تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    عاجل: الجزائر: هزة أرضية بقوة 3.9 درجات بولاية المدية    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    قيرواني .. نعم    تورّط شبكات دولية للإتجار بالبشر .. القبض على منظمي عمليات «الحرقة»    مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    أستاذ قانون: العاملون في القطاع الخاصّ يمكن لهم التسجيل في منصّة انتداب من طالت بطالتهم    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيقات "الصباح"/ رضع في الشوارع.. جثث وأجنة في المزابل.. من يوقف نزيف "ثمرات" العلاقات "الخنائية"؟
نشر في الصباح نيوز يوم 28 - 10 - 2016

في حاويات القمامة ..تحت شجرة ..على عتبة منزل أو حتى على قارعة الطريقة تختلف الأماكن ويختلف الأشخاص ولكن الضحية واحدة.. مواليد أعمارهم دقائق أو ساعات أو أيام يتخلص منهم ذويهم لأنهم غير مرغوب فيهم ولدوا نتيجة علاقات كانت بدايتها جميلة ونهايتها قاتمة.. جنين ينمو في أحشاء والدته لأب غير معترف به أو نتيجة اغتصاب وتنتهي القصة بالتخلص من الحلقة الأضعف من المولود العاجز عن الدفاع عن حقه في الحياة.
وبين البدايات والنهايات بون شاسع.. فالبداية كلام مزوق يحيكه الصياد بعناية حتى تسقط فريسته بسهولة في الفخ ولما تستجيب لنزواته العابرة يتركها في مفترق طرق ثم ينتقل إلى فريسة أخرى ليزرع بذرته الحرام فيها ويزيد من عدد الضحايا.. ضحايا الدعارة والاغتصاب يرمون في المزابل ومن كان أوفر حظا يتم العثور عليه قبل أن يودع هذه الحياة فتتكفل دور الأيتام بالعناية به وقد يسعفه الحظ فتتبناه عائلة حرمت من نعمة الإنجاب..، «الصباح» تطرقت إلى موضوع التخلص من المواليد غير الشرعيين من خلال التحقيق التالي..
رضع حديثو الولادة على قارعة الطريق.. جثث في حاويات القمامة وأخرى نهشتها الكلاب السائبة.. هكذا تطالعنا أخبار ضحايا أبرياء وآخرها وليس الأخير الطفل الذي عثر عليه بجهة نصر الله بالقيروان ومن حسن حظه أنه مازال على قيد الحياة فتم انتشاله وتكفل مندوب حماية الطفولة بأمره ..
حكايات مشابهة لحكاية هذا الرضيع ولكن ضحاياها لم يكونوا أوفر حظا وقد تكون الحادثة التي جدت منذ بضع سنوات بمعتمدية عقارب الأكثر بشاعة حيث استفاق الأهالي على وقع تعرض مولود حديث الولادة إلى حادث مرور فظيع،الرضيع ألقي به ليلا على قارعة الطريق فمرت عليه وسائل النقل بعجلاتها حتى سحقته فكانت نهايته فظيعة.. تحول إلى أشلاء تناثرت هنا وهناك بعد أن ظن سائقو السيارات أنه حيوان سائب ولكن المفاجأة كانت مرعبة عندما تم العثور على ذراع الرضيع.
حادثة أخرى لا تقل بشاعة عن سابقتها جدت هي الأخرى منذ عدة سنوات بمدينة صفاقس.. الضحية رضيعة عمرها بضعة أيام عثر عليها مذبوحة داخل كيس بلاستيكي وملقاة على مقربة من المسلخ البلدي وكأن قاتلها أراد أن يقول إن تلك المولودة ليست سوى دابة لا تصلح إلا للذبح.
جثث في كل مكان
جثة مولودة ثانية عثر عليها ملقاة على قارعة الطريق بجهة المنازه.. عثر عليها شاب خلال الساعات الأولى من الفجر داخل كيس بلاستيكي فاشتبه في أمرها ولما دفعه فضوله لمعرفة ما بداخل الكيس صعق لوجود جثة مولودة وتوصلت السلط الأمنية والقضائية لاحقا إلى أن المولودة ولدت إثر علاقة سفاح ثم تعرضت للخنق..، مولودة أخرى عثر عليه جثة هامدة بين كروم الهندي بمنطقة الذراع من ولاية سيدي بوزيد من قبل امرأة، مولود آخر عثر عليه يحتضر بمدينة قصور الساف من ولاية المهدية فاتصل مواطن بأعوان الأمن وتم إنقاذه في الدقائق الأخيرة.
