أوضح الأستاذ أحمد حمدان المحامي ل«الصباح» أن الفصل 31 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 ينص على «أن حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة.. ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات». في المقابل جاء بالفصل الأول من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر أن «الحق في حرّية التعبير مضمون ويمارس وفقا لبنود العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وبقية المواثيق الدولية ذات العلاقة المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية، وأحكام هذا المرسوم يشمل الحق في حرية التعبير وحرية تداول ونشر وتلقي الأخبار والآراء والأفكار مهما كان نوعها». وبيّن حمدان أن ذات الفصل في فقرته الثانية حدد القيود التي يمكن أن تتأسس عليها حدود حرية التعبير المضمونة على معنى فقرته الأولى بشرط أن تكون نابعة عن نص تشريعي بغاية تحقيق مصلحة مشروعة، وان تكون هذه القيود ضرورية ومتناسبة مع ما يلزم اتخاذه من إجراءات في مجتمع ديمقراطي ودون أن تمثل خطرا على جوهر الحق في حرية التعبير والإعلام. وأوضح الأستاذ حمدان أنه كان من المتوقع أن ينهي المرسوم عدد 115 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة وحرية النشر - رغم الانتقادات الموجهة له- ظاهرة المحاكمات الجزائية التي تعرّض الصحفيين ومن يستعملون وسائل التواصل والاتصال لعقوبات سالبة للحرية بسبب ما يعرضونه من معطيات وما يعبرون عنه من آراء خصوصا وأنه اقر التزامه بالمعايير الدولية لحرية التعبير حيث أن نصوصه التزمت بتعريف دقيق لجرائم الثلب (الذم) وهي على معنى الفصل 55 تشمل «كل ادعاء أو نسبة شيء غير صحيح بصورة علنية من شأنه أن ينال من شرف أو اعتبار شخص معين بشرط أن يترتب عن ذلك ضرر شخصي ومباشر للشخص المستهدف. ويضيف ذات الفصل –وفق محدثنا- في فقرته الثانية أن «إعلان ذلك الادعاء أو تلك النسبة بصورة مباشرة أو بواسطة النقل يعاقب مرتكبه حتى ولو وقع ذلك في صيغة الاحتمال أو كان يقصد به شخصا لم تقع تسميته بصفة صريحة على أن الاهتداء إليها تيسره فحوى العبارات الواردة في الخطب... أو المنشورات الإلكترونية». كما أن المرسوم عدد 115 حصر العقوبة المستوجبة في صورة ثبوت الثلب في الخطية المالية (غرامة، غير سجنية) ورغم أن المحاكم التونسية نأت بنفسها عن الجدل السياسي الذي أعقب سن المرسوم المذكور وباشرت في تطبيقه، فانه يلاحظ أن نفس المحاكم عادت وفي موازاة تطبيقه لاستعمال أحكام المجلة الجزائية التي تنظم الثلب والتي هي عبارة عن نصوص مطاطة تنص على عقوبات سجنية رادعة دون اعتبار لتعارض أحكامها مع مقتضيات المرسوم الذي فعلته. وبين الأستاذ حمدان بأن هذه القيود التي حددها المشرع صلب المرسوم عدد 115 نجد ورائها ترسانة من النصوص الجزائية لضبط نطاق حرية التعبير أيا كان شكلها ستكون محدد أي إدانة جزائية إن تم تجاوزها وتستمر في فاعليتها إلى اليوم وذلك على منطوق المجلة الجزائية كما في مجلة الاتصالات. وحيث ينص الفصل 67 من المجلة الجزائية انه «يعاقب بالسجن مدّة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا أو بإحدى العقوبتين فقط كل من يرتكب أمرا موحشا ضد رئيس الدولة في غير الصور المبيّنة بالفصلين 42 و 48 من مجلة الصحافة» دون تحديد ماهية الأمر الموحش ولا فيما يتمثل فاتحا بذلك باب الاجتهاد والتعسف على مبدأ التأويل الضيق للنص الجزائي. كما