من البديهي أن يتواصل الكرّ والفرّ بين نقابات التعليم ووزارة التربية، خاصة أن لهذه العلاقة تراكمات مع الوزير السابق ناجي جلول والذي غيرته الحكومة بحاتم بن سالم لكن دون أن تتغير العلاقة .ولم تتخلص المؤسسة التربوية ككل (إعداديات.. معاهد ومدارس ابتدائية) من التوتر الذي تعيشه من سنين.. ولم تتم، أيضا ، تنقية الأجواء الملبّدة. حتى أصبح حجب الأعداد محل الصراع ولي الذراع بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي.. وانتشرت حرب البيانات والتصريحات وحتى التهديدات. لكن في النهاية، الضحية واحدة، وهي الأولياء ويليهم التلاميذ،فلذات أكبادهم. وإذ تطالب النقابات بوزارة فاعلة وقادرة على اتخاذ القرار لابد من الإقرار بأن لا وزير التربية حاتم بن سالم ولا أيضا من جاؤوا قبله أومن قد يأتون بعده في مقدورهم أن يفعلوا شيئا .لأن كلاّ مرتبط بحكومة وبموازنات وبرامج .وليس لديه أيضا ما يعين من التسهيلات التي قد تمكنه من الاستجابة لبعض الكم الهائل من المطالب، والتي يجب الاعتراف أن العديد منها مشطة بل وتعجيزية.. ولأن الصورة الجميلة، والمرتبة الاعتبارية للمدرس الذي نعرفه جيدا لا يمكن أن تزولا، وخاصة لأولئك الذين كونوا أجيالا وأجيالا، أو الذين أصبحت لديهم اليوم مسيرة طويلة لأنه لابد من الإقرار بأنهم مثل سائر المواطنين، اهترأت قدرتهم الشرائية وهم الذين يؤدون رسالة نبيلة، وليسوا تجارا مثل عديد المدرسين الآخرين (وخاصة أجيال المربين الجدد) ولابد من تحقيق مطالب البعض والاستجابة للبعض الآخر بما يرضي طرفي التفاوض حتى نتجنب لعبة شد الحبل، والكرّ والفرّ، وحتى ينصرف الجميع بمن في ذلك النقابيين إلى تنقية الأجواء وإعادة الهيبة للتعليم العمومي كفضاء للتربية والتنشئة السليمة (وهي الأهداف التي وجد وبعث من أجلها)... فمثلما ندافع على ضرورة تحسين المقدرة للمربي (وما أعظم هذه الصفة التي لم تعد تنطبق على العديد) لابد أيضا أن ينتبه المربي سواء كان معلما أو أستاذا إلى أن المستوى التعليمي تدحرج (ولا يمكن دوما الحديث عن البرامج) بسبب انقلاب عديد المفاهيم، فاليوم أًصبحنا نرى مربين يعتدون على الطفولة، وعلى الأولياء والتلاميذ.. والانخراط في النقابات كاف لأن يجعل من المخطئ مصيبا وعلى حق.. وحتى المديرون الذين يريدون الإصلاح والوقوف في وجه التيار لا يقد رون على شيء أمام الهجمة النقابية.. لذلك مثلما تطالب النقابات بحقوق منظوريها عليها أيضا احترام الإدارة والوزارة والمواطن خاصة والتلاميذ تحديدا وعدم تحويلهم إلى أداة ضغط أو وسيلة للابتزاز وبالتالي على الجامعة العامة للتعليم الثانوي أن تساهم في إصلاح الشأن التربوي بالتوازي مع التفاوض حول المطالب وعلى الجامعة العامة للتعليم الأساسي أن تساهم في تأطير المعلمين وتربيتهم على أصول العمل التربوي لأن ما يحدث في المدرسة العمومية ككل يندى له الجبين، ولأن هذه المدرسة تفتقر إلى المرافقة والمراقبة الجديتين، وعلى الوزارة أن تضع كل ثقلها على المؤسسة التعليمية للابتدائي لأنها منطلق التنشئة الحقيقية وفيها تبنى أسس العلم والتعلم.