ظهر أول أمس (الثلاثاء) وردت مكالمة هاتفية على مركز الحرس الوطني بسيدي بوزيد موضوعها عثور امرأة على جثة رضيعة ملقاة في كروم الهندي الشوكي التابع لأحد الفلاحين بمنطقة الذراع من معتمدية سيدي بوزيد الشرقية ملفوفة في كيس بلاستيكي فتحولت دورية أمنية على عين المكان برفقة ممثل النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد وقاضي التحقيق بنفس المحكمة وبعد إجراء المعاينات اللازمة تبين أن الضحية رضيعة لا يتعدى عمرها اليومين تحمل آثار خنق.
وبعد إجراء المعاينات أذن ممثل النيابة بعرض الجثة على الطبيب الشرعي وفتح بحث في الغرض لتنطلق التحريات في الإبان لمعرفة والدة ووالد الضحية وأسباب التخلص من المولودة بتلك الشاكلة.
الأمهات العازبات..
عندما يتحول حلم الأمومة إلى كابوس مزعج تعيشه الأم العازبة خلال فترات حملها ويتحول الكابوس إلى حالة من الرعب التي تنتاب تلك الأم حين تضع مولودها وربما الهروب من وصمة العار يدفع الكثير منهن إلى اختيار الحل الأسهل وهو التخلص من المولود أمام خوفهن من مستقبل مجهول وثقل المسؤولية خاصة حين تواجه الأم العازبة واقعها المحبط بمفردها.
وللإشارة فقد كشفت إحدى الإحصائيات الرسمية التي أجريت منذ أربع سنوات أن عدد المواليد الذين يولدون خارج إطار الزواج بلغ 1600 مولود سنويا أي ما بين 3 و4 مواليد في اليوم الواحد مع الإشارة إلى أن العدد يرجح أنه أكثر من ذلك خاصة وأن بعض الأمهات العازيات يخيرن الولادة في البيت ثم التخلص من المولود، فيما سجلت مصالح الإدارة العامة للأمن الوطني والإدارة العامة للحرس الوطني خلال أشهر جانفي وفيفري ومارس وأفريل وماي وجوان 2016 خمس جرائم قتل مولود مقابل عشر جرائم في النصف الأول من السنة الماضية أي بانخفاض بنسبة 50 بالمائة.
* كيف يتعامل المشرع مع قتلة المواليد الجدد؟
على الرغم من أن أمهاتهم يعتبرونهم كائنات غير مرغوب فيها ويتخلصون منهم إبان ولادتهم ولكن القانون التونسي كفل حق أولئك المواليد ولم يفرق في العقاب بينهم وبين المواليد الشرعيين وينص الفصل 210 من المجلة الجزائية (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) بأنه يعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده وأما الفصل 211 (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) فقد نص على أنه تعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته.
عقوبة إهمال طفل..
وورد بالفصل 212 (نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) أنه يستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها مائتا دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا. ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته. ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس والمحاولة موجبة للعقاب.
وأما الفصل 212 مكرر (أضيف بالقانون عدد 29 لسنة 1971 المؤرخ في 14 جوان 1971) فقد نص على أن الأب أو الأم أو غيرهما ممن تولى بصفة قانونية حضانة قاصر إذا تخلص من القيام بالواجبات المفروضة عليه إما بهجر منزل الأسرة لغير سبب جدي أو بإهمال شؤون القاصر أو بالتخلي عنه داخل مؤسسة صحية أو اجتماعية لغير فائدة ودون ضرورة أو بتقصيره بيّن في رعاية مكفولة بحيث يكون قد تسبب أو ساهم في التسبب بصورة ملحوظة في إلحاق أضرار بدنية أو معنوية به يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار.
من جهة أخرى نص الفصل 213 (نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) على أنه يعاقب بالسجن مدة اثني عشر عاما مرتكب الأفعال المقررة بالفصل 212 من هذه المجلة إذا نتج عن الإهمال بقاء الطفل عاجزا أو مبتور الأعضاء أو مكسورا أو إذا أصيب بعاهة بدنية أو عقلية ويعاقب بالسجن بقية العمر إذا نتج عن ذلك الموت.
عقوبة الإجهاض المتعمد..
