قد يبدو محظوظا كل ديبلوماسي ينتهي به المطاف في مسيرته السياسية الى منصب مبعوث أممي في احدى مناطق النزاع في العالم، فهي المهمة التي تجعل صاحبها أشبه بالرحالة بين عواصم القرار الدولي وبين دول المنطقة المعنية وهي المهمة التي ستجعل صاحبها تحت الاضواء ومطلوبا من مختلف المؤسسات الإعلامية، أو هذا على الاقل ما يبدو ظاهريا.. ولكن الحقيقة خلف ذلك أنها مهمة محفوفة بالمخاطر، والامر لا يتعلق بما يمكن ان يواجهه أي مبعوث اممي من تهديدات في تنقلاته واتصالاته بمختلف أطراف النزاع خاصة في المناطق التي تصل فيها الازمة الى درجة الحرب الاهلية، ولكن ايضا - وهذا الأخطر - بالنظر الى ما ينتظر صاحبها في حال الفشل في التوصل الى تسوية، وهو احتمال أكثر من وارد، بل هو حقيقة ترافق اليوم أغلب الصراعات الدموية في دول ما اصطلح على وصفها ب»دول الربيع العربي» التي سقطت في مستنقع الصراعات الدموية... وقد سجلت ليبيا منذ بداية الصراع سبعة مبعوثين تواتروا على هذه المهمة التي يقودها اللبناني غسان سلامة الوزير السابق القادم من بلد خبر معنى وتداعيات الحروب الطائفية واستنزاف الحرب الأهلية ودمارها، وفي سوريا يواصل ديمستورا بدوره دور الوسيط في ازمة ترفض أن تنتهي رغم تعدد دورات المفاوضات من جنيف الى سوتشي. ويبقى مارتن غريفيث المبعوث الجديد في اليمن وثالث وسيط أممي في هذا البلد أمام اختبار قديم جديد في مشهد يزداد غموضا يوما بعد يوم أمام تقدم الحوثيين في أكبر المدن اليمنية وتفاقم المعاناة بسبب الجوع والاوبئة وانتشار الخراب والدمار... تعيين المبعوث الجديد وهو ديبلوماسي بريطاني وخبير في حل النزاعات حظي بترحيب من الغرب الذي أشاد بتجربته الطويلة في المعهد الاوروبي للسلام.. ولكن قد يتناسى الجميع في غمرة التفاؤل الذي رافق هذا التعيين أن تحقيق السلام على ارض الواقع مهمة معقدة ومختلفة عما تسجله الندوات والمؤتمرات والحلول الافتراضية التي تجود بها جهود هؤلاء.. ويبدو أن المبعوث السابق اسماعيل ولد الشيخ الذي عيل صبره، قد اختار الانسحاب والقاء المنديل بعد أن يئس من جمع الاطراف المعنية في اليمن، تماما كما فعل من قبل جمال بن عمر الذي سبقه في هذه المهمة... لا شيء اليوم يبدو محسوما أمام حجم المأساة في اليمن التي تزداد تعقيدا كلما تأجلت المواجهة من أجل حل سياسي دائم يضع حدا للاستنزاف الحاصل... قد تكون عملية «عاصفة الحزم التي انطلقت قبل سنتين قد منحت دول الخليج المعنية نوعا من الحصانة من امكانية زحف الخطر الحوثي أكثر، ولكن حتى الآن فإن العملية لم تقدم ما روجت له من نتائج بشأن انقاذ اليمن وعودة الشرعية.. والرئيس عبد الله هادي لا يستطيع العودة الى بلاده وهو يواصل التعيينات والعزل وإصدار بيانات الترحيب والاشادة أو الاستنكار من المملكة العربية السعودية. هل من مجال للتفاؤل بدور المبعوث الجديد في اليمن؟ تبقى كل الاحتمالات قائمة في ظل تعقيدات المشهد والتمزق الداخلي في اليمن الذي خسر كل الالقاب السابقة باليمن السعيد واليمن الموحد، فلا هو بات سعيدا ولا هو أضحى موحدا.. بل ان رهانات البعض على أن تتحول نهاية الرئيس السابق عبد الله صالح الى عنوان لمرحلة جديدة في اليمن تهيئ الارضية الى مصالحة شاملة تناثرت وتبددت، ويبدو انه سيتعين على المبعوث البريطاني الجديد ان يفهم جيدا ما كان علي عبد الله صالح يردده بأن حكم اليمن مثل ترويض الثعابين... تم اغتيال الحاوي مروض الثعابين في عملية بشعة ولكن بقيت الثعابين ترقص على الجثث تنتظر ظهور المروض الجديد الذي يمكن ان يفهم تركيبة العقلية اليمنية القبلية ويحترم خصوصياتها وينجح في التوحيد بينها... وإلى ان يتحقق فان الإنجاز الدولي الوحيد في اليمن سيظل يلخص بهذا الدور في احصاء حصيلة الضحايا وأرقام اللاجئين والمصابين والواقفين في الطابور في انتظار رغيف وقارورة ماء...