منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 تعالت الأصوات المنادية بضرورة تنقيح المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المنظّم للأحزاب على خلفية غياب آليات دقيقة وفعالة لمراقبة مصادر تمويلاتها خاصة منها التمويلات الأجنبية. وقد رافق الحملات الانتخابية لتلك الانتخابات جدل واسع عن حجم الأموال التي أنفقت منذ تأسيسها إلى حين خوض غمار الصراع الانتخابي والسيطرة على المشهدين السياسي والحزبي. وإلى حدّ اليوم لم يكشف أي حزب خاصة الأحزاب الحاكمة على غرار حركة النهضة والنداء وبقية الأحزاب الأخرى الممثلة بمجلس نواب الشعب عن مصادر التمويلات وحجمها، بل بقيت جلّ التساؤلات عالقة دون إجابات مقنعة وواضحة وشفافة بالرغم من التّهم المتناثرة من هنا وهناك إما من مكونات المجتمع المدني أو من قياديي الأحزاب أو من غيرهم من مراقبي الشأن العام. في المقابل سعت الحكومة ممثلة في وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان إلى تنظيم مسألة تمويل الأحزاب وكيفية مراقبته من خلال تقديم مسودة مشروع قانون لإعادة النظر في المرسوم عدد 87 لسنة 2011. وفيما يهمّ تمويل الأحزاب تضمنت المسودة في فصليها 37 و38 آليات للتمويل تعتمد أساسا على التمويل العمومي من خلال تقديم منحة قارة ب 50 ألف دينار للأحزاب الممثلة في مجلس النواب وغير قارة ب 10 آلاف دينار عن كل نائب. وأقرّ مشروع القانون ضمن الفصل 37 منه انتفاع الأحزاب السياسية المكونة قانونا والممثلة بمجلس نواب الشعب بتمويل عمومي سنوي من ميزانية الدولة في شكل منح. كما نصّ المشروع على أن تكون موارد الحزب السياسي من اشتراكات المنخرطين والإيرادات المتأتية من ممتلكات الحزب والقروض، وعلى ألا يتجاوز قائم التعهدات لدى جميع البنوك والمؤسسات المالية مبلغ 300 ألف دينار بالإضافة إلى التمويل العمومي الذي تسنده الدولة وفق أحكام مشروع القانون. ويحجر على الحزب السياسي، بمقتضى هذا الفصل، قبول تمويل أجنبي وتمويل مباشر أو غير مباشر لا يمكن إثبات مصدره ومساعدات وتبرعات وهبات صادرة عن الذوات المعنوية ،خاصة كانت، أو عمومية، باستثناء التمويل المحمول على ميزانية الدولة، إلى جانب المساعدات والتبرعات والهبات الصادرة عن أشخاص طبيعيين تتجاوز قيمتها السنوية 100 ألف دينار. ويقضي الفصل 36 من مشروع القانون بتولي الحزب السياسي نشر كل المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا على المنصة الالكترونية حيث يتضمن النشر وجوبا قيمتها وهوية مقدمها وتاريخ الحصول عليها. من جهة أخرى نظّم القسم الأول من مشروع القانون مسألة تأسيس الأحزاب السياسية حيث اشترط المشرع في الفصل العاشر أن يكون مؤسسو الحزب السياسي ومسيروه حاملين للجنسية التونسية ومرسمين بسجل الناخبين. ولا يمكنهم أن يكونوا ممن يضطلعون بمسؤوليات ضمن الهياكل المركزية المسيرة للجمعيات الخاضعة للقانون التونسي أو لقانون أجنبي، أو متحملين لمسؤولية سياسية في دولة أخرى قد يحملون جنسيتها. وتطرقت الفصول 11و12 و13 إلى الإجراءات الإدارية لتأسيس حزب وعملية التسجيل عبر المنصة الالكترونية وإدخال عدد من المعطيات في هذه المنصة. فيتعين تحميل نسخة مرقمنة من النظام الأساسي للحزب تحمل إمضاءات مؤسسيه تحت أسمائهم وألقابهم. ويقع استخراج وصل في التصريح بتأسيس الحزب إثر القيام بعملية التسجيل بصورة صحيحة عبر المنصة الالكترونية. وأشار الفصل 13 إلى أن النظام الأساسي للحزب يجب أن يتضمن معطيات تتعلق باسم الحزب أو شعاره أو رمزه مختلفة عن تلك الراجعة لأحزاب مؤسسة بصفة قانونية كما يجب عدم مساس هذه المعطيات بحقوق الغير إلى جانب تضمن النظام الأساسي بيان هياكل الحزب وصلاحياتها وكيفية اختيار أعضائها وطرق اتخاذ قراراتها إلى جانب تحديد الهيكل داخل الحزب المكلف بتعديل النظام الأساسي وبتعيين الوكيل المالي وبتعيين مراقب الحسابات . كلّ هذه الترتيبات أثارت حفيظة الأحزاب خاصة منها الصغرى واعتبرتها ضربا للتعددية الحزبيّة وتقزيما للأحزاب لصالح حركتي النهضة والنداء، فتوقفت الاستشارة الختامية التي انتظمت في الأسبوع الأول من شهر مارس وأجّلت إلى أجل غير مسمّى.