جاء بالفصل 125 من ذات المجلة انه «يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يهضم جانب موظف عمومي أو شبهه بالقول أو الإشارة أو التهديد حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها».. والتأويل واسع في تحديد من هو شبه الموظف العمومي خاصة إذا اعتبرنا أن أعضاء مجلس نواب الشعب يعدون من بين الموظف العمومي. ليضيف الفصل 128 من المجلة الجزائية انه «يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم أو عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار أمورا غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك.» فيكون نسب أي ادعاء أو فكرة إلى موظف عمومي أو شبهه بما في ذلك نائب بمجلس نواب الشعب دون إدلاء ما يثبت ذلك موجب للعقوبة السجنية. وعرج الأستاذ حمدان على قسم خاص بالمجلة الجزائية عنونه المشرع بهتك شرف الإنسان وعرضه واستند في هذا السياق إلى ما جاء في الفصل 247 الذي ينص على انه» يحصل القذف بكل إدعاء أو نسبة أمر لدى العموم فيه هتك شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية. ويمكن حسب الأستاذ حمدان إثبات الأمر الحاصل منه القذف في الصور المقرّرة بالفصل 57 من مجلة الصحافة، ليضيف الفصل 246 انه «تحصل النميمة: أولا: إذا ظهر بوجه عدلي أن ما وقع به القذف ليس بثابت، ثانيا: إذا لم يمكن للقاذف أن يثبت القذف عندما يسمح له القانون بذلك.. والنميمة موجبة للعقاب ولو كان وقوعها بكتابة لم تنشر لدى العموم ولكن وقع اطلاع شخصين فأكثر عليها أو أنها أرسلت إليهم». وعن عقاب جريمة القذف بين محدثنا أن الفصل 247 حدده بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا أو يضيف عقابا خاصا لمرتكب النميمة بالسجن مدة عام وبخطية قدرها 240 دينارا. وانتهى بذلك إلى أن هذه الترسانة الجزرية العقابية من القوانين، ورغم لا دستوريتها وارتباط جلها بنصوص منسوخة انتهت فاعليتها القانونية ونفاذها مثل مجلة الصحافة غير أنها منطبقة إلى اليوم قضائيا وكانت أساس الإدانة والإحالة في العديد من الملفات التي أثير فيها ماهية القذف أو الثلب أو الشتيمة أو النميمة خاصة على وسائط التواصل الاجتماعي. ورغم جملة هذه النصوص أكد الأستاذ حمدان بالقول «إننا نبدع في تونس من ناحية تفكيك المنظومة القانونية بدل إصلاحها لان من يمسك بزمام المبادرة التشريعية يخلط بين إصلاح المنظومة القانونية وتفريعها وتفريغها من محتواها بتخصيص تشريع لكل تفصيل والحال أن جل ما يقع التخصيص التشريعي له أسّس في المجلات والنصوص القانونية السابقة». واستند في ذلك إلى المبادرة التشريعية التي تقدم بها مجموعة نواب عن كتلة حركة نداء تونس بالبرلمان والمتعلقة بتنقيح وإتمام بعض أحكام المجلة الجزائية لتجريم ما أطلق عليه النواب الموقعون عليها «القذف الالكتروني» والذي يجرم كل إنتاج أو إعداد أو دعوى أو نسبة أمر من شانه المساس بالنظام العام والأخلاق الحميدة أو بحرمة الحياة الخاصة أو بهتك شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية على الشبكة المعلوماتية وينص على عقوبة بالسجن تصل إلى عامين وخطية قدرها 3 آلاف دينار والحال أن أدوات القمع القانوني المفعلة منذ الاستقلال والتي اشرنا لها سابقا لم تبلغ في مثل هذا الشكل من الجرائم حدود هذه العقوبات المنصوص عليها صلب المشروع وكأننا أمام تقنين لتكميم الأفواه وفرض لمزيد توسيع وتمطيط نطاق التعسف على الحق في حرية التعبير.