ملأ لسعد اليعقوبي الكاتب العام للنقابة العامّة للتعليم الأساسي هذه الأيام «الدنيا وشغل الناس» فالنقابي المستميت في حجب أعداد السداسي الأوّل نجح في إثارة العواصف من حوله. عواصف قد تضع كل مستقبله النقابي على المحكّ، هذا المستقبل الذي أضحى اليوم بيد أولياء أمور ضاقوا ذرعا «بنضالات» اليعقوبي وباتخاذ أبنائهم التلاميذ كل مرّة ك»رهينة « في معارك لا تنتهي بين النقابات وسلطة الاشراف. فالخطوة «النضالية» الأخيرة كانت بمثابة القطرة التي أفاضت صبر الأولياء بعد أن تعهد البعض منهم بمقاضاة الرجل على خلفية قراره القاضي بالمواصلة في سياسة حجب الأعداد، وهو الذي دعاهم في تصريح إذاعي إلى الانضمام إلى النّقابة والضغط بدورهم على سلطة الإشراف.. يلٌفّ الغموض شخصية لسعد اليعقوبي حيث يتساءل كثيرون: من أي طينة هذا النقابي الذي لا يعترف ولا ينصاع إلا لقرارات وأوامر لسعد اليعقوبي؟ من أين يستمد قوّته وأحيانا «جبروته» في فرض قراراته والتمسك بها كلّفه ذلك ما كلف حتى أن البعض بات يتساءل بإلحاح: أي حصانة يحظى بها الرجل بما يجعله يتخذ أكثر المواقف راديكالية وحدّة دون حسيب ولا رقيب؟ رغم شهرة مواقفه الا أن الغموض ضل يحيط بشخصية اليعقوبي فحتى محرك «غوغل» لم يستطيع فك «شفراته»، فمن المفارقات أنّ هذا الرجل الذي يصنع مع كل مٌوفّى سنة دراسية «الحدث» ويحتكر الأضواء بقدرته الرّهيبة على إثارة الرأي العام وجعله يتقصّى عن أخبار معاركه، لا توفّر الشبكة العنكبوتيّة حوله معلومات شافية وكافية، فعدا تصريحاته النارية ومجادلاته الساخنة والمتعنّتة لا يحفظ محرّك البحث «غوغل» حوله شيئا آخر. هو سليل نضالات أجيال تداولوا على نقابة التعليم الثانوي التي كانت توصف زمن بن علي بنقابة «لا» لأنها طالما كانت لها من الجرأة والشجاعة لتعلن تحركات احتجاجية في مواجهة دكتاتورية عتيدة. هذا الغموض استطاع فخري السّميطي كاتب عام مساعد لنقابة التعليم الثانوي أن يبدّد ولو جزءا بسيطا منه فقد كشف رفيق الدّرب أن اليعقوبي هو أستاذ تعليم ثانوي اختصاص «فيزياء» تخرّج سنة 1993 من دار المعلمين العٌليا في بنزرت وتمكّن من نحت مسيرته نقابية من خلال التحاقه مبكّرا بالعمل الطلابي من خلال نشاطاته الجامعية. خلال مؤتمر 2005 التحق اليعقوبي بالجامعة العامة للتعليم الثّانوي ثم تقلّد لا حقا وتحديدا سنة 2011 الكتابة العامة بعد صعود سامي الطّاهري الى عضوية المكتب التنفيذي خلال المؤتمر العام للاتحاد العام التونسي للشغل لتجدّد فيه الثقة في أكتوبر 2014 كاتبا عاما لقطاع التعليم الثانوي. وكيف لا تٌجّدد فيه الثّقة؟ وأستاذ الفيزياء والكيمياء قد مكّنته مهاراته العلمية من إدراك جيدا تركيبة «الفرقعات المدوّية» والتي استطاعت كل مرّة أن تٌطيح بكل وزير تقوده الأقدار إلى كرسي وزارة التربية على حد قول البعض، لتكون له ومنذ سنة 2011 صولات وجولات ومعارك خاضها الرجل باقتدار ممّا دفع البعض للإعلان عن مخاوفهم من «تغوّل» اليعقوبي. يلمسٌ المتمعّن في إطلالات اليعقوبي التلفزيّة شراسته قولا وفعلا فهو مٌدافع شرس على مطالب منظوريه لا يستكين أو يمل دون أن يظفر بمراده. كما أنّه لا يٌهادن حتّى مع المركزيّة النقابيّة التي يٌشهد لها بالانضباط ووحدة الصف. وخير دليل على ذلك هو تاريخ 11 مارس 2017 الذي مثل آنذاك تحوّلا في مسار أزمة نقابتي التعليم وناجي جلول (وزير التربية في تلك الفترة )، حيث تطور الأمر واتّخذ منحى أزمة بين نقابة التعليم الثانوي والمركزية النقابية بعد أن «انسحب يومها الأمين العام المساعد محمد علي البوغديري من الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي التي ترأسها بعد تشبّث أعضائها بتفعيل قرار تعليق الدروس إلى حين إقالة الشاهد لوزير التربية السابق فيما كانت المركزية النقابية ترفض قطعيّا تعليق الدروس». هذا التمرّد النقابي يراه البعض مٌبالغ فيه من طرف لسعد اليعقوبي مما جعل كثيرون يلقّبونه ب «عدوّ الجميع» في حين يعتبره البعض الآخر مجرد «ظاهرة نقابية» حتى أنهم يقولون من باب التندّر أو ربما الجدية : «هناك نقابيّون.. وهناك لسعد اليعقوبي». ومع هذا يؤكّد رفيق دربه فخري السمّيطي أن اليعقوبي ليس ذلك الرّجل المتسلط أو المتعنت في الرأي فهو عادة ما يسعى إلى تغليب قنوات الحوار خلال اجتماعاتهم . كما انه يتفاوض مع الجميع في كل شاردة وواردة تهم القطاع، وهو أيضا ليس بأٌحادي القرار فجميع القرارات المتخذة هي قرارات مشتركة مشيدا في السياق ذاته بعلاقاته الممتازة مع الجميع نافيا مطلقا أن تكون ملامح القسوة التي تبدو عليه أثناء لقاءاته التلفزية قد تعكس شخصيته النقابيّة. لكن معركة اليعقوبي اليوم ليست كغيرها من المعارك فالرجل فعلا في مفترق طريق بما أنّ الغضب بلغ ذروته لدى أولياء الأمور الذين سئموا على حد قولهم استعمال الرجل أبناءهم كرهينة كما لم يغفر له غالبية الأولياء حرمانهم من الإطّلاع على نتائج أبنائهم. وظلت الأسئلة الحارقة من قبيل: ألا يدرك اليعقوبي كم يتكبّد الولي عناء تامين مصاريف سنة دراسية بكل مستلزماتها من كتب وكرّاسات ودروس خصوصية.. الخ ؟ ألا يقدر الرجل ثمن التضحيات الجسام التي يقدمها الأولياء من اجل ضمان مستقبل أبناءهم ؟، تلازمهم أسئلة ولّدت غضبا وسخطا كبيرين وساهمت في نحت صورة قاتمة للرجل في أذهان أولياء الامور. يتضح اليوم أن اليعقٌوبي قد حٌشر في الزاوية بعد أن توسّعت رقعة الغضب من حوله وامتدت إلى بعض الأساتذة الذين وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا لهم لصبّ جام غضبهم عليه، فقد اتهمه البعض بأنّه لا يٌراعي مصلحة التلميذ كما الولي. و لا يعبأ مٌطلقا بمستقبل وصورة المدرسة العمومية التي يسعى الى تدميرها على حد قولهم حتى أن البعض من المربّين أعلنوا صراحة أن اليعقوبي أضحى بقراراته لا يمثل سلك الأساتذة. صحيح أنّ اليعقوبي اعتبر مؤخّرا في تصريح أعلامي لدى إشرافه على أشغال مؤتمر النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بجربة ميدون «أن الحديث عن سنة بيضاء هو حٌلم من يريد لنقابة التعليم الثانوي أن تنكسر»، موضحا أن النقابة ستضغط بكل ما لديها من قوة دون أن تكون الضريبة على حساب التلاميذ». ومن هذا المنطلق فهو مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن يبدّد أحلام البعض وأن يثبت فعلا وليس قولا أن ضغوطاته النقابية لا يدفع ضريبتها التلميذ ، كما انه مطالب أيضا بالتعقل وتغليب صوت الحكمة والاهم من ذلك أن يضع نٌصب عينيه أن بعض أولياء الأمور يلتجئون إلى الاقتراض لتأمين متطلبات سنة دراسية وان لا يستكثر عليهم حتى الإطلاع على ثمرة «استثمارهم». على اليعقوبي أيضا أن يضع رصيده النضالي في كفّة وهذه المعركة التي انضم إليها الأولياء في كفة أخرى حتى لا يٌنسف هذا الرصيد جراء قرار يراه البعض «متعنّتا»..