وينص الفصل 214 (نقح بالقانون عدد 24 لسنة 1965 المؤرخ في غرة جويلية 1965) على أنه يعاقب كل من تولى أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أية وسيلة أخرى سواء كان ذلك برضا الحامل أو دونه ويعاقب بخمسة أعوام سجنا وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين.
وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها ألفا دينار أو بإحدى العقوبتين المرأة التي أسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما أشير به عليها أو وقع مدها به لهذا الغرض «يرخص في إبطال الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها كما يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إن خشي من مواصلة الحمل تسبب في انهيار صحة الأم أو توازنها العصبي أو كان يتوقع أن يصاب المولود بمرض أو آفة خطيرة وفي هذه الحالة يجب أن يتم ذلك في مؤسسة مرخص فيها.
وللإشارة فإن إبطال الحمل المشار إليه بالفقرة السابقة يجب إجراؤه بعد الاستظهار لدى الطبيب الذي سيتولى ذلك بتقرير من الطبيب الذي يباشر المعالجة (نقحت الفقرات الثلاث الأخيرة بالمرسوم عدد 2 لسنة 1973 المؤرخ في 26 سبتمبر 1973 المصادق عليه بالقانون عدد 57 لسنة 1973 المؤرخ في 19 نوفمبر 1973).
اللقب العائلي..
أصدر المشرع التونسي سنة 1998 قانونا يتعلق بإسناد اسم عائلي للأطفال مجهولي النسب مما يعطي الأم الحق في إمكانية إثبات نسب المولود خارج إطار الزواج من خلال اعتماد التحليل الجيني في حالة نكران الأب.
على الرغم من أن مجلة الأحوال الشخصية منعت تعدد الزوجات إلا أن المشرع التونسي سمح للأب المتزوج أن يمنح اسمه لمولوده من امرأة أخرى دون أية ملاحقة قانونية مع العلم أن المولود في هذه الحالة لا يحصل على نصيبه من الميراث.
أطفال زنا المحارم والاغتصاب
وللإشارة فإنه في سنة 2003 صدر قانون يسمح بإسناد اسم عائلي مستعار يكون متداولا في تونس للأطفال الناتجين عن زنا المحارم أو الأطفال الذين ولدوا نتيجة اغتصاب والأم تجهل هوية الأب على أن لا يطابق الاسم الثلاثي اسم شخص موجود فعلا.
* باحث في علم الاجتماع الإجرامي:
ما نعيشه اليوم «ثمرة» السياسات المتبعة وتجاهل الحكومات
الباحث في علم الاجتماع الإجرامي سامي نصر بين في قراءته لهذه المسألة أن العديد من جرائم القتل كان ضحيتها أطفال أبرياء، موضحا أن الملفت للانتباه هو أن ما يتم عرضه بوسائل الإعلام من متابعات للجرائم لا يعكس الصورة الحقيقية للوضع الإجرامي بالبلاد، حيث تتوزع الأنماط الإجرامية بطريقة مختلفة تماما وتتصدرها جرائم السرقة المجردة (النشل والنطر...) ثم السرقة الموصوفة، وتتقارب كثيرا نسب الجرائم العنفية مع جرائم المخدرات والجرائم الجنسية وأخيرا جرائم الاعتداء على الممتلكات ثم في السنوات الأخيرة قبل الثورة بدأت تبرز بشكل كبير جرائم التحيل والتزوير والجرائم المالية.
وهناك مؤشرات خطيرة تجاهلتها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والإعلام التونسي فقد دقت في السنوات الأخيرة العديد من النخب السياسية والفكرية والعديد من الإعلاميين ناقوس الخطر عن بوادر أزمة اجتماعية حادة ستعصف بالمجتمع إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وجريئة تتعلق بالإنجاب بطرق غير شرعية ثم التخلص منها... أقل ما يقال عن هذا الإعلان (دق ناقوس الخطر) هو أنه جاء متأخرا جدا ولكن ملاحظتنا هذه لا نعني بها استحالة المعالجة بقدر ما نعني الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة والتحركات الظرفية والوقوف جميعا على ضرورة وضع خطة إستراتيجية لمجابهة الظواهر الإجرامية المستفحلة في البلاد... ومقولة التفكير الاستراتيجي تشترط مقاربة ثلاثية الأبعاد (الماضي والحاضر والمستقبل)، ومن هذا المنطلق نود الوقوف على الماضي حتى نفهم الحاضر ونرسم للمستقبل.
