اقل من اسبوع فصل بين تنصيب الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما وانطلاق المبعوث الامريكي جورج ميتشل في جولته الاولى الى منطقة الشرق الاوسط وهي عودة مبكرة للسيناتور الامريكي اللبناني الاصل بعد ثماني سنوات على التقرير الذي حمل اسمه في اعقاب الانتفاضة الثانية بما يمكن ان يعيد الى السطح اكثر من نقطة استفهام حول حقيقة نوايا الادارة الامريكية الجديدة في المنطقة والتي ستكون بالتاكيد بحاجة الى اكثر من توضيح لازالة الغموض من حولها بعد الحرب الهمجية الاسرائيلية على قطاع غزة. ذلك انه اذا كان الرئيس اوباما وعلى عكس سلفه اختار الا ينتظر قرب نهاية ولايته ليحول نظره الى الصراع الدائر في الشرق الاوسط وهي نقطة تحسب له فانه ولاشك يدرك ان بتعيينه جورج ميتشل في هذه المهمة القديمة الجديدة اقر ضمنا بانه لا مجال للدخول في الرهانات القديمة الخاسرة ولا حاجة لمزيد من اختبارات النوايا والدخول في متاهات الرحلات المكوكية التي لا طائل من ورائها. ولعل في هذا الاختبار الاول والمبكر للمبعوث الامريكي ما يساعد على الكشف عن الموقع الذي سيحتله الشرق الاوسط في الادارة الامريكيةالجديدة بعد ثماني سنوات عجاف للادارة السابقة. منطقيا لا احد ينتظر ان تحمل حقيبة ميتشل الديبلوماسية السلام العادل والشامل لا سيما في خضم حالة التخبط التي افرزها العدوان على غزة بكل ما خلفه من قتل وخراب ودمار إضافة إلى انقسام فلسطيني وضعف الموقف العربي وتواطؤ وصمت اوروبي بما يجعل مهمة ميتشل محاطة بالكثير من الاشواك المستعصية ولكنها ليست بالمستحيلة. والواقع ايضا ان للرجل اكثر من سبب من شانه ان يدفعه لتحقيق التقدم المطلوب لانهاء الاحتلال ووقف الاستيطان والاستفادة من دروس الماضي وتجارب الادارات الامريكية السابقة في ادارة الصراع. فميتشل الذي شدد في تصريحاته عشية وصوله الى المنطقة بانه "ليس هناك نزاع لا يمكن انهاؤه "يبدو على درجة من التفاؤل وهو بالتاكيد تفاؤل حذر ولكنه مطلوب في كل مهمة ديبلوماسية للوساطة وهو الذي سبق له ان جمع الفرقاء الايرلنديين بعد عقود من الصراع الدموي في ايرلندا ونجح في اقتلاع اتفاقية الجمعة الحزين سنة 1998 بما يعني ان ميتشل ليس بالغريب عن مثل هذه المهمة كما أنه ليس بغريب عن منطقة الشرق الاوسط وتعقيداتها وتحدياتها حيث كلف سابقا بإعداد تقرير حول الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ولاشك ان ميتشل عندما يبدا اليوم جولته بالمنطقة التي ستاخذه الى كل من فلسطين واسرائيل ومصر والاردن والسعودية وتركيا اكثر من يدرك ان بداية الطريق تتطلب من الوسيط إضفاء صفة النزاهة والمصداقية والموضوعية المطلوبة التي غابت طويلا عن موقف الإدارة الأمريكية طوال ادارتها للصراع...