ببادرة من المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية،انتظم مؤخرا بصفاقس الملتقى الجهوي حول المحكمة الدستورية بحضور ثلة من الحقوقيين والقضاة والأساتذة الجامعيين والطلبة وممثلي المجتمع المدني وذلك في إطار مشروع تطبيق الدستور الجديد من خلال التشريعات المعززة لدولة القانون.ومن اهداف هذا اللقاء تقديم تركيبة المحكمة ومهامها ودورها في حماية الحقوق والحريات وضمان علوية الدستور. استحقاق دستوري ذو أولوية بالمناسبة كان ل"الصباح الاسبوعي" لقاء مع الأستاذة جنان الإمام وهي جامعية مختصة في القانون العام بكلية العلوم القانونية بتونس التي أفادت أن هذا الملتقى يهدف خاصة الى التعريف بالمحكمة المذكورة وبخلق رأي عام مناصر لإرسائها في اقرب الاجال خصوصا وأن إطارها القانوني والدستوري موجود منذ سنوات عديدة. وحول اسباب تأخير إنشائها ترى أن ذلك يعود إلى الأزمة التي عرفها المجلس الأعلى للقضاء سنتي 2015و2016باعتبار أن أربعة من أعضاء المحكمة يختار هم المجلس المذكور،ومع تجاوز المجلس لازمته أصبحت الأنظار موجهة حاليا إلى مجلس نواب الشعب الذي ينبغي عليه أن ينتخب أربعة أعضاء،ويبدو أن هناك حاليا حوارا ومناقشات بين الكتل النيابية إلا انه لم يحصل بعد اتفاق حول الموضوع. كما تؤكد محدثتنا أن ارساء المحكمة الدستورية هو استحقاق دستوري ذو أولوية لا يمكن تأجيله اكثر من اللازم وذلك اعتبارا لدورها في ضمان علوية الدستور ودولة القانون والحماية المؤسساتية للحقوق والحريات . شروط مجحفة من جهتهم عبر أغلب الحاضرين في تدخلاتهم عن الانشغال من تأخر ارساء المحكمة اعتبارا لما تمثله من ضمانات لعلوية الدستور والقانون وكذلك التخوف من اغراقها في قضايا جانبية وتجاذ بات سياسية.كما أشار البعض إلى الشروط المجحفة للترشح لعضوية هذه المحكمة التي نص عليها القانون الأساسي المؤرخ في ديسمبر 2015المتعلق بالمحكمة الدستورية ومن أهمها شرط أن يكون المترشح للعضوية عمره 45سنة وله من الخبرة عشرون سنة على الأقل.وأمام هذا الوضع يرى أحد الحاضرين أن ذلك يعد تشجيعا لعودة المنظومة القديمة لهذه الهيئة التي من المفترض أن تكون مستقلة ضامنة لعلوية الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور. تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ ة الإمام أكدت من ناحية أخرى أن عدم إنشاء آلية رقابية لحماية علوية الدستور وضمانا للحقوق والحريات المضمنة في دستور غرة جوان 1959 هي من أهم العوامل التي أدت إلى تركيز نظام استبدادي تميز بانتهاك حقوق الانسان واختلال التوازن بين السلطات لصالح رئيس الجمهورية.ورغم أن تونس عرفت في 1987محاولة لإرساء هيكل رقابي على دستورية القوانين مع إنشاء المجلس الدستوري فإن تركيبته وطبيعة اختصاصاته الاستشارية ونمط الإحالة إليه والآثار المترتبة عن آرائه لم تكن تسمح بتصنيفه ضمن الهيئات القضائية الدستورية باعتبار سيطرة الصبغة السياسية عليه وتبعيته لرئيس الجمهورية.كما أن التنصيص على احداث محكمة دستورية صلب دستور 2014 يعتبر خطوة هامة نحو تشييد دولة القانون وضمان الحقوق والحريات وانتصارا لمطلب رافق أجيال عديدة من رجال القانون ونسائه ومن المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. وأضافت أن وجود قضاء دستور ي يعد من بين الخصائص الأساسية لدولة القانون اذ أن دوره يتمثل في ضمان مبدإ علوية الدستور من خلال فرض رقابة على دستورية القوانين وباقي القواعد القانونية الأخرى للتأكد من عدم مخالفتها لأحكام الدستور وهو ما يعتبر الضمانة الفعلية للحقوق والحريات وذلك بحمايتها وتثبيتها وللفصل بين السلطات وحفظ توازنها تكريسا للنظام الديمقراطي.كما أن دولة القانون تعتبر عنصرا أساسيا لتجسيم الديمقراطية وهي تقوم على احترام القانون من قبل الجميع وعلى منظومة قانونية تستمد أسسها ومضامينها من وثيقة الدستور وهي تقوم على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وضمان الحقوق والحريات. طعون منتظرة تجدر الإشارة إلى أن الخبراء القانونيين يرون أن التحدي الأكبر الذي ستواجهه هذه المحكمة الجديدة هو غياب فقه قضاء أو إطار مرجعي سابق ،لذا ستؤسس فقه قضاء جديد ومبتكر حتى وإن كان بإمكانها أن تستأنس بالتحاليل المعتمدة في القانون العام من قبل محاكم اخرى. ومن ناحية أخرى،وبمجرد إرسائها قد تتلقى المحكمة عددا هاما من الطعون المتأتية خاصة من المحاكم العادية عبر المسائل التوفيقية ومن الوارد جدا أن يقع إغراق المحكمة سريعا بسيل من تلك الطعون.وفي خصوص تركيبة المحكمة يتم تعيين القضاة الدستور من قبل ثلاثة أطراف فاعلة كما تم ذكره انفا وهم : البرلمان الذي يعين أربعة أعضاء،ورئيس الجمهورية الذي يعين أربعة أعضاء والمجلس الأعلى للقضاء الذي يعين أربعة أعضاء.وان لم يكن استثنائيا فإن هذا النظام المختلط الذي يستوجب تدخل السلطات الثلاث يعكس إرادة السلطة التأسيسية في تشريك السلطة القضائية في تعيين قضاة المحكمة الدستورية،ويمارس هؤلاء مهامهم لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد.كما يتعين عليهم التصريح بمكاسبهم لدى محكمة المحاسبات ويحجر عليهم ممارسة أي نشاط آخر سواء بمقابل أو من دون مقابل. وستتمتع المحكمة الدستورية الجديدة بصلاحيات واسعة من أهمها مراقبة دستورية التعديلات الدستورية ومراقبة دستورية المعاهدات والرقابة القبلية على دستورية القوانين أي قبل دخولها حيز النفاذ وكذلك الرقابة على دستورية القوانين النافذة ومراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وأيضا إعفاء رئيس الجمهورية في حالة الخرق الجسيم للدستور ومعاينة حالة شغور منصب رئيس الجمهورية وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة