تقلص احتياطي تونس من العملة الصعبة بداية من يوم الاثنين 19 مارس 2018، إلى 76 يوم توريد حيث بلغ مخزوننا من العملة الصعبة 10.846 مليون دينار، مقابل 102 يوم خلال نفس الفترة من السنة الماضية. هذا التراجع يعود إلى عدة عوامل أهمها توجه الحكومة نحو إنشاء مخزون من القمح والنفط والأدوية يكفي لعدة أشهر قادمة نظرا للارتفاع الحاد لأسعار هذه المواد في الأسواق الخارجية وذلك لتفادي التضخم الذي تعرفه أسعار المواد المستورد في الأسواق العالمية. وتكوين مخزون من هذه المواد يعد سابقة في تونس، لأنه عادة ما تقوم الدولة بعدة اقتناءات على مدار السنة حسب احتياجاتها، وهو ما يفسر تراجع مخزوننا من العملة الصعبة وبالتالي انخفاض أيام التوريد ب4 أيام في أقل من شهر، حيث كان يبلغ بداية الشهر الجاري 80 يوم توريد ثم 78 يوما ف76 يوما. ولتوفير مخزون من هذه المواد قامت الجهات المعنية بلادنا بمجابهة دفوعات بأكثر من 2 مليار دينار حيث استوردت 760 مليون دولار من محروقات و100 مليون دولار أدوية بالإضافة إلى توفير مخزون من القمح. كل هذا جعل ميزان الدفوعات يشهد عجزا يفوق 10 بالمائة بحجم 10087 مليون دينار بعد أن كان في حدود 4.8 بالمائة في 2010 وبحجم 3012 مليون دينار. هذه الأرقام نتيجة حتمية لما يشهده الوضع الاقتصادي العام من تدحرج خاصة وأن التوريد بات يفوق بكثير التصدير في ظل تراجع تصدير النفط والفسفاط ومختلف القطاعات التصديرية بالإضافة إلى تقهقر عائدات القطاع السياحي من العملة الصعبة وهو ما دفع ببلادنا للاتجاه أكثر فأكثر نحو التداين. كل هذا أثر على أسعار المواد الاستهلاكية ما جعل نسبة التضخم تصعد إلى 7.1 بالمائة ويمكن أن ترتفع هذه النسبة إلى أعلى من هذا إذا ما تواصل ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة وبالتالي المواد المصنعة. وحسب توقعات مديري البنك المركزي من المتوقع أن تبلغ نسبة التضخم إلى 7.2 بالمائة، مؤكدين أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي وأبرزها الترفيع في نسبة الفائدة هي بالأساس للضغط على التضخم وحتى لا تصل نسبته مستويات أعلى. وقد نجحت تونس على امتداد السنوات الفارطة في الحفاظ على مخزونها من العملة الصعبة ب90 يوما وأكثر من خلال إتباع سياسة ماكرو-اقتصادية عقلانية ما جعلها تظهر رغم الوضع الاقتصادي ذات إستراتيجية مالية قوية والحفاظ على مخزونها من العملة لكن الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية من نفط وأدوية والقمح والعديد من المواد الأخرى أدى إلى تقهقر مخزوننا من العملة الصعبة، كل هذا يحتم وجوب ترشيد التوريد ودفع التصدير والاستثمار وذلك في إطار استراتيجيا يتم وضعها بالتنسيق بين مختلف الجهات المعنية من أجل الضغط على التضخم وعجز ميزان الدفوعات والميزان التجاري ما من شأنه أن يدعم الاستثمار كل هذا مع وجوب الدفع بمختلف القطاعات الاقتصادية حتى تتحرك وتعود إلى الإنتاج وتقديم قيمة مضافة للاقتصاد ما سيفتح أمام مؤسساتنا الصناعية آفاقا جديدة للتصدير تمكن من توفير عائدات هامة من العملة الصعبة. ويعد صرف صندوق النقد الدولي للقسط الثالث من القرض الممنوح لبلادنا مهما حتى تنتعش الخزينة لا سيما مخزوننا من العملة الصعبة، حيث تتواصل على امتداد الفترة الفارطة النقاشات والمفاوضات بشأن صرف القسط الثالث من قرض صندوق النقد الدولي ومن المنتظر أن تمر بلادنا أمام مجلس إدارة صندوق النقد يوم غد 23 مارس حسب ما أعلن عنه سابقا محافظ البنك المركزي، كذلك الشأن بالنسبة إلى عودة نسق التصدير وانتعاشة الموسم السياحي من أجل دعم مخزوننا من العملة الصعبة.