انتظرنا طويلا أن تقدم الدراما التونسية عملا تاريخيا ليكون سامي الفهري صاحب هذه المبادرة لرمضان 2018 إذ يعتبر - تاريخيا- مسلسل «التاج الحاضرة» أول عمل تاريخي في رصيد الدراما التونسية إذ سبق وكانت هناك مشاريع ومحاولات قدمت في أشكال فنية أخرى منها شريط تلفزي عن عبد العزيز العروي ولم يبث بتعلة المغالطات التاريخية وعمل ثان عن أبو قاسم الشابي ومشروع لحبيب المسلماني وسلسلة لسلمى بكار بعنوان «نساء شهيرات».. تاج الحاضرة اختار فترة لم تطرح فنيا ودراميا وهي سنوات حكم البايات، عمل قيل أنه يصور ثورة علي بن غذاهم ثم تداول أنه يروي حكايات المجتمع والعائلة الحاكمة في تونس خلال سنوات الثلاثينيات إلى الخمسينيات وأنه أقرب للمسلسل التركي «حريم سلطان» منه لمسلسل عن الحركة السياسية والاجتماعية والثقافية لتونس في تلك المرحلة غير أن ما يجذب الانتباه أكثر من تضارب ما يشع عن العمل هو تغير سامي الفهري لأسلوب تسويقه لأعماله الدرامية فبعد تكتم شديد رفق انتاجاته السابقة بدأ من خلال «تاج الحاضرة» أكثر تساهلا مع نشر صور الكواليس كما صار حديث الممثلين عن العمل مباحا وقد سبق لنا نشر الكثير من تفاصيل المسلسل على صفحات «الصباح الأسبوعي» وهذه الإستراتجية التسويقية توحي بالكثير لعّل أبرز أسبابها المنافسة الشديدة التي بدأت بين قناتي الحوار التونسي وقناة التاسعة في الآونة الأخيرة في انتظار أن تشتد في رمضان. فهل سيميل الجمهور التونسي لمسلسل سامي الفهري الذي عودنا على استقطاب النسبة الأكبر من المتابعين أم سيتمكن لطفي العبدلي ومسلسلة الجديد «علي شورب» من افتكاك هذه الشعبية؟ المنافسة بين العملين ستكون لصالح الجمهور التونسي وستسمح له بانتقاء ما يناسبه وقد سعى الفريقان إلى ضمان كل عناصر الجذب فمسلسل «تاج الحاضرة» اعتمادا على عدد كبير من نجوم الدراما التونسية على غرار هشام رستم، رؤوف بن عمر، نجيب بالقاضي، مريم بن مامي، أحمد الأندلسي، ياسين بن قمرة، شاكرة رماح، وحيدة الدريدي وغيرهم.. كما لفتت الأزياء والملابس والاكسسورات فضول متابعي الدراما من خلال صور كواليس المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وهذه التصاميم من المنتظر أن تكون من النقاط المضيئة في «التاج الحاضرة» الذي رصدت له ميزانية ضخمة. من جهته، اتخذ مسلسل لطفي العبدلي على قناة التاسعة طريقا يحمل الكثير من الذكاء على مستوى الخيار وكأنه يوجه رسالة غير مباشرة لمنافسه «من سيربح ابن الشعب و«الحومة» والصعلكة علي شورب أم «بايات تونس» المتخاذلين الذين ظلموا الشعب وسلموا البلاد للمحتل !!».. في فترة تشهد الأعمال الشعبية وثقافة القرب والبرامج الاجتماعية توجها نحو فئات اجتماعية معينة وتخلق أحيانا أبطالا من المهمشين، يجسد لطفي العبدلي شخصية «علي شورب» السجين الصعلوك المحبوب من أبناء حيه رغم ما يخلقه من مشاكل، مجرم يقدس والدته ويسلم نفسه للشرطة طاعة لها.. حياة مجنونة وطريفة لشخصية من سبعينات القرن الماضي بالحلفاوين يتقمصها ممثل يراهن المنتجون على شعبيته، عمل يحمل عناصر جذب بدوره خاصة وأنه يشهد عودة فريال يوسف (قراجة) للدراما التونسية وتشارك في أحداثه الممثلة ليلى بن خليفة والمغنية نجلاء التونسية.. كسب رهان الجمهور التونسي سيتطلب الكثير من العمل من قبل القائمين على «تاج الحاضرة» و«علي شورب» ، فالأزياء اللافتة والكاستيغ الضخم والميزانية الكبيرة لن تغري المشاهد لوقت طويل إذ غابت القراءة الصادقة للتاريخ وللمجتمع التونسي في تلك الفترات الزمنية وإن كنا نتمنى أن تكون أولى أعمالنا الدرامية عن الأزمنة السابقة تعكس حضارتنا وهويتنا وتشيد بأبطالنا وعلمائنا على غرار «حنبعل» وابن خلدون» ومن الواضح انه علينا الانتظار أكثر من مبادرة الفهري وبحث «التاسعة» عن افتكاك نسب المشاهدة لنحظى بعمل تاريخي هادف.