عن دار يافا للبحوث والدراسات والنشر والتوزيع صدرت مؤخرا الطبعة الاولى 2018 من كتاب «قرآنات اللغة اللاتينية واللغة الفرنسية 1143م- 2009م» وقد ادرجه مؤلفه عفيف البوني في جنس القصة راسما في الصفحة الاولى: قصة «تحريم» الفقهاء ترجمة «كلام الله» العربي وحرمان غير العرب من قراءته. صدر الكتاب في حجم متوسط وتضمن 182 صفحة توزعت فيه المادة على قسمين القسم الاول تناول موضوع لغات وترجمات كلامات الله والثاني اهتم فيه عفيف البوني ب»قراءات اللغة اللاتينية واللغة الفرنسية وفي هذا القسم اهتم بمناخ استشعار الحاجة الى ترجمة القرآن وترجمته الى اللغة اللاتينية للكنيسة الكاثوليكية والى اللغة الفرنسية اي لغة فولتير. وتعرض فيه الى ترجمات كل من اندري دي ريّر وكلود ايتيان سافاري والبين دي بيبرستان كازيميرسكي وترجمة احمد ليماش وبن داود للقرآن وغيرهم ممن اهتموا بترجمة القرآن الى اللغة الفرنسية خاصة. وفي تقديمه لهذا الكتاب الذي يندرج ضمن بحوث عفيف البوني في تاريخ الافكار الكبرى وما ينجر عن ظهورها او عدم ظهورها من متغيرات ايجابا وسلبا على ألمجتمعات لاحظ التباين الواضح والجلي بين التوجه النبوي بدعوة الاسلام كل العالمين من اهل الكتاب ووثنيين وكل الاقوام وبين عدم القيام مبكرا ولاحقا، بترجمة القرآن الى الاقوام غير العربية، مع ان النبي وكذلك الاسلام لم يشترط صراحة على المسلم غير العربي ان يستعرب لغويا بل كان يكفي الانسان الذي يرغب في اعتناق الاسلام، اداء الشهادتين والقيام باركان الاسلام صلاة وصوما وزكاة وحجا. لقد اعتقد المسلمون ان النص القرآني كلام ألاهي مقدس اختار الله ان ينزله وحيا على النبي محمد بلغة قريش لا بلغة اخرى وخافوا عليه من التحريف والتزييف فحرموا ترجمته الى اللغات الاخرى للأقوام غير العربية فبقي القرآن اسير لغة واحدة على امتداد التاريخ. وقد فات الذين حرموا ترجمة القران انه يحتوي على الكثير من الكلمات الدخيلة على اللغة العربية مثل(الفردوس، القسطاط، القنطار، والزنجبيل، والنفاق والبرهان والمشكاة، وصبح وبهاءوطور وافك وبارك وتجارة وتنور وثمّ وجبّار وحنّان) وكلها كلمات اصولها من الفارسية والحبشية والسنسكريتية والآرامية واليونانية وقد اضاف عفيف البوني نفسه الى هذه الكلمات من اللاتينية واليونانية كلمات مثل ابليس والشيطان من اللغة الفرعونية كلمة الطاغوت، وذلك في الصفحة 100.. ترجم الأوروبيون القرآن لمحاربة المسلمين تفطن اعداء المسلمين دينيا وسياسيا في اوروبا الى ضرورة ترجمة القران في العصر الوسيط الذي اتسم بالانقسام الحاد بين مذهب الكاثوليكية وعاصمته الفاتيكان وبين مذهب الارتودوكس وعاصمته القسطنطينية الذي نتج عنه صراع ديني دموي وكان من نتائجه ايضا ان اجّج روح التعصب الديني والطائفي بين اتباع المسيحية وأتباع الاسلام بين ضفتي البحر الابيض المتوسط.. ومنذ القرن الثاني عشر ظهرت ضرورة ترجمة القران للتعرف على نقاط قوته ونقاط ضعفه وطريقة تفكير المسلمين لمواجهتهم في الحروب والانتصار عليهم وهذا يعني ان بداية ترجمة القران الى اللغات بدأت خاصة خلال الحروب الصليبية وحروب الاسبان لاسترداد الاندلس من المسلمين... عندها:»صور رجال الكنيسة الاوروبيون النبي محمد بأبشع الاوصاف ورؤوا في شخصه وفي دعوته، ما افسد على المسيحيين مسيحيتهم،.. ص 103 وروا في النبي محمد:»ذلك الحامل لعقيدة «خاطئة» وبأنه «ساحر» معاد للمسيح لرفضه تصديق عقيدة التثليث، ولرفضه منطق صلب المسيح وموته.. ص .104 ترجمات المسلمين «موطاموتية»طغت عليها التخيلات الدينية يقول عفيف البوني ان اول طبعة للترجمة المخطوطة من القران انجزت في القرن 16 م كتب مقدمتها المصلح الديني مارتن لوثر الذي ترجم الانجيل الى اللغة الالمانية . وكانت المقدمة عبارة عن قائمة طويلة من عبارات الكراهية والاتهامات والقذف والتسفيه للنبي محمد وللمسلمين والعرب. ثم اهتم الاوروبيون والفرنسيون خاصة بترجمة القرآن عبر الاستشراق والمستشرقين منذ القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر الى ان تفطن المسلمون الى ضرورة ترجمة القرآن الى اللغات الاخرى ولكن ترجماتهم غلبت عليها الكلمات بالكلمات اي»موطاموتية» وطغت عليها التخيلات الدينية.. ثم ظهر جيل جديد من الباحثين الفرنسيين الموسوعيين تميزوا بالقدرة على البحث الاكاديمي والتفكير المنهجي فكانت ترجماتهم للقرآن جادة ومن بين هذه الترجمات ذكر عفيف البوني ترجمة ريجيس بلاشار وترجمة جاك بيرك وكلاهما يحذق اللغتين العربية والفرنسية فضلا عن الالمام الواسع بالثقافتين العربية الكلاسيكية والمعاصرة والغربية الحديثة وقال البوني في الصفحة 11:»لقد كان تحريم ترجمة القرآن فتوى فاسدة وجاهلة مهما قيل في ان كل ترجمة هي»خيانة» وعندي الترجمة هي»الخيانة» الوحيدة النافعة.» احتوى كتاب «قرآنات اللغة اللاتينية واللغة الفرنسية» على نماذج من اغلفة ترجمات القرآن وعلى قصيدة فيكتور هيجو(1802 - 1885 م) عن موت النبي محمد كتبها سنة 1858 م عنوانها «العام التاسع للهجرة» وهي قصيدة طويلة ومعبرة وردت في 157 بيتا وقد ادرجها عفيف البوني باللغة الفرنسية كدليل على تغير فكرة رجال الثقافة الغربيين اللذين نهلوا من افكار التنوير والحداثة فكانت لهم رؤية اخرى لمحمد وللإسلام وكانوا اكثر تفهما واقل عدائية ومن بين هؤلاء فيكتور هيجو.