بلغت خسائر شركة فسفاط قفصة في سنة 2017 فقط حوالي 1000 مليون دينار جراء إيقاف الإنتاج وتعطيله من قبل عشرات المحتجين لا غير كبدوا ميزانية الدولة خسائر فادحة طيلة السنوات السبع الأخيرة. هذه المرة يبدو أنها ستكون الضربة القاسمة للقطاع خاصة بعد توقف المجمع الكيمياوي عن العمل وما ينتج عن ذلك من خسائر مضاعفة سواء فيما يتعلق بتعطل تزويد المجمع الكيميائي بالفسفاط اللازم لإنتاج الأسمدة والحامض الفسفوري وتعطيل التصدير أو كذلك بتعطل الآلات وما يكلفه إعادة تشغيلها من مصاريف تفوق الخيال.. هذا إلى جانب خسارة عدد من الأسواق التقليدية الكبرى بعد فقدان تونس لمصداقيتها في الأسواق العالمية بسبب عدم قدرتها على الالتزام بتعهداتها بصفة مستمرة. الأزمة الراهنة لقطاع الفسفاط عجز عن حلها حتى اتحاد الشغل الذي فشلت قيادته بعد مسؤولي الحكومة في فرض عودة الإنتاج لتتغلب المصلحة الضيقة لبعض المحتجين عن حق أو غير حق على مصلحة البلاد ككل. ويبدو أن القرارات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة نهاية الأسبوع في تعليق كل الاتفاقات فيما يتعلق بأزمة الحوض المنجمي هي جزء من الحل الذي تأخر كثيرا فتصعيد الحكومة كان يمكن أن يكون منذ البداية أي منذ سنوات حتى لا تضطر في كل مرة للتنازل لتجد نفسها بعد سنة أو اقل أمام نفس المشكل ونفس المطالب ونفس التعطيل للإنتاج.. إن تواصل التعامل مع إضرابات الحوض المنجمي بهذه السلبية والتوقف المتواصل لإنتاج الفسفاط في الوقت الذي تعيش فيه البلاد صعوبات مالية خانقة ستنجر عنه تداعيات سلبية وخطيرة بعد استبشار مؤقت لم يدم طويلا بأرقام 2017 التي بلغ فيها الإنتاج 4 ملايين و150 ألف طن من الفسفاط التجاري وهو رقم قياسي لم يسجل منذ سنة 2010 إلى جانب ارتفاع الإنتاج ب 24 بالمائة مقارنة بسنة 2016 التي بلغ فيها الإنتاج 3.3 ملايين طن. إن الوضع الراهن في الحوض المنجمي وفي المجمع الكيمياوي كبد البلاد خسائر تناهز ال 10 ملايين دينارا في اليوم وهو ما سيزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي وهو ما ستكون له انعكاسات أخرى كبيرة على الموازنة العامة لن تجد له الحكومة من مخرج سوى مزيد الغوص في دوامة الديون والاقتراض من أجل خلاص القروض وفوائدها والتي بلغت أرقاما ضخمة من الصعب أن يتحملها هذا الجيل وحتى الجيل القادم. إن قرار الحكومة الأخير، يمكن أن يكون له مفعول ايجابي وهو ما تمثل في عودة البعض إلى العمل في مواقع الإنتاج..والمطلوب مواصلة النهج المتشدد ضد كل من يعطل العمل وسير النشاط العادي للمؤسسات الحيوية الوطنية وخاصة منها العاملة في المجال الاقتصادي والطاقي على غرار الفسفاط والنفط والغاز..فالوضع لم يعد يحتمل الأيدي المرتعشة في مواجهة الملفات الاقتصادية الحارقة والقرارات الحاسمة والمتشددة هي التي ستعيد للحكومة هيبتها وللاقتصاد نموه وللبلاد انتعاشتها.