دخول أزمة التعليم الثانوي ومن خلفها أزمة الحكومة واتحاد الشغل يومها الخامس في غياب ملامح انفراج قريبة مقابل بوادر تصعيد محتملة جعل المسألة تتحول في منظور الكثير من المتابعين من طور لي الذراع إلى مرحلة كسر العظام . ومزيد "تعفن" الأمور وتحول الخلاف إلى صدام بين الاتحاد والحكومة لن يكون دون شك في مصلحة أي طرف خاصة مع تواصل تعليق الدروس وإمكانية دخوله الأسبوع الثاني. إن وجود طرف ثالث في هذه الأزمة وهم التلاميذ وأولياؤهم، وفي ظل تهديد بحجم سنة بيضاء لا قدر الله تتبخر فيها جهود مضنية للعائلات التونسية لتأمين سنة دراسية لأبنائهم بعد ما تكبدوه من مشقة ونفقات قاصمة للظهر، يعسر الأمر على طرفي الأزمة ويحملهما مسؤولية جسيمة. والأكيد انه مع مرور الوقت والمزيد من التعنت والهروب إلى الأمام ستكون الفاتورة باهظة على الجميع. ان تململ الأولياء وتحوله مع تواصل الأزمة إلى احتقان وهم يرون مستقبل أبنائهم بعد تضحياتهم الجسيمة بات في الميزان لن يكون في صالح الأساتذة وحسابيا ستكون الخسائر من منسوب الثقة كبيرة للمربين والمركزية النقابية على حد السواء. في المقابل لن يكون دون شك في صالح الوزارة ومن ورائها الحكومة الاستثمار أكثر من هذا الحد في "الأزمة" رغبة ضمنية في كبح جماح نقابات يرونها تتغول بمرور الوقت من جهة ولتحسين شروط التفاوض مستقبلا من جهة أخرى، إذ تبدو المسألة كمعركة "إنهاك" في الوقت الضائع من عمر حكومة الشاهد التي تشير كل التوقعات الى أنها لن تستمر في صيغتها الحالية بعد الانتخابات البلدية. وخروج المسألة اليوم من صراع نقابي قطاعي إلى دائرة "شيطنة" المربي والحط من صورته ونعته بأبشع النعوت والصفات كما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي سيدفع فاتورته الجميع، ولسائل ان يتساءل أية علاقة ستجمع غدا المربين والأولياء والتلاميذ وقدرهم أن يكونوا شركاء في العملية التربوية لا "أعداء" كما يسعى البعض لتسويقه والاستثمار فيه. ان المنظومة التربوية والمجتمعية في مفهومها الشامل تعيش ومنذ سنوات على وقع أزمة أخلاق وقيم أثرت سلبا على احترام الفضاء التربوي وإجلال المربي وتقديره وعلى قيمة التعليم فتأثرت كثيرا العلاقات في المدارس والمعاهد وتزايدت حالات العنف والاعتداءات بين المربين والتلاميذ وأحيانا مع الأولياء ولن تزيدها تداعيات الأزمة الظرفية بين الوزارة والنقابة الا تفاقما وتعقيدا. لا حل أمام طرفي الأزمة الا الجلوس على طاولة التفاوض دون شروط مسبقة ودون حسابات، هذا هو الحل ودونه فالجميع خاسر والتداعيات الآنية والمستقبلية جسيمة على جميع الأصعدة.