لا تبدو الانتخابات البلدية محل اهتمام تونسي فحسب، فبالرغم من انطلاقتها المحتشمة والبطيئة في عدد من الجهات الا انها استطاعت ان تلفت الأنظار دوليا إشادة بأهمية هذا التحول السياسي في بلادنا. في المقابل لا يزال الانتقال الديمقراطي محل نقاشات بين عدد من مكونات المشهد الداخلي، بين من يرى فيه تعثرا يَحُول دون إتمام ما تبقى من المسار، وبين من يرى ان استكمال الانتقال الديمقراطي يتطلب بالضرورة إنجاح المحطة الانتخابية البلدية القادمة وهنا يكمن الجدل. ويظهر الجدل محسوما ديبلوماسيا حيث اعتبر سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية «دانيال روبنشتين»، السبت الماضي ان «الانتخابات المحلية تشكل نقطة تاريخية في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وخطوة حاسمة جديدة نحو تحقيق الديمقراطية التشاركية»، مبرزا أن «هذه الطريق التي اختار الشعب التونسي السير فيها بكل شجاعة هي مصدر إلهام للكثيرين وما حدث فيها هو تونسي مائة بالمائة والذين ما يزالون يعتقدون بأن هذه الثورة أو هذا الانتقال الديمقراطي هو من صنع أمركي أو أوروبي، هم يتوهمون». وأكد «روبنشتين» في رد عن أسئلة ممثلي جمعيات يشاركون في مؤتمر شركاء منظمة «أنا يقظ» أن «الشعب التونسي هو من اختار السير في طريق الانتقال الديمقراطي ولا أمريكا ولا غيرها من الدول اختار لهم هذا المسار»، معتبرا أن «هذه التغيرات التاريخية والإيجابية التي صنعها الشعب التونسي تؤكد أهمية دور المجتمع المدني المحلي في صون هذا المكسب وإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي». من جهتها أشارت الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فريديريكا موغريني الى أهمية نجاح مسار الانتقال الديمقراطي في تونس ووقوف الاتحاد الأوروبي معها فيه، ودعمها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية، وذلك في لقاء جمعها برئيس حركة النهضة والوفد المرافق له في مقر مفوضية الاتحاد الأوروبي في بروكسال. وعبرت موغريني عن تمنياتها لتونس بالنجاح في تنظيم الانتخابات البلدية بعد أسابيع، مؤكّدة ان الاتحاد الأوروبي يثمن هذه الخطوة المهمة في المسار الانتقالي. ولَم يكن الموقف الديبلوماسي بالجديد حيث اكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق على ما اسماه ب»واجب إنجاح بلادنا للانتقال الديمقراطي لكي تبقى مثالا يحتذى به». وأضاف ماكرون خلال كلمة له امام مجلس نواب الشعب في باردو شهر فيفري المنقضي «أن تونس قامت ب»ثورة ثقافية عميقة»، مشيرا إلى حرية المعتقد والمساواة بين الرجل والمرأة التي يضمنها الدستور الذي اعتمد في بداية 2014 وكذلك التدابير التي أعلنها الرئيس الباجي قائد السبسي الصيف الماضي لإنهاء التمييز بين الرجال والنساء. وقال الرئيس الفرنسي «لقد نجحتم في بناء دولة مدنية حين كان الكثيرون يعتقدون أن الأمر مستحيل. لقد أثبتم كذب أولئك الذين يقولون إن الديمقراطية لا تتماشى مع المجتمعات التي يوجد فيها الإسلام». وفِي رده على مواقف ممثلي الديبلوماسية في تونس من مسالة الانتقال الديمقراطي في بلادنا قال المحلل السياسي عادل الشواشي «ان اشادة الخارج بنجاح النموذج التونسي ليست وليدة الراهن بل كانت موجودة حتى قبل 14 جانفي». واضاف الشاوش «ان تونس هي البلد المؤهل قبل غيره لبناء الديمقراطية نتيجة اندماج سياسي واجتماعي غير مسبوق ولااعتبارات قائمة على الاعتدال في الرأي حتى ايّام الانغلاق البورقيبي او نظام بن علي من بعده فقد كان هناك متنفس ومساحات ضيقة للتحرك رغم بعض الصعوبات السياسية التي لم تكن في الواقع شبيهة بنظام بينوشي او غيره من الأنظمة الدموية الاخرى واذا لم تنجح الديمقراطية في تونس فانها لن تنجح في اَي بلد اخر». وفي الواقع فقد زادت نظرة الإعجاب لتونس مع أقتراح قانون المصالحة بين التونسيين اما وان يحاول البعض شد التجربة الى الوراء فان ذلك نتيجة غياب الوعي بهذا المسار الذي جنب التونسيين هدر دماء كما هو حاصل في بعض البلدان الاخرى، فمفهوم الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء للأمة التونسية سيحمي وسيعزز هذا المسار رغم ما نعيشه في الوقت الحاضر».