تعيش تونس على وقع أزمة مالية عمومية خانقة، كانت متوقعة منذ أمد بعيد.. وإحقاقا للحق فإن رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة نبّه منذ سنة 2014 في حوار نشرته صحيفتنا الى ان أزمة المالية العمومية ستستفحل بحلول سنة 2018، كما قدّم خلال تسليمه مقاليد السلطة إلى خلفه الحبيب الصيد تشخيصا دقيقا للوضع وتصورات للحلول صاغهما رفقة فريق من خبراء الإدارة التونسية ووثّقه في كتيبات أعدت للغرض. وبغض النظر عن الحساسيات بين الرجلين ورؤية كل منهما لكيفية التعاطي مع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومدى قدرة كل واحد منهما على تحمل الضغوط الاجتماعية عموما والنقابية خصوصا فإن عدم الأخذ بعين الاعتبار لتلك التحذيرات والرضوخ للضغوط المختلفة ومحدودية قدرة الخلف على المناورة وعلى اختيار الفريق أدت بالوضع إلى ما هو عليه اليوم. وعلى اعتبار أن نفس الأسباب تؤدي حتما لنفس النتائج فإن حكومة يوسف الشاهد لم تشذ عن القاعدة وهي التي ورثت بدورها وضعا معقدا وقدرة محدودة على المناورة لتهدئة أوضاع اجتماعية متأججة ولترويض مارد اسمه الاتحاد العام التونسي للشغل ولترويض أحزاب جمعتها وثيقة قرطاج المعلنة وفرقتها مراميها المتناقضة فظلت بنسختيها الأولى والثانية وفي انتظار الثالثة تدور في حلقة مفرغة وهي التي قادها حظها السيئ لتكون في عين الإعصار المعلوم موعده مسبقا منذ أربع سنوات ولم تُتخذ على امتدادها أي إجراءات للتوقي منه. اليوم فُتح ملف الإصلاحات الكبرى على وقع قرع الطبول هنا وهناك معلنة الحرب على كل من يمس بمكاسب هي في الحقيقة في طريقها للاندثار.. فُتح هذا الملف في ظرف ارتفع فيه حجم المديونية إلى معدلات غير مسبوقة ومعه ارتفع معدّل التضخم ليبلغ أرقاما قياسية.. فُتح هذا الملف الذي غضّ السياسيون عنه النظر طويلا مما أدى الى استفحال الداء.. فُتح هذا الملف والأمل كل الأمل أن لا يُترك مفتوحا أكثر من اللزوم. إن الإصلاحات المنتظرة ستكون أمل تونس الأخير لاجتياز عقبة كأداء قد تعود بمسار الانتقال الديمقراطي إلى المستوى الصفر بعد أن قطعت تونس أشواطا كبيرة تُحسد عليها.. وهي في حاجة إلى أن تجلس كل الأطراف إلى طاولة التفاوض وتتحاور بهدوء متخلية عن الأنانية والمصالح الضيقة لأن السقف إذا ما انهار فانه سيسقط على الجميع.