يصاب العديد من الأشخاص بصدمات نفسية تخلفها لهم واحدة من نوائب الدهر سواء إثر فقدانهم عزيزا أو قريبا وخاصة الوالدين وتؤثّر مصائب الحياة سلبا على نفسية بعض البشر فليس الكل قادرا على تحمل ما تأتي به الحياة من مفاجآت غير سارّة ويخيّر البعض الابتعاد عن البشر حتى وإن كان سيقضي حياته في حفرة. وقد شهدت بلادنا حالتين غريبتين خلال شهر مارس الجاري آخرها أمس الأول حيث تم العثور على شاب يبلغ من العمر30 سنة يعيش في حفرة عمقها ثلاثة أمتار منذ أربع سنوات تبين أنه يعاني من اضطرابات نفسية وقد تم العثور عليه عشية الخميس الماضي نائما داخل حفرة بمنطقة الجهينات من معتمدية بوحجلة التابعة لولاية القيروان وكان بحالة سيئة حيث كان يعاني من الهزال والبرد وعلى الرغم من ذلك فقد نطق ببضع كلمات وقد تم استدعاء أعوان الحماية المدنية وسيارة اسعاف لاخراجه من الحفرة ونقله الى المستشفى. وقد تم إعلام النيابة العمومية بالأمر فأذنت بإيوائه بقسم الأمراض العصبيّة بالمستشفى الجهوي بالقيروان والتحرّي مع أفراد عائلته. وقد باشر أمس مركز الحرس الوطني ببوحجلة البحث في قضية عدلية تتعلق باحتجاز شخص دون موجب قانوني وشرعت في الاستماع الى أفراد عائلته لتحديد المسؤوليات وكشفت التحريات الأولية أن الشاب له مستوى جامعي وعمل مدة في مخبزة بجهة نابل ثم أصيب بمرض نفسي وعاد الى مسقط رأسه غير أن سلوكه كان عنيفا مما اضطر عائلته الى التخلي عنه فلجا الى العيش في حفرة تبعد بضعة أمتار عن المنزل وأصبحت عائلته تضع له الطعام والماء أمام الحفرة. وللإشارة فقد عرفت بلادنا بداية شهر مارس الجاري حادثة مؤلمة ومشابهة للحادثة المذكورة حيث تم العثور على كهل في الخمسين من عمره بمنطقة وادي الخيل من معتمدية بني خداش التابعة لولاية مدنين والذي خير العيش في حفرة طيلة15 عاما بعد وفاة والديه واختار مغارة تبعد بضعة أمتار عن منزل شقيقته وعندما عثر عليه كان وزنه عشرة كيلوغرامات. كما صدم المجتمع التونسي بحالات مشابهة بمناطق مختلفة من البلاد خلال سنة2017 حيث تمكنت الوحدات الأمنية التابعة لمركز الحرس بحمام بورقيبة من ولاية جندوبة خلال شهر نوفمبر2017 من تحرير فتاة احتجزتها عائلتها داخل اسطبل بمنطقة الزويتينة من معتمدية عين دراهم. وكانت الفتاة البالغة من العمر30 سنة تعاني من اضطرابات نفسية، حيث أكّدت والدتها انها غادرت المنزل أكثر من مرة باتجاه التراب الجزائري، وكانت قد ألقت بنفسها مرتين في بئر مما اضطر العائلة الى شد وثاقها بواسطة سلسلة حديدية ووضعها في اسطبل. وقد تم نقلها الى مستشفى الرازي من قبل السلط الأمنية وقررت النيابة العمومية بابتدائية جندوبة إبقاء والد الفتاة بحالة سراح. حادثة مشابهة اهتز لوقعها المجتمع التونسي خلال شهر جوان2017 حيث تم العثور على فتاة تبلغ من العمر33 سنة محتجزة منذ ما يزيد عن 28 عاما بجهة الشراردة من ولاية القيروان وتعيش عارية في اسطبل للحيوانات حيث تخلت عنها عائلتها منذ سنوات طويلة بعد ان انفصلا والداها بالطلاق وتحول والدها للعيش في العاصمة مع زوجته الجديدة كما تخلت عنها والدتها التي جدّدت حياتها هي الأخرى فقرر أقاربها وضعها في اسطبل بسبب ظروفها النفسية. وخلال شهر جوان الماضي قامت وحدات الحرس الوطني بمنزل بورقيبة بإيقاف شقيقين(رجل وامرأة) بتهمة احتجاز شخص دون إذن قانوني وإهمال عاجز بعد تعمدهما حجز شقيقتيهما التي تعاني من اضطرابات نفسية وتبلغ من العمر55 سنة لمدة 20 عاما في منزل في الجهة وقد تم إيواؤها بمستشفى الرازي بمنوبة. حالة أخرى مشابهة تم الكشف عنها خلال شهر جويلية من سنة 2017 حيث توفرت معلومات لدى وحدات الحرس الوطني التابعة لمنطقة الحرس الوطني بسيدي عمر بوحجلة من ولاية القيروان حول احتجاز عائلة لابنتها وبمداهمة المنزل بإذن من النيابة العمومية تم العثور على فتاة تبلغ من العمر28 عاما محتجزة داخل غرفة معزولة عرضها متر ونصف وطولها أربعة أمتار ولا تتوفر فيها الشروط الصحية وبجانب الفتاة فضلات بشرية. وبجلب والدها الى مركز الحرس الوطني بالجهة قال ان ابنته تعاني من مرض نفسي وتتعمد الخروج من المنزل والتعري امام المارة وهو ما دفع به الى احتجازها طيلة سبع سنوات. العقوبات الجزائية.. كفل المشرع التونسي حقوق هؤلاء الاشخاص الذين يتعرضون للتقصير والاهمال من طرف عائلاتهم والاحتجاز والمعاملة السيئة حيث ينصّ الفصل212 (نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر1995)"يستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها 200 دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا. ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس والمحاولة موجبة للعقاب". وينصّ الفصل 212 مكرر (أضيف بالقانون عدد 29 لسنة1971 المؤرخ في 14 جوان 1971)"الأب أو الأم أو غيرهما ممن تولى بصفة قانونية حضانة قاصر إذا تخلص من القيام بالواجبات المفروضة عليه إما بهجر منزل الأسرة لغير سبب جدي أو بإهمال شؤون القاصر أو بالتخلي عنه داخل مؤسسة صحية أو اجتماعية لغير فائدة ودون ضرورة أو بتقصيره البيّن في رعاية مكفوله بحيث يكون قد تسبب أو أسهم في التسبب بصورة ملحوظة في إلحاق أضرار بدنية أو معنوية به يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار". واما الفصل 213(نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر1995)"يعاقب بالسجن مدة 12عاما مرتكب الأفعال المقرّرة بالفصل 212 من هذه المجلة إذا نتج عن الإهمال بقاء الطفل أو العاجز مبتور الأعضاء أو مكسورها أو إذا أصيب بعاهة بدنية أو عقلية. ويعاقب بالسجن بقية العمر إذا نتج عن ذلك الموت". وينص الفصل217 (نقّح بالأمر المؤرخ في 17 فيفري 1936" (يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها 720دينارا مرتكب القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين". مفيدة القيزاني