تونس «الشروق»: إعداد أمين بن مسعود : الحديث عن التضامن المغاربي يحيلنا طوعا إلى التضامن العربي الشامل , ذلك أن إرادة التحرر التي حدت مناضلي المغرب العربي لم تفرق بين أقطار مغاربية وأخرى مشرقية, كما أن حجم الارتباط السياسي والتاريخي والثقافي الذي جمع مكونات الأمة العربية قاطبة كان أقوى وأكبر من لغة التقسيم الجغرافي ومن خطاب التفتيت الطائفي والعرقي. لذلك اختارت «الشروق» أن تلج ملف «التضامن المغاربي» الذي أثاره مؤخرا المعهد الأعلى للحركة الوطنية من بوابة التنقيب عن الوسائل الكفيلة بتوظيف هذا التآزر لفائدة قضايانا العربية الكبرى ومن مدخل البحث عن الآليات القادرة على ترميم الصرح المغاربي واستنهاض الهمم لاستكمال مسيرة الوحدة العربية ..في زمن أمسى فيه التوحد ضرورة تحتمها التوازنات الدولية ويفرضها شكل النظام الدولي القائم والمرتقب .. خالد عبيد (باحث في المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية - تونس):الاستلهام لاستكمال مشروع الاستقلال اعتبر المؤرخ التونسي خالد عبيد أن على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين استلهام حالة التقارب التي طبعت العلاقات بين الأطراف المغاربية إبان فترة التحرر الوطني لهذه البلدان . وقال في هذا السياق إن اقتباس مظاهر التكامل المغاربي بات ضروريا لتجاوز هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي تمر بها منطقتنا العربية في ظل التحرشات الما بعد استعمارية أو الاستعمارية الجديدة التي لاحت منذ سنة 2003 في العراق أو في ظل الظاهرة الاستعمارية الكلاسيكية في فلسطين وللتغلب على واقع «اللامغرب» الإكراهي الذي نعيشه و»اللااصطفاف» العربي الذي نراه . وأشار عبيد إلى أن التعاون المغاربي كان تجسيما لمشاعر تضامن تلقائي ألمّت بالنخب وبالشعوب المغاربية إزاء الاحتلال ، وما مجموعة المغرب أو اللجنة التونسية الجزائرية أو..نجم شمال افريقيا أو جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين أو مكاتب المغرب العربي أو مؤتمر طنجة إلاّ تجلّيات لما وقر في النفس وجسّمه الفعل النضالي . وأضاف أن الوعي المشترك بوحدة الراهن وحتمية المصير لدى النخب الوطنية المناضلة تجلى منذ بدايات القرن العشرين مع بداية الغزو الايطالي لليبيا وتأكّد مع حرب الريف التحريرية التي قادها الأمير الخطّابي لتحرير شمال المغرب من الإسبان، وبلغ أوجه مع تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة سنة 1947، مستمدّا أُوَارَه من حِمم التشظي المأساوي لهذا البلد أو ذاك في سِجال القدر المحتوم مع المحتلّ والعجز عن الصدّ . وأكد أن الاستعمار ساهم في بلورة حدّ , ولو أدنى , من الوعي لدى شعوب هذه المنطقة بأنّ قدرها واحد وأنّ مصيرها مرتبط ما دام المرتهن لسيادتها واحد، وبالتالي، ظهرت أدبيات وطنية تدفع نحو استذكار الماضي الواحد والقواسم المشتركة ، وتستلهم من فترات تاريخية محدّدة ما يستنهض في هذه الشعوب مكامن قوّتها التوحيدية من أجل ترصيص نضالي غايته درء المحتلّ وتجسيم أمل الانعتاق. وانتهى المؤرخ أن هذه المحطات تمثل منارات تستحث الهمم على التواصل مع التاريخ النضالي لخدمة قضايانا العربية الكبرى ولبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة . د.عبد الباسط الغابري (باحث في مركز الدراسات الإسلامية – تونس): نحو وزن مغاربي أثقل رأى الباحث في مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان عبد الباسط الغابري أن تحقيق الشعوب المغاربية لرغباتها في نصرة القضايا العادلة و لا سيما القضيتين الفلسطينية والعراقية يمر عبر تكريس وتطوير الحضور المغاربي على الساحة الدوليةّ معتبرا إياه أحد السبل الأساسية للقضاء على ما يسمى ب«الحركات الإرهابية» التي تجد في حالات اليأس و انغلاق أبواب الأمل المناخ المناسب لتكوين خلاياها و قواعدها . وشجب الغابري حالة ال«لامغرب» قائلا : نحن في القرن الحادي و العشرين مازلنا لم نستوعب حقيقة ضرورة تفعيل الكيان المغاربي و لو في نطاق الشراكة الاقتصادية ..فسنة بعد أخرى يتأكّد لدينا أنه لا مستقبل في عالم اليوم و الغد إلاّ للكيانات الكبرى...