أمضت البلدان الإفريقية منذ أيام وبالتحديد يوم 21 مارس الفائت بالعاصمة الرواندية كيغالي على اتفاقية منطقة التجارة الحرة في إفريقيا. وقد أمضت على هذه الاتفاقية 44 دولة وستدخل حيز التنفيذ حال مصادقة 22 دولة عضوا بالإتحاد الإفريقي. وتعتبر هذه الاتفاقية أهم اتفاقية يقع الإمضاء عليها من طرف البلدان لتكون أكبر منطقة للتبادل التجاري في القارة وتهدف لإزالة الحواجز ودفع وتسهيل التبادل التجاري بين بلدان القارة. ويمكن أن نشير إلى عديد الأسباب التي تفسر هذا القرار الهام وإرادة عديد البلدان الإفريقية ومنطقة الإتحاد الإفريقي لإنجاز هذا الهدف. السبب الأول يعود إلى ضعف التبادل التجاري بين البلدان الإفريقية والذي لا يتجاوز 16% من مجموع التجارة الخارجية لهذه البلدان. وهذا المستوى يعتبر ضعيفا ومحدودا إذا قارناه بمستوى التبادل التجاري في البلدان الأخرى والقارات الأخرى حيث يصل إلى 70% في أوروبا 35% في أمريكا الشمالية و45% في آسيا. وتشير عديد الدراسات التي قامت بها بعض المؤسسات الدولية إلى أن تحقيق وإنجاز هذه المنطقة سيدفع بالتجارة بين البلدان الإفريقية إلى مستوى 30% من التبادل التجاري. السبب الثاني هو قدرة منطقة التجارة الحرة على دفع النمو في القارة. وهنا نشير إلى أن القارة ولئن تمكنت من المحافظة على مستويات نمو مرتفعة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية إلا أن هذه المستويات تراجعت بصفة كبيرة منذ سنة 2016 لتصل نسبة النمو إلى 1,4% وهو أحد أضعف مستوياتها منذ سنوات طويلة. وخلق هذه المنطقة للتجارة الحرة ستساهم قطعا في دعم النمو ودفعه. وتأثير هذه المنطقة لن يؤثر فقط على مستوى النمو بل سيساهم مساهمة فعالة في تغيير محتواه فلئن اقتصر محتوى التبادل التجاري وبصفة خاصة الصادرات الإفريقية للبلدان المتقدمة على المواد الأولية فإن دفع التجارة على المستوى الإفريقي سيساعد ويدفع نمو تنويع الاقتصاديات الإفريقية وتطور الصناعة في أغلب البلدان. وقد ضبطت هذه الاتفاقية أهدافا طموحة لمنطقة التجارة الحرة. فستعمل البلدان الإفريقية المساهمة فيها إلى إلغاء المعاليم الديوانية على 90% من المنتوجات خلال العشرية القادمة، كما ستعمل على خلق تسهيلات كبيرة في التبادل التجاري. إلا أنه وبالرغم من أهميتها فإننا لابد أن نشير إلى ثلاث معوقات أساسية قد تجعل من هذه الاتفاقية حلما بعيد المنال، الصعوبات الأولى هي سياسية وتهم قدرة الإتحاد الإفريقي والبلدان الإفريقية الممضية على إقناع البلدان الأخرى بضرورة الالتحاق بركب هذا المشروع. وهذه المهمة لن تكون بالسهلة خاصة وأن بعض البلدان الهامة كنيجيريا والتي تعتبر ثاني أهم اقتصاد إفريقي وتحتوي سوقها على 180 مليون ساكن رفضت الإمضاء على الاتفاقية ولم تحضر اجتماع كيغالي. المسألة الثانية تهم ضعف البنية التحتية التي ستكون حجرة عثرة ولن تستهل عملية التبادل التجاري وستتطلب استثمارات كبيرة من أجل دفع التجارة بين البلدان الإفريقية وتحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة. أما التحدي الثالث الذي سيهدد هذا المشروع الهام يهم البيروقراطية الإدارية والبطء والفساد الذي تعرفه تقريبا كل المصالح الديوانية في البلدان الإفريقية وهذا العامل وأقل ما يقال عنه أنه لن يساعد في التسريع في نسق المبادلات التجارية بين البلدان الإفريقية. المسألة الأخيرة التي أريد الإشارة إليها في هذه البطاقة تهتم مشاركة بلادنا في هذا المشروع. فقد مثل السيد خميس الجهيناوي الدولة التونسية في هذا الاجتماع وأمضى على الاتفاق. وهذا الانخراط في منطقة التجارة الحرة يدخل في إطار التمشي الذي أخذته بلادنا منذ سنوات في التوجه إلى القارة ودعم التبادل والتعاون التجاري معها وهذا من شأنه دعم النمو في بلادنا وخلق فرص استثمار كبيرة لمؤسساتنا. إن إمضاء اتفاقية منطقة التجارة الحرة بإفريقيا يعتبر قرارا تاريخيا من شأنه دفع النمو في القارة وانضمام بلادنا إلى هذا المشروع من شأنه دفع والتسريع في خطى التعاون مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء.