قبل أيام من شهر رمضان الذي يشهد معدّلات استهلاكية «قياسية» في جميع المواد، تشهد أسعار أغلب المواد موجة ارتفاع غير مسبوقة و«خيالية» أحيانا، موجة ارتفاع في الأسعار أرهقت المواطنين ودفعت إلى حالة من الغضب المكتوم تهدّد بالانفجار في كل لحظة.. ويكفي أن تقوم بجولة بسيطة بالأسواق الشعبية والأسبوعية التي كانت بمثابة «الملاذ الآمن» للمستهلكين عند ارتفاع الأسعار لتلاحظ حجم المعاناة اليومية التي يتكبّدها ال«الزواولة» وضعاف الحال الذين وجدوا أنفسهم نظرا لتدهور المقدرة الشرائية والظروف الاقتصادية الصعبة وضيق ذات اليدّ، مضطرّين ومجبرين على مقاطعة أغلب المنتجات الفلاحية منها والصناعية. وحسب المؤشّرات الأولية، يتوقّع خبراء أن يشهد شهر رمضان انفلاتا غير مسبوق في الأسعار في غياب الحلول الناجعة وفي ظلّ التدهور المستمر للمقدرة الشرائية للمواطن.. ورغم المحاولات المستمرة للمجتمع المدني خاصّة المنظّمات والجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوق المستهلك في الضغط على الأسعار وتقليصها بما يناسب القدرة الشرائية للمستهلك الاّ أن معركة الأسعار تبدو غير متكافئة بين محتكرين ومضاربين يسيطرون على السوق ومستفيدين من سياسة «غضّ الطرف» التي تنتهجها الحكومة عن كل التجاوزات، وبين مستهلك «لا حول ولا قوّة له». هل من آليات لحماية هذا المستهلك ونحن على أبواب شهر رمضان؟ ذلك ما يحاول الإجابة عنه رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي في هذا الحوار الخاطف ل«الصباح». المضاربون ينكلوّن بالمواطن أعلن رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي منذ أيام أن المنظمة ستطلق مع حلول شهر رمضان، «تطبيقة» على الهواتف المحمولة لمساعدة المواطن على التوجه إلى نقاط البيع التي توجد فيها مواد استهلاكية بأسعار مقبولة في محاولة للتخفيف من ظاهرة الارتفاع المشط للأسعار . وفي حديثه ل»الصباح» أكّد لطفي الرياحي أن المضاربين هم من باتوا يتحكمون في الأسعار وليس قاعدة العرض والطلب التي كان معمول بها في السبعينات والثمانينات وأن هؤلاء المضاربين هم من يتحكمون اليوم في هيكلة الأسعار وفي السوق دون حسيب ولا رقيب، وبالإضافة إلى «المضاربين» يقول الرياحي ان «الفضاءات والمساحات التجارية الكبرى باتت بدورها تتحكّم في الأسعار صعودا ونزولا» وفق تعبيره. وبالنسبة ل«المضاربين» يقول لطفي الرياحي»لتكون مضاربا ومتحكّما في السوق وفي الأسعار يكفي أن تكون لديك مخازن تبريد للتحكّم كذلك في العرض والطلب، في الماضي كانت الدولة تمنح رخص مخازن التوريد وتعرفها أماكن تواجدها والسلع التي تقوم بخزنها وتراقبها وترصد تجاوزات الاحتكار والمضاربة.. اليوم ومع انتشار أو «انفجار» عدد مخازن التبريد العشوائية لم نعد نعرف شيئا عن هذه المخازن وليس لدينا حتى أرقام أو إحصائيات حولها، اليوم باتت مخازن التبريد المنتشرة في الضيعات الفلاحية وفي أماكن مختلفة مشروعا استثماريا مربحا يدّر على صاحبه أموالا وعائدات.» وبسؤالنا لمحدّثنا حول شبهات الفساد التي تحوم حول هؤلاء المضاربين في علاقة بهياكل رسمية، أكّدّ رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أنّه كلما كانت هناك شبهة فساد كل ما كان هناك تواطؤ من الإدارة، قائلا «أن يتم بيع كلغ من «النعناع الشايح» في مساحة تجارية ب185 دينارا ألا يعتبر ذلك فسادا؟». الحلول موجودة والإرادة مفقودة بالنسبة للإجراءات والخطوات التي كان يفترض أن تقوم الدولة بمختلف هياكلها باتخاذها للتحكّم في الأسعار أكّد لطفي الرياحي أن الإجراءات بسيطة وباستطاعة الحكومة اتخاذها بسهولة متى توفّرت الإرادة السياسية لفعل ذلك وأبرز إجراء هو «تحديد أعلى سقف للربح في جميع المواد «وفق تعبيره، مضيفا «وزارتا التجارة والصناعة تعرفان جيّدا سعر تكلفة أي منتوج وبالتالي يمكنهما تحديد هامش الربح بسهولة ويسر» وبالنسبة للدعم الذي تؤكّد الحكومة أن كلفته ترهق الميزانية وأنه لا يذهب إلى مستحقيه، فنحن كمنظمة لإرشاد المستهلك اقترحنا وما زلنا نقترح حلاّ نراه مناسبا للتحكم في مسالك توزيع المواد المدعّمة وهذا الحلّ هو إحداث نقطة بيع الزيت النباتي والسكر المدعّم بجميع الأسواق البلدية وهذه النقاط تتولّى بيع هذه المواد بصفة حصرية وهو ما قد يجنّب احتكار المواد المدعّمة وذهابها لغير مستحقيها.» ويضيف محدّثنا «كما ترون حلول سهلة ومعقولة ومنطقية يمكن أن ترشّد الدعم ويمكن أن تحدّ من ظاهرة التهاب الأسعار ولكن ليست هناك إرادة سياسية لتنفيذها، اليوم باتت الفضاءات التجارية تتحكّم في الأسعار بل تحوّل إلى قاطرة للأسعار، أسعار غريبة وغير منطقية مثلا كلغ من «الترنجية» بلغ ثمنه في المساحات التجارية 104 دينارات والرند ب59 د والكروية 16 دينارا والفول ب7 دنانير والحمص بلغ 17 دينارا، فهل هذه الأسعار يمكن تقبلها من المستهلك؟ اليوم على الدولة أن تنتبه لحالة الغضب والغليان لدى المستهلكين، وحالة الاحتقان هذه ستتزايد مع اقتراب شهر رمضان ومع توقّع استمرار موجة ارتفاع الأسعار». ومن بين المنتجات التي ارتفعت أسعارها بشكل خيالي في الآونة الأخيرة رغم حملات المقاطعة الاختيارية و»الاضطرارية» في أغلب الأحيان نجد الأسماك التي باتت أسعارها «مستفزّة» للمستهلك وقد قال محدّثنا عن موجة ارتفاع أسعارها «هذا الارتفاع يعود بالأساس إلى ما يسميه بالمضاربات الكبرى التي يشهدها قطاع الأسماك».. وموجة غلاء الأسعار التي طالت اللحوم والدواجن والأسماك ونحن على أبواب شهر رمضان يتوقّع أن تدفع إلى مزيد من الاحتقان والغضب الاجتماعي.