أرقام مفزعة..
بين الباحث في علم الاجتماع الإجرامي سامي نصر أن هناك عدة عوامل تسبق الإنجاب بطرق غير شرعية ثم التخلص من ثمرات تلك العلاقات وقد أصدر ديوان الأسرة والعمران البشري على غرار المخدرات وما يتبعها من علاقات جنسية وقد تضمنت بعض التقارير والمنشورات الإحصائية والأكاديمية في 2007 الأزمة الحقيقيّة التي وصل إليها شبابنا وتدني الوضع الأسري بالبلاد التونسيّة في تلك الفترة.
فعلى مستوى الأمراض المنقولة جنسيّا أكّد تقرير الديوان حدوث 70 حالة إصابة جديدة بالسيدا سنويا سجّلت لدى الفئات الشبابية التي لا يتجاوز سنّها ال30 سنة 70% منها كان لدى الذكور و30% لدى الإناث.
وعلى مستوى استهلاك والإدمان على المخدرات فقد أكّدت تقارير ديوان الأسرة والعمران البشري وكذلك دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة شملت 500 شاب أن نسبة استهلاك المخدرات لدى شباب تونس في تلك الفترة وصلت إلى حدود 10% أمّا نسبة المواظبين أو المدمنين فقد تجاوزت ال3% حسب دراسة إحصائية لفئة شبابية تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة.
أكثر من 10 آلاف حالة إجهاض خلال 5 سنوات
وعلى مستوى العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، أفادت المعطيات الصادرة عن الديوان الوطني -وفق نصر- ارتفاع عدد حالات الإجهاض لدى الفتيات العازبات، إذ سجّلت العيادات الراجعة بالنظر للديوان حدوث 10 آلاف و360 حالة خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2002 و2007.. وأكّد الديوان أيضا أن أكثر من 80 % من الشباب الذين لهم علاقات جنسية يمارسون الجنس دون استعمال أي وسيلة حماية وهو ما يجعلهم عرضة للأمراض المنقولة جنسيا والحمل غير المرغوب فيه.
ونظرا لخطورة الأزمة وتفاقم عدد حالات الإجهاض تشير المعطيات الإحصائية إلى تضاعف عدد العيادات المختصة في هذا المجال بحوالي خمس مرات بين سنتي 2002 و2007 إذ ارتفعت من 11 ألفا و500 عيادة إلى 56 ألف عيادة.
كيف تعاملت الحكومات السابقة مع القضايا الشبابية؟
بين المختص في علم الاجتماع الإجرامي سامي نصر أن كل هذه الإحصائيات وغيرها كانت على طاولة الوزارات والجهات المعنية ولكنها تعاملت معها بطرق سلبية ولم تأخذها مأخذ الجد، وما نعيشه اليوم «ثمرة» تلك السياسات المتبعة، وأيضا ثمرة ركود كل القوى الفاعلة مثل الإعلام الذي دعّم تلك السياسات، والنخب الفكرية والسياسية التي نراها اليوم تنظّر في هذا المجال..، وقال سامي نصر إن ما نثيره في هذا الإطار لا نستهدف منه توجيه الانتقادات وسلخ الماضي بقدر ما نهدف إلى الاتعاظ من أخطاء ما سبق حتى لا نعيد إنتاجه على حد تعبير بيار بورديو، فمثلا استمع مجلس الوزراء يوم الأربعاء 7 جانفي 2008 إلى بيان حول التقرير السنوي المتعلق بوضع الطفولة لسنة 2008 ولكن دق ناقوس الخطر واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة اقتصرا على مناقشة المجلس الوزاري على «الحصيلة الهامة من المكاسب» التي تحقّقت لفائدة هذه الشريحة.
واستشهد سامي نصر بما قاله البشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان سابقا إثر مناقشة القانون المتعلق بمكافحة المخدرات من أن بلادنا تبقى مجرد أرض عبور للمخدرات وليست أرض استهلاك وترويج داعيا إلى تجنب التهويل... ونفس العبارة تم استعمالها عند إثارة قضية الهجرة السرية (الحرقان)، ثم إعادة استعمالها بعد الثورة في القضايا الإرهابية وتهريب السلاح.
إعداد: مفيدة القيزاني
جريدة الصباح بتاريخ 28 اكتوبر 2016


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.