نقلت وكالات الأنباء العالمية والمواقع الإعلامية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعارض مشروع دار النشر الفرنسية المعروفة «غاليمار» إعادة نشر الأعمال الكاملة للأديب الفرنسي «لوي فيرديناند سيلين»، وذلك لوجود كتب تصنف على أنها معادية للسامية. ونقل عن الرئيس ماكرون - في لقاء مع المجلس التمثيلي لمؤسسات يهود فرنسا- إنه لا توجد في البلاد شرطة للذاكرة والأخلاق، ومشددا في الوقت ذاته على أن موقفه الرافض لإعادة نشر هذه المؤلفات يعنيه هو فقط يعني أنه مجرد وجهة نظر. لماذا الكاتب سييلين بالذات؟ إن لويس فرديناند أُغوست ديتوش وفق سيرته الذاتية هو كاتب روائي وطبيب فرنسي، ولد سنة 1894 في باريس وتوفي سنة 1961 في الضاحية الجنوبية للعاصمة الفرنسية وعرف لاحقاُ باسمه الأدبي لويس فرديناند سيلين أو اختصاراً سيلين. يعتبر سلين من بين أشهر كتاب فرنسا في القرن العشرين، وفكره يتميز بنبرته الساخرة. اقتحم سيلين أبواب الشهرة الأدبية من بابها الواسع بعد نشره روايته الأولى سفر إلى آخر الليل سنة 1932 التي انتقد فيها باسلوبه الفريد الحرب، والرأسمالية واعتبر النقاد أنه ظهر من خلال هذه الرواية موقفه المناهض للإستعمار. وقد تسبب نشره لمقالات معادية للسامية في الثلاثينيات وتعاونه ( في مستوى انتاجه الأدبي ) مع المحتل الألماني وحكومة فيشي أثناء الإحتلال الألماني لباريس خلال الحرب العالمية الثانية ضد «الخطر اليهودي على فرنسا» في جلب متاعب للكاتب على مختلف المستويات: (قضائية، مالية وإدارية بعد الحرب). وقد عاش سيلين في الخمسينيات مع زوجته في عزلة عن الدوائر الأدبية الباريسية حتى وفاته لكن ذلك ووفق ما ورد في سيرته الذاتية لم يمنعه من نشر ثلاث قصصٍ من بينها واحدة نشرت بعد وفاته بعنوان «ريغودون» حيث يروي من خلالها حيثيات فراره في نهاية الحرب عبر ألمانيا ثم إلى الدنمارك. ورغم عقود من الزمن على رحيل الكاتب الكبير الذي جعلت منه روايته سفر إلى آخر الليل نجما في عالم الأدب العالمي ورغم المحاسبة التي تعرض لها فإنه بقي موضوع اشكال إلى هذه اللحظة ولم تشفع له قيمته الأدبية ولا أي اعتبار آخر. وها هو موضوع محاسبة من جديد ولو كان ذلك بشكل غير مباشر. ولنا أن نشير إلى أنه لئن شدد ايمانويل ماكرون على أنه لا يعدو أن قدم موقفه الشخصي من إعادة نشر كتب سيلين فإنه يدرك تماما حساسية الموقف، فهو من جهة يواصل في الخط الفرنسي إذ تتبنّى فرنسا موقفا يكاد يكون ثابتا في مراقبة كل حركة قد تدخل في نطاق معاداة السامية والتصدي لها بمختلف الطرق لكنه من جهة ثانية يخشى أن يجد نفسه يدخل في منطق التدخل في حرية التعبير وتوجيه حركة النشر في فرنسا. فالمعروف أن حرية التعبير والنشر في بلاد الأنوار مضمونة ومكفولة بالقانون وهي تقريبا بلا قيود وهو ما يجعله فعلا في موقف صعب وحساس. ولعلها فرصة للإشارة إلى أن موقف ماكرون قد يعيد للسطح ذلك الجدل حول الخطاب المزدوج الذي تعتمده السلطات الفرنسية والغربيّة عموما في علاقة بقضايا تهم المسلمين واليهود. فللتذكير اعتبرت مثلا كل الرسوم المسيئة لرسول الإسلام التي نشرت في صحف فرنسية وأوروبية تدخل في إطار حرية التعبير أما اليوم والأمر يتعلق بقضية لها علاقة باليهود في علاقة بما شهدته الحرب العالمية الثانية فإنه يصبح في الأمر نظر. ونعتقد أن مسألة ازدواج الخطاب تطرح اليوم وهو ما يزيد في تعقيد موقف الرئيس الفرنسي الذي لن يسلم بالتأكيد من النقد. فهو وإن اعتبر أنه قدم وجهة نظر لا غير فإنه وبحكم موقفه كرئيس للبلد يكون قد حاول التأثير على الخط التحريري لدار نشر محترمة في فرنسا ولو كان ذلك بشكل غير مباشر. كما أنه يمكن أن يكون قد فتح جبهة جديدة حول علاقة الفرنسيين بصفحات من تاريخهم المعاصر بما ضمّه من أحداث ومن شخصيات ومن فاعلين في هذا التاريخ. ونتوقع بطبيعة الحال أن القضية ستكون للمتابعة.