكثر جيوش العالم تجهيزا"، و"ليس له مثيل في عدد أنظمة التسلح."واليوم يرتكز آلاف الجنود الروس في قاعدة "حميميم" العسكرية . لواشنطن أيضا قواعد عسكرية داخل البلاد بالرغم من أن تدخلها عبر التحالف الدولي تأخر نسبيا مقارنة بسرعة التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان. وقد تدخلت فرنسا عسكريا للتصدي لتنظيم «داعش» الإرهابي ولكن هجماتها لم تكن ذات نجاعة كبرى. الحديث عن تدخل إيراني في سوريا بدأ منذ الأشهر الأولى للأزمة السورية، وقد دعمت إيران نظام الأسد عسكريا وماليا وتتبع لها مليشيات مسلحة داخل البلاد واليوم يتحدث متابعون عن تعاظم الدور الإيراني في الداخل السوري. حزب الله اللبناني كان أيضا مناصرا لنظام الأسد إذ كان النظام السوري يعتبر امتدادا للمقاومة في فلسطينولبنان وقد شارك حزب الله في الحرب منذ البداية وهو يسيطر على المناطق الحدودية بين سورياولبنان. راهنت أنقرة من جهتها على سقوط الأسد الأمر الذي لم يتحقق إلى حد اليوم، ومؤخرا كما أشرنا تدخلت تركيا في عفرين السورية من خلال عملية «غصن الزيتون» ضد المقاتلين الأكراد. الجيش السوري النظامي من بين أهم المقاتلين على الأرض، إلا أن الحرب أنهكته وخسر الكثير من الجنود الذي قتلوا أو انشقوا عنه ولكنه تمكن من استعادة مناطق خسرها بدعم روسي وإيراني. وضد النظام ظهرت أيضا معارضة مسلحة سيطرت على مناطق واسعة ولكن سرعان ما تشتت الجهود وانتقل الأمر من الحديث عن معارضة إلى معارضات. الصراع داخل سوريا كان بمثابة الأرض الحاضنة التي سمحت بظهور وتوسع نفوذ تنظيمات إرهابية فظهر «داعش» متخذا من الرقة عاصمة له وجبهة النصرة التي أصبحت حاليا جبهة فتح الشام وفكت ارتباطها بتنظيم القاعدة. وبعد أشهر من النفوذ والسيطرة على مناطق واسعة في العراقوسوريا وتبني عدد من الهجمات في عدد من بلدان العالم تراجع نفوذ «داعش» والخطر الذي يمثله على العالم بعد تدخل التحالف الدولي.