حدث استثنائي عاشت على وقعه الجامعة التونسية باستضافتها حدثين فكريين أعادا الاعتبار لقيمة ومكانة العقل والفكر وسلطا الاضواء على حيوية وأهمية الاجتهاد في تقدم الشعوب العربية والاسلامية... أما الحدث الاول والاهم فيتعلق باستضافة الجامعة التونسية مساء الاربعاء الماضي للمفكر هشام جعيط خريج الجامعة التونسية , احد ابنائها الذي قدم الكثير لاجيال من الباحثين وذلك احتفاء به وتكريما له على جهوده التي قدمها لاجل المعرفة الانسانية وهو تكريم مشترك بين جامعة تونس كلية العلوم الانسانية ومعهد العالم العربي بباريس بحضور نخبة من الاساتذة والجامعيين الذين تتلمذوا على الباحث الموسوعي هشام جعيط الذي «أعاد لعلم التاريخ الحياة بعد القحط والجفاف» على حد تعبير الباحث المغربي عبد الاه بلعزيز أمين عام منتدى المغرب العربي بالرباط ومدير مركز دراسات الوحدة العربية خلال اللقاء, والذي اعتبر خلال مداخلته «بأن المكرم علم نادر في الفكر العربي والانساني وانه مفكر موسوعي انجز سياحة فكرية خصبة من غير استسهال للبحث العلمي واستحق صفة المؤرخ بل واعاد الى صناعة التاريخ ماء الحياة بعد القحط والجفاف «مضيفا أنه «قد تفرد عن اقرانه وجيله بتوفقه في البحث في الجدليات العميقة من خلال انجازاته وثلاثيته عن السيرة النبوية التي تبقى أرقى عمل تأسيس أجزه العرب في مجال العمل السياسي»... الاستاذ هشام جعيط الذي بدا وكعادته قليل الكلام كثير التفكير تحدث بحكمته المعهودة مشددا على اهتمامه بالاسباب التي تقف وراء التخلف المعرفي والتكنولوجي للعالم العربي والاسلامي توقف عند أهمية اعادة قراءة التاريخ والابتعاد عن التمجيد الساذج والمتعالي والاجتهاد في احياء التاريخ الاسلامي. وانتقد جعيط ظاهرة التدين في المجتمعات خاصة عندما لا تكون نتيجة تامل عميق بل لخدمة أغراض سياسية او كرد فعل على عالم تحكمه قوى متنفذة وتفرض أحكامها على الاضعف.. جعيط لم يخف ترحيبه باطلاق اسمه على احد مدارج الجامعة التي سبق له الانتماء اليها طالبا وأستاذا وباحثا والمبادرة المشتركة لتكريم المفكرين والاعتراف بانجازاتهم في حياتهم مثمنا الخطوة المشتركة بين المعهد العربي بباريس الذي منحه شرف كرسي المعهد لهذه السنة في فرنسا التي احتضنته وسبح في علومها وبين جامعاتها وبين تونس حيث جذوره ومنشؤه وهويته.. جعيط لم يخف استياءه من الشعوب العربية والاسلامية التي لا تقرأ التاريخ ودعا الى الاجتهاد في احياء التاريخ الاسلامي. جعيط أكد أهمية العلمانية ودعا الى علمانية غير معادية للاسلام أو ما وصفه بالعلمانية الاسلامية تضمن حرية الضمير معتبرا أن الاسلام دين الدولة وهي من تهيئ حمايته. وجمل ما سمعته مؤخرا محاضرة للدكتور محمد شحرور، والتي تُمثل مفهوم الاجتهاد خير تمثيل، حيث يقول: «إن القرآن قد تم تفسيره إبان الدولة العباسية والتي كانت من أقوى الإمبراطوريات على وجه الأرض، بطريقة تخدم النظام السياسي، مما يعني ان الدين تم استغلاله لأهداف سياسية بحتة». وشدد على أهمية النظرة الفلسفية للدين وكيف يمكن التفكير ميتافيزيقيا في الدين وقال «ان موقفه متزن بين العلمانية وبين اعمال الفكر في الدين».. الحدث الثاني الذي احتضنته جامعة تونس الاسبوع الماضي فيتعلق باستضافة المفكر السوري محمد شحرور واللقاء الذي جمعه بنخبة من المثقفين والجامعيين ونواب الشعب... ولعل المهم في هذا اللقاء ليس المقارنة بين الرجلين فلكل مدرسته وارثه وانجازاته و موقعه. ولعل أهم ما أشاراليه شحرور وهو المهندس السوري الذي درس بالاتحاد السوفياتي والمفكر دعوته بدوره لاعمال الفكر والاجتهاد الذي تخلى عنه العرب والمسلمون في قراءة القران وتأويله. وانتقد بدوره تدين المجتمعات والذي يمكن أن يتحول الى كارثة عندما يتحول الى ظاهرة اجتماعية فيعم معها النفاق وحركات الاسلام السياسي مشيرا الى أن كل الحروب الاهلية الراهنة تقريبا تقوم تحت هذا القانون وأن الاصل في الاشياء حرية البشر المفرط في المجتمعات. شحرور اعتبر أن الدول العربية والاسلامية ضيعت نحو خمسين عاما بعد استقلالها لانها كانت نظم احادية بامتياز . واعتبر أن التعددية وحقوق الانسان توأمان لا ينفصلان وان التخلف رفيق للدول الاحادية.. شحرور يعتبر أن كتب الفقه والتفسير وضعها أيمة في العصر العباسي، بدءا بأبي حنيفة، ثم جعفر الصادق والمالكي، ثم الشافعي وابن حَنْبَل، وكلهم ولِدوا بعد وفاة النبي (ص) بأكثر من خمسة وستين سنة، بما يعني أن القرآن تم تفسيره ليخدم الطبقة السياسية الحاكمة آنذاك. وقد أسقط هؤلاء العمل الصالح باعتباره ركنا من اركان الاسلام من أجل أن ينمّطوا عقلول البشر وتفكيرهم وسلوكهم... ضرورة العودة الى الاجتهاد واطلاق القيود المكبلة للعقل والفكر البشري في قراءة القران قراءة صحيحة بعيدا عن الانماط السائدة والمالوفة وحث العرب على طلب المعارف والعلوم كانت الرسالة المشتركة بين المفكر والمؤرخ و الباحث هشام جعيط وبين محمد شحرور ... لا شك أن الاجماع الحاصل بين المفكر والباحث والمؤرخ تونسي الهوية عالمي الانتماء د هشام جعيط , وبين المؤرخ والباحث الاجماع الحاصل بين الباحث السوري بضرورة استعادة العقل البشري مكانته واطلاق الاجتهاد ما يؤكد أن محنة العرب والمسلمين وسبب تخلفهم في تغييب الفكر والعقل...