تتأهب البلاد خلال الأيام الجارية لعيش أول تجربة انتخابية بلدية بعد أكثر من 7 سنوات عقبت ثورة الحرية والكرامة والتي انتظرتها مرارا لتنتقل بالبلاد من الحكم المركزي الى الحكم المحلي ما من شأن أن يخلق "ثورة ثانية" نظرا لأهميته الاستثنائية. وعلى ضوء الاستعدادات الى الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها يوم 6 ماي القادم، يمهّد الواقع التنافسي الذي تدار الحملة الانتخابية للأحزاب في ظله إلى مشهد سياسي جديد مبنيّ في ظاهره على التنافس بعيدا كل البعد على سياسة التحالفات المعهودة. ولعل السياسة التنافسية لن تتوقف بانتهاء معركة الانتخابات البلدية، بل ستتواصل خاصة وأن البلاد قاب قوسين من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019 ، الأمر الذي من شأنه أن يزيد التنافس حدّة . وليست سياسة التنافس وحدها التي ستسيطر على واجهة المشهد السياسي في تونس ما بعد بلديات ماي، بل أن المرحلة القادمة المبنية على اللامركزية ستشكّل مرآة جديدة لسلطة الحكم في تونس ، إذا ما نجح سيخلق الفارق في كامل أنحاء المنطقة العربية لِما ستدعم هذه التجربة من سلطة الشعب ودوره في الاحتكام الى نفسه وفي صنع القرار. تجربة جديدة تعمل على تكريس الديمقراطية المحلية، يجمع جل المتابعين والمحللين على أنها سوف تحدد وجهة تونس، وكذلك محيطها الإقليمي والعربي. ولا تنحصر أهمية هذه الانتخابات على تطوير الأوضاع الخدماتية والبلدية المعروفة فقط، وإنما من شأنها ان تخلق تجربة فارقة على النطاق الوطني والإقليمي على حدّ سواء نظرا لكونها ستحد من سيرة الحكم المركزي وستمنح الجهات الداخلية قدراً كبيراً من استقلالية القرار التنموي، بما معناه أن الحكم سيتفرع تدريجياً ، ما سيعيد النظر في شكل الدولة أصلاً، وهو ما سيشكل تجربة مهمة للغاية، ستشكل مثالاً لدول عربية، وفي الوقت ذاته، تسبب خوفاً لسلطات بعض هذه الدول والحكومات التي يتركز الحكم فيها في دائرة مركزية ضيقة للغاية. ونظرا لأهمية هذه المحطة الانتخابية الفارقة في تاريخ البلاد، حازت تونس اعترافا دوليا بأن التجربة التونسية تسير على السكة الصحيحة وأن الانتخابات البلدية التي تتأهب البلاد لإجرائها خير دليل على ذلك. وفي خضم هذا الشأن، اعتبرت المستشارة السياسية للاتحاد الأوروبي بتونس كاترينا ليوغال أن "موعد 6 ماي لتنظيم الانتخابات المحلية هو ثورة ثانية في تونس". ومن جانبه، قال سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية دانيال روبنشتين، إن الانتخابات المحلية تشكل نقطة تاريخية في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وخطوة حاسمة جديدة نحو تحقيق الديمقراطية التشاركية. وأبرز روبنشتين أن هذه الطريق التي اختار الشعب التونسي السير فيها بكل شجاعة هي مصدر إلهام للكثيرين وما حدث فيها هو تونسي مائة بالمائة والذين ما يزالون يعتقدون بأن هذه الثورة أو هذا الانتقال الديمقراطي هو من صنع أمريكي أو أوروبي، هم يتوهمون. وأكد السفير الأمريكي أن الشعب التونسي هو من اختار السير في طريق الانتقال الديمقراطي ولا أمريكا ولا غيرها من الدول اختار لهم هذا المسار، معتبرا أن هذه التغيرات التاريخية والإيجابية التي صنعها الشعب التونسي تؤكد أهمية دور المجتمع المدني المحلي في صون هذا المكسب وإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي.