كان يفترض أن تكون الذكرى التاسعة والعشرين لإعلان الاتحاد المغاربي غدا (17 فيفري) موعدا مع الاعلان عن خارطة طريق تؤثث لواقع جديد في منطقة تحمل في ترابها وتضاريسها وطاقاتها البشرية كل أسباب التكامل... الأكيد ان الخصوصيات الجغرافية التي تشمل دول منطقة شمال افريقيا الخمس: تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا، وتجعل منها موقعا اقليميا قابلا لمنافسة قوى اقليمية صاعدة فرضت لها موقعها في العالم، ليست وحدها ما يجمع هذه الدول التي تشترك في جذورها التاريخية والحضارية والدينية واللغوية وهي في تنوعها.. ولعل الاهم عشية هذه الذكرى التي لا نخال أنها ستغيب عن الحضور في الخطاب الرسمي للدول المعنية، القطع مع تلك العادة العقيمة والمتوارثة منذ أكثر من ربع قرن في البكاء على أطلال الاتحاد والحنين الى استعراض ما كان سيوفره لدول المنطقة من مكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية ومعرفية... ذلك أن تحديات وخطورة المرحلة تفترض تأجيل كل الاختلافات وتحديدا تلك المرتبطة بقضية الصحراء الغربية - السبب الاساسي وراء اجهاض الحلم مبكرا - والانتباه الى تداعيات المشهد الراهن في المنطقة المغاربية وأهمية التحرك مغاربيا على الاقل في واحد من الملفات المصيرية مغاربيا وعربيا وافريقيا ومتوسطيا، وهو الملف الليبي بكل تعقيداته المتفاقمة تحت مظلة فوضى السلاح الهدامة والشبكات الارهابية المسلحة التي تجرف هذا البلد.. بل لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنه لو كان لجامعة الدول العربية دور فعال ولو كان للاتحاد المغاربي على غير ما هو عليه اليوم من غياب عن المشهد لربما كان الوضع مختلفا ولما بلغ ما بلغه من سوء المصير والانهيار... اذا اعتبرنا أن العلاقات الثقافية واللقاءات الفنية والرياضية تظل حاضرة في العلاقات المغاربية، وهذا جانب مهم ولكنه يحتاج الى مزيد تطويره والارتقاء به الى الأفضل، فإنه في المقابل لا شيء اليوم يمكن أن يملأ الفراغ الحاصل في مجالات البحث العلمي والمعرفي وتيسير عمليات تنقل البشر والخدمات والبضائع، غير العودة لإحياء الاتحاد المغاربي ووضعه على السكة للخروج من دائرة الظلام الى الضوء... واذا كان الخطأ استمر طوال هذه السنوات فقد آن الأوان للانتباه الى وقع الجريمة التي تقترف في حق دول المنطقة وتداعياتها الآنية والمستقبلية في حق شعوبها، والاستثمار في امكانياتها وقدرات شبابها وطاقاتها البشرية والتوقف عن الاستنزاف الذي طال أمده.. كلفة اللّامغرب تجاوزت كل التوقعات، والامر لا يتوقف عند حدود الفرص الاستثمارية والمشاريع الاقتصادية المهدورة، ولكن عند ما هو أهم وأبقى وهو مصير المنطقة ومستقبل اجيالها في مواجهة كل المخاطر المرتبطة بشبكات الارهاب والتهريب وتجار السلاح وسماسرة البشر والدين والمتسللين والعائدين بغير الطرق المشروعة من بؤر التوتر وكل عصابات المافيا التي ما كان لها أن تنشر سمومها وتعبث بمجتمعاتها وتجعل المتوسط مقبرة للمهاجرين ومنفذا للمارقين عن القانون.. رغم روعة كلمات نشيد الاتحاد المغاربي التي وضعها الشاعر الجزائري محمد لخضر السايحي وما تضمنته من رسائل، فلا يمكن أن يظل عقد الكلمات هذا أهم ما تحقق من الحلم الذي عاشت على وقعه أجيال، لأنه - وبكل بساطة - بدونه سيظل الواقع المغاربي مهمشا تتقاذفه الأمواج والصراعات الكثيرة... حلم جدي حلم أمي وأبي حلم من ماتوا وحلم الحقب فانشروا رايته خفاقة وارفعوها فوق هام السحب واهتفوا يحيى اتحاد المغرب عقبة الفهري وحسان العظيم أسّسا الوحدة من عهد قديم وحّدا الأنساب في تاريخنا بلسان العرب والدين القويم فإذا نحن لأم وأب نضع الأيدي على الأيدي ونسير جمّع الأوطان ماض ومصير ومرام واحد نطلبه هو هذا المغرب الحرّ الكبير مغرب نسبته للعرب فاحرصوا العزة فيه والإباء واجعلوا القوة فيه مطلبا وازرعوا الإخلاص في كل القلوب ليس كالإخلاص يعلى الرّتبا وهو سرّ النصر سرّ الغلب بالتلاقي التآخي والوئام نبتغي للمغرب الحرّ السلام ونصون الحبّ في أبنائنا لبلاد حققت هذا المرام شيّدت وحدة هذا المغرب»... وقد آن الاوان لتفعيل المشروع المغاربي الذي ستكون ليبيا مختلفة معه وقد أظهرت الازمات المتلاحقة على مدى السنوات الماضية انه لا الاتحاد الافريقي ولا جامعة الدول العربية ولا الاممالمتحدة ولا خمسة زايد خمسة قادرة على تعويض هذا المكسب الذي يحمل كل بذور النجاح لو توفرت الهمم..