كشف اجتماع ما تبقى من الموقعين على وثيقة قرطاج في طياته الكثير من قصر النظر في اختيار التوقيت وكيفية الإخراج بما ينم عن قراءة سطحية للظرف ومحاولة للتملص من المسؤوليات التاريخية. فبغض النظر عن أن الظرف السياسي يستوجب حدا أدنى من الاستقرار وتونس تستعد لانتخابات بلدية مفصلية فإن اختيار التوقيت من أطراف اجتمعت بغاية إنقاذ الاقتصاد الوطني كان غير مناسب البتة، إذ يأتي أياما قبل انعقاد مجلس إدارة صندوق النقد الدولي سيحسم خلاله أمر صرف القسط الثالث من القرض الممنوح لتونس والذي إن لم يصرف فسيتعطل بشكل واضح عمل دواليب الدولة. كما يأتي عقد اجتماع قرطاج كذلك أياما قبل خروج تونس موفى الشهر إلى السوق المالية العالمية لاقتراض مليار دينار كان المؤمل أن تحصل عليها بنسبة فائدة معقولة على اعتبار بدء تطبيق الإصلاحات والاستقرار الحاصل غير أن ما قرره المجتمعون سوف يكون مصدر تخوف للمانحين وارتفاع محتمل لنسبة الفائدة. وان كان الظرف غير ملائم ويتعارض مع المصالح العليا للوطن فإن ما شاب عملية الإخراج من أخطاء زاد الطين بلة.. فمخرجات الاجتماع لم تقنع الرأي العام الذي استشعر مما حدث محاولة تغطية فشل معلن بإجراء عملية قيصرية يتم من خلالها إخراج مولود جديد أسموه الوثيقة الاقتصادية أو وثيقة أولويات المرحلة القادمة من رحم وثيقة قرطاج الميتة سريريا … وثيقة أرادوها منفذ نجدة يمكنهم من خروج يظنونه مشرفا يوصلهم سالمين إلى موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. ومن مخرجات الاجتماع التي كانت محل نقد محاولة رئيس الدولة اليائسة التبرؤ من فكرة اقتراح حكومة وحدة وطنية عندما أعلن في افتتاح الاجتماع أن هناك من اقترح عليه فكرة حكومة وحدة وطنية فرحب بالفكرة في إخراج شبيه بإخراج الزعيم بورقيبة إثر أحداث الخبز عندما قال إن رئيس البلدية اعلمه بان المواطنين يلقون بالخبز في الزبالة… إخراج لا يعفيه من المسؤولية لان السيد الباجي قائد السبسي هو من بادر بعرض الفكرة في حوار متلفز وهو من اقترح اسم رئيس الحكومة وصادق على تركيبتيها على أمل نقل مركز الثقل الموزع بين القصبة وباردو إلى قرطاج.. وبالتالي فهو يتحمل على الأقل كامل المسؤولية المعنوية للفشل إن ثبت. لقد كشف واقع الحال أن ما جمع الموقعين على وثيقة قرطاج لم يكن الوطن بقدر ما كانت المصالح وان جل الذين انفضوا عنها أو التحقوا بها أو مزقوها وعادوا إليها تحركهم مصالح ذاتية انتخابية واصدق دليل على ذلك حالة البلاد التي وان اختلفوا في تقييمها فإنهم لا يختلفون حول أن بالوحدة الوطنية أو بدونها ظلت كل الحكومات «هز ساق تغرق الأخرى» واستمر وهن الدولة وتواصلت استباحتها تحت ضغط اللوبيات.