و نحن نلاحظ اليوم كيف نجح أقراننا الخليجيين في إنجاز الوحدة النقدية رغم الاختلافات العديدة القائمة بين الدول الخليجية . واعتبر أن النخبة التي قادت كفاح التحرير الوطني ولاسيما في أربعينيات القرن الماضي كانت أكثر الأجيال المغاربية وعيا بأولوية الخيار المغاربي و أهميته ، و لعل ذلك ما يفسر انعقاد مؤتمر المغرب العربي بالقاهرة أيام 15 و 22 فيفري 1947 وتشكيل مكتب للمغرب العربي هناك بقيادة الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي و تأسيس مكتب آخر بدمشق بقيادة المرحوم يوسف الرويسي مبديا أسفه من عدم التقيد بتلك المقرّرات ... وحتّى بعد استقلال الدول المغاربية منفردة فإن مخلفات الحقبة الاستعمارية كانت أكبر من إرادات القيادات السياسية انذاك . وأضاف انه ولئن نجحت القيادات السياسية في إعلان الوحدة المغاربية وتكوين بعض المؤسسات مثل مجلس الشورى المغاربي و الأمانة العامة إثر قمة مراكش فإنّ الخلافات الجزئية في ما بين دولها مثل قضية الصحراء الغربية و الخلافات الحدودية أعاقت تفعيل المسيرة المغاربية رغم أهمية تلك المؤسسات الناشئة . وأشار إلى أن التآزر المغاربي بإمكانه أن يشمل جميع المجالات بدءا من المجال التربوي من خلال الاتفاق على وضع برامج تربوية موحّدة والارتقاء بالبحث العلمي بجميع تخصّصاته باعتبار وجود عديد الإطارات العلمية العليا ذات الأصول المغاربية التي تشتغل بالغرب إضافة إلى تغذية الوجدان الجمعي و الذاكرة الجماعية من خلال التنسيق بين مراكز البحث العلمي المتخصصة في الحركات الوطنية و وصولا إلى المجال الاقتصادي من خلال تقاسم الثروات المنجمية و النفطية التي يزخر بها المغرب العربي . وأوضح أن المغرب العربي كيان متجانس جغرافيا وتاريخيا واستراتيجيا يجمع بين شعوبه مصير مشترك على الرغم من طرح بعض المقاربات فكرة خصوصية كل قطر مغاربي على حدة . الأستاذ امحمد بن عبود (كلية الآداب تطوان المغرب): الوحدة لنصرة القضايا.. اعتبر الأستاذ امحمد بن عبود أن حالة ال«لامغرب» حققت ما كان يتوق إليه الاستعمار من تشتيت للمقدرات الوطنية وإضاعة لجهود التوافق والوحدة . وأضاف نجل المناضل المغربي محمد بن عبود - الذي قضى نحبه في كاراتشي رفقة الحبيب ثامر وعلي الحمامي – أن الطريق الوحدوي هو الطريق القويم لنصرة القضايا العربية مشيرا إلى أن النبش في الذاكرة المغاربية من شأنه الإحالة إلى أفضل أسباب التضامن المغاربي الواقعي . وضرب في هذا السياق مثال تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة سنة 1947 الذي وصفه بأنه تحول إلى سفارة مغاربية في مصر تجسد طموحات المغاربة للاستقلال والتحرر. وتابع ان عددا من السمات المشتركة جمعت باعثي هذا المكتب , من بينها وحدة التصور للمغرب العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا ومنها أيضا وحدة التكوين الثقافي والتعليمي العالي إضافة إلى الالتزام الفائق بالحلم المغاربي الموحد . وتساءل في هذا المجال قائلا : هل يعقل أن نكون في أواسط القرن العشرين بهذا الوعي وان نصل في بدايات القرن الحادي والعشرين لهذا المستوى من التقهقر والضعف ؟ مبينا أن الخسارة من عدم الاتحاد شاملة ولا تستثني أي مجال . ودعا في منتهى حديثه إلى الإيمان الجازم بضرورة وحتمية الوحدة المغاربية وبأن يتحول الخطاب الرسمي إلى فعل واقعي , والتصالح مع الماضي بطريقة يصير بها الراهن امتداد للماضي . واقترح المؤرخ ان يصبح المغرب العربي فيدرالية تجمع الدول المغاربية الخمس ومن ثمة تطويرها وتوسيع صلاحياتها . وشدد على حتمية تطوير الأداء المغاربي ليس فقط من أجل خدمة قضايانا العربية الكبرى فحسب ولكن في سبيل تحقيق ما ضحوا بحياتهم – الزعامات والمقاومون – من أجله . د. علي صالح قرميدة ( المركز الوطني للمخطوطات والدراسات التاريخية - ليبيا): الشعوب أولا.. وأخيرا .. أكد المؤرخ الليبي علي صالح قرميدة أن التضامن المغاربي مع القضية الفلسطينية تجلى كأحسن ما يكون من خلال مشاركة العديد من الليبيين والتونسيين في حرب 1948 وفي غيرها من حروب الاستقلال الأخرى . وأبرز انه على الرغم أنه في عام 1948 لم تكن هناك دول عربية قائمة الذات إلا ان المواطنين المغاربيين انساقوا بطبيعة السجية العربية والإسلامية إلى دعم الفلسطينيين وحماية الأقصى والقدس ومحاربة الصهاينة . وأضاف أن هذه التجربة بينت أهمية الدور الذي يضطلع به المواطن العادي في دعم القضايا العادلة وأبرزت قيمة العمل الشعبي . ودعا قرميدة إلى إطلاق مبادرات تماهي تطلعات الشعوب العربية والمغاربية في الوحدة معتبرا ان بهذه الطريقة فقط بإمكاننا أن نوظف التضامن المغاربي في خدمة قضايانا العربية الكبرى . وشدد على أهمية البناء من القاعدة الشعبية , موضحا ان أية مبادرة لا تولي أهمية للبعد الشعبي ستبقى رهينة الرفوف والأرشيف .