إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    تونس تسجل رسميا تحفظها على ما ورد في الوثائق الصادرة عن قمة البحرين بخصوص القضية الفلسطينية    رسما: وزارة الشباب والرياضة تتدخل .. وتمنح جماهير الترجي الرياضي تذاكر إضافية    مقابلة الترجّي والأهلي: وزارة الداخلية تُصدر بلاغا    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    الجبابلي: 21500 مهاجر غير نظامي حاولوا بلوغ سواحل إيطاليا خلال هذه الفترة..    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    إذا لم تكن سعيداً فلا تأتِ إلى العمل : شركة تمنح موظفيها ''إجازة تعاسة ''    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    عجز الميزان التجاري للطاقة يرتفع    كأس تونس: تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    عاجل- صفاقس : الكشف عن ضلوع شركات وأشخاص في بيع محركات بحرية لمنظمي'' الحرقة''    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    الترجي الرياضي التونسي في تحضيرات لمواجهة الأهلي    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    وزارة التربية تعلن قبولها ل100 اعتراض مقدّم من الأستاذة النواب    محمد عمرة شُهر ''الذبابة'' يصدم فرنسا    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    وزارة الداخلية تُقدّم قضية ضدّ كل من نشر مغالطات بخصوص ما حصل بدار المحامي    ضبط معدات لاسلكية لاستغلالها في امتحان الباكالوريا..وهذه التفاصيل..    مفزع/حوادث: 15 حالة وفاة خلال يوم فقط..    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    رئيس الجمهورية ووزيرة المالية يتباحثان ملف التمويلات الأجنبية للجمعيات    الاقتصاد التونسي يسجل نموا ب2ر0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من 2024    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    كتاب «التخييل والتأويل» لشفيع بالزين..الكتابة على الكتابة اعتذار عن قبح العالم أيضا    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    ينشط في عديد المجالات منها السياحة .. وفد عن المجمع الكويتي «المعوشرجي» يزور تونس    أخبار المال والأعمال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    محكمة العدل الدولية تنظر "وقف العمليات العسكرية في رفح"    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    طقس الخميس: أمطار ضعيفة والحرارة تصل الى 41 درجة    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبرّرات إصلاح الإسلام (1 من 8 )
نشر في حقائق أون لاين يوم 29 - 05 - 2013

ابتداء من اليوم و على امتداد ثمانية فصول تشرع حقائق اون لاين في نشر حوار للمفكر التونسي المقيم بباريس العفيف الاخضر. باذن من العفيف الاخضر نفسه ننشر هذه المقالات الثمانية حول اصلاح الاسلام تليها دراسة تاسعة حول اصلاح اللغة العربية. نحن نعتقد ان كل هذا الجهد من العفيف لخضر لم يلق حظه بعد لدى الجمهور التونسي العريض. الحوار الذي هو عبارة عن ثمانية فصول انجزه كل من ناصر بن رجب و لحسن وريغ.
سبق لي ان التقيت بالعفيف الاخضر في العاصمة الفرنسية وتهاتفنا طويلا للحديث عن افكاره و طروحاته في ما أطلق عليه اصلاح الاسلام. للاسف الشديد فان الكثير من أفكار العفيف الاخضر و بصرف النظر عن توافقنا أو اختلافنا معها غير معروفة للجمهور التونسي . من هنا جاء اقتراحي للعفيف الاخضر لاعادة نشر مقالاته عندنا.
أعلم ان الكثير من افكار العفيف الاخضر صادمة للجمهور الاسلامي التقليدي و العديد منها مستفزة فكرا و لكنها في كل الحالات افكار للنقاش العام و دفع للجمهور التونسي للتعرف عليها و مناقشتها و تقديم نقد او دعم لها. كنت دائما مقتنعا ان من له ثقة في قناعاته و افكاره و معتقداته يجب ألا يخاف من الافكار و طرحها.
في فترة ما بعد الثورة التي نعيشها اليوم من الواضح ان هم اصلاح الفكر الاسلامي او اصلاح الاسلام ذاته كما يقول العفيف الاخضر بات أحد الرهانات الملحة في واقعنا العربي. بوصول الاسلاميين الى السلطة وانتشارهم في الشارع التونسي من المهم تقديم افكار نقدية للطرح الاسلامي من اجل دعوة جمهور الحركة الاسلامية والجمهور التونسي العام الى التفكير. لهذه الغاية نحن سعداء بتقديم هذه المقالات المتتابعة للعفيف الاخضر.
هذه دعوة ايضا الى جمهور الاسلاميين ومثقفيهم الى الرد ومحاججة الفكرة بالفكرة.
ولمن لا يعرف العفيف الاخضر نكتفي بالقول انه أحد ابرز المثقفين التونسيين في قضايا الاسلام وهو مقيم في باريس منذ عشريات عدة ولم يعد الى تونس. العفيف الاخضر ونحن ننشر مقالاته في حقائق اون لاين ربما يعيش اخر سنة له بيننا في هذه الدنيا ومن المؤكد انه بمثل هذا الجهد سوف يترك افكارا جديدة للمناقشة للمهتمين بالفكر الاسلامي وتطوير العالمين العربي والاسلامي.
في ما يلي جزء من مقدمة الفصول الثمانية ويليها الفصل الاول بعنوان مبررات اصلاح الاسلام.
...............
في مقدمة الحوار المطول طرح العفيف الاخضر سؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"؟ وحاول في بضع صفحات طرح رؤيته للاجابة على هذا السؤال فقال:
"هو السؤال،بألف ولام التعريف،الذي طرحه على النخب المسلمة شكيب أرسلان ومازال مطروحاً!عصره لم يكن يساعده على الإجابة السديدة.فقد هوّم وحوّم وقال الشيء ونقيضه …مقدماً لهذا السؤال الوجيه إجابات قلما كانت وجيهة ! وفي المقابل عصرنا،عصر ثورة الاتصالات وتسارع التاريخ،أي التقدم العلمي والتكنولوجي وتبلور علوم الأديان، وانتصار حقوق الإنسان، كما حددتها المواثيق الدولية،على رواسب الهمجية سواء في القوانين الشرعية أو غير الشرعية، عصر الانتقال شبه النهائي من الحاكمية الإلهية إلى حاكمية العقل البشري غير الكاملة لكنها قابلة للكمال، يساعدنا على تقديم إجابة عن إمكانية واقعية لإصلاح الإسلام:"بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان"ضمن ديناميك مشروع اصلاحي شامل لكل قطاعات الحياة السياسية، والاقتصادية، والديموغرافية،واللغوية، والثقافية والدينية وفي مقدمتها جميعاً إصلاح صناعة القرار.
علوم الأديان تساعدنا على جعل مظاهر وشعائر وعقائد وبواعث الدين شفافة،بتقديمها فرضيات وحقائق نستنير بها لفهم ظاهرة الله،والنبوة ،والإيمان والتعلق الوسواسي بالشعائر،والرغبة النرجسية في الخلود في حياة أخرى بعد الموت،كمسكن لقلق الموت.
وبهذه المناسبة،أزفّ بشرى لضحايا القلق الديني والمخدر،الديني والدنيوي،كالشعائر الوسواسية والمخدرات والكحول:"حبة السعادة"،هي دواء جديد،قيدالتجربة،مضاد للقلق والإكتئاب،منشط ومفرح. حسبُ المكتئب تناول حبة كل صباح ليشعر فوراً بالإرتياح والسعادة.ليس لحبة السعادة أعراض جانبية،ولا تسبب الإدمان عليها أو التبعية لها.لا شك أنها ستساعد على شفاء الكثيرين من المدمنين على الكحول والمخدرات،أو الشعائر الوسواسية،أو الرغبة السادية في التلصص والتجسس على حياة الآخرين ل"نهيهم عن المنكر".حبة السعادة كفيلة بتحريركم من سعادتكم الوهمية وشقائكم الحقيقي.إنها برهان،لمن مازال في حاجة إلى برهان،على أن العلم والتكنولوجيا عوضا الدين في توجيه حياة الإنسان المعاصر إلى سواء السبيل.
الجديد يسبح ضد التيار خاصة في الدين؛الإنسان التقليدي يرهب الجديد،يخشى الأسئلة المزعجة لأنها تزعزع قناعاته الراسخة والمطمئنة.
عدت من المدرسة ذات يوم والتقيت بخالي"رزق"الأمي. سألني:"واش اتعلمت اليوم؟ "ان الشمس لا تغرب ولا تشرق.هذا مجرد خطأ شائع وخدعة بصرية كما قال الأستاذ.الصحيح هو أن الأرض دارت حول نفسها في 24 ساعة".قطب حاجبيه:"ايش بيك،ضربوك الجنون؟" وقام وتركني في المقهي ولم يدفع ثمن كأس الحليب وهو يعرف أنه ليس في جيبي فلس!.
من تغويهم السباحة ضد التيار،هم أؤلئك الذين تعلقوا منذ الطفولة بالرغبة في اكتشاف المستور: اكتشاف أعضاء الأبوين الجنسية،الرغبة الجامحة في التلصص عليهما من ثقب باب الحمام عاريين. وهذا ما يسميه علم النفس فوايوريزم.هذا هو المحرك النفسي الخفي للبحث الفكري والعلمي والثقافي الذي طالما اورد"المصابين" به موارد الهلاك، خاصة في عصور محاكم التفتيس الكاثوليكية أو في عصر الفتاوى،التي يفبركها اليوم بغزارة الهذيان الديني الإسلامي.
الهذيان الديني هو اليوم،عند فقهاء أقصى اليمين الإسلامي التقليدي والسياسي،رد فعل مجنون على تكذيب الاكتشافات العلمية المتسارعة، ليقينياتهم العمياء؛عمياء لأنها استعصمت بالقراءة الحرفية للنص، وبظاهر النص، مما يجعل من يمارسونها في صدام عنيف مع علوم ومؤسسات وقيم العالم الذي يعيشون فيه.
خصوم المجددين هم المحافظون.وهم مثلهم مولعون بالتفرج على لذة المتناكحين.لكن التربية العائلية،الفظة و الجاهلة بمبادئ تربية الطفل، كبتت فيهم هذه الرغبة كبتا عنيفاً،فتحولت إلى عكسها ونقيضها:غض البصر:الحياء،والحياء في العربية هو"الحشمة والتوبة وانقباض النفس من الشيء وتركه خوفاً من اللوم"(المنجد).خصوم التجديد والإصلاح"خوفاً من اللوم"هم المحافظون الذين يريدون بقاء دار لقمان على حالها.شعارهم:"الباب اللي يجيك منو الريح سدو واستريح".
التاريخ يصنعه من ينتمون إلى المتلصصين من ثقب الباب،الذين لولاهم لبقيت البشرية عاجزة عن العمل والتفكير:عن اختراع الآلة واختراع الأفكار،اللذين تطور بهما القرد إلى إنسان.
من الصعب التخلص من الشلل النفسي لمن أصيبوا به.لكن يمكن بالتعليم، والإعلام ، والخطاب الديني المستنير مساعدة الأجيال الطالعة، على الانتقال من الإيمان الأعمى إلى الإيمان كرهان. الذي يبدو أنه يمتلك زمام المستقبل. فالتعصب الديني والتعصب العنصري هما في موقف دفاع، أمام دفق المعلومات والقيم التي تحملها الشبكة العنكبوتية بسرعة الصوت والضوء.
في الواقع تخلت غالبية المؤمنين،في الديانات التوحيدية التي أنجزت إصلاحها، عن اليقين الديني الأعمى، منتقلة إلى الإيمان كرهان.مجرد رهان، محاكاة للرهان البسكالي الشهير:"لنزن الربح والخسارة في الإيمان بوجود الله.لنقدر ثمن هاتين الحالتين:إذا كسبت[=في رهانك على وجود الله] فقد كسبت كل شيء؛وإن خسرت لن تخسر شيئاً.فلنراهن إذن على أنه موجود بلا تردد."
الإيمان كرهان، ملحوظ اليوم حتى لدى بعض الكهنة والحاخامات، فضلاً عن المؤمنين بالديانات الوثنية الكبرى. بدوري،أراهن على أن إصلاح الإسلام، بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان، سيُسرع ويُعمم الإيمان كرهان في الإسلام أيضاً،على أنقاض إيمان العجائز.
الهدف من إصلاح الإسلام هو جعل الإسلام المعاصر يتبنى العقلانية الدينية الإسلامية.لأنه بها سيقف على قدم المساواة مع جميع الديانات الكبرى الأخرى،التوحيدية والوثنية،التي تبنت العقلانية الدينية قاطعة مع إيمان العجائز المطلق والساذج.
ما المقصود بالعقلانية الدينية؟ قبول مؤسسات وعلوم وقيم العالم الذي نعيش فيه.وخاصة اعتناق الدين العلماني العالمي،دين حقوق الإنسان، المناسب لجميع الديانات،شرط أن تحترم هي قيمه الكونية، التي يسلم بها كل عقل سليم أينما كان:مثلاً حرية التعبير،حرية التدين،حرية الضمير، المساواة الكاملة في الحقوق والكرامة بين الرجل والمرأة،والمسلم وغير المسلم،والعربي وغير العربي، والمؤمن وغير المؤمن وبين المؤمنين مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية أو الطائفية. هذه الحقوق غدت اليوم مسلمات، في جميع الديانات الكبرى، لا تجادل فيها إلا فرق متعصبة محدودة العدد والتأثير.إلا في الإسلام فمازال قطاع واسع يقف منها في أحسن الحالات موقف المتحفظ وفي أسوئها موقف الرافض والمحارب لها.الموقفان يلحقان بالإسلام والمسلمين ضرراً بليغاً،داخلياً وخارجياً:داخلياً ببقاء الدولة في أرض الإسلام نصف همجية،خارجياً بتغذية الإسلاموفوبيا. وهكذا يلطخ الموقفان صورتنا في مرآة الرأي العام العالمي،وما من شعب يستطيع تجاهل حالة صورته في مرآة الرأي العام العالمي. مما جعل اليوم تقديرنا لأنفسنا، واعتزازنا بها مازال في الدرجة صفر.لأننا مازلنا عاجزين عن أن نكون معاصرين لعصرنا دينيا،سياسياً،اقتصادياً وأخلاقياً. والحال أن المطلوب هو أن نكون معاصرين لمعاصرينا في جميع الميادين.
بالإصلاح، نريد التخلص من الشلل النفسي الملازم لعبادة الأسلاف وطريقة تدينهم التي لم تعد من هذا العالم:عالم حقوق الإنسان والمواطن.نريد التخلص من إسلام القرون الوسطى المتقادم، الذي يعبر عنه مشروع أقصى اليمين الإسلامي غير القابل للتحقيق اليوم:إسلام الإجماع،إسلام الجماعة المفروض على الفرد بقوة التقاليد الميتة أو بالقوة،إسلام تذويب العقل في النقل وتذويب الفرد في الأمة.
نوفمبر 2012
.................
الفصل الاول
مبرّرات إصلاح الإسلام
* الفكرة الشائعة أن الإسلام لا يقبل الإصلاح فعلى ماذا تراهن ؟
** قدم الإسلام في تركيا منذ 1924 حتى الآن، وفي تونس منذ 1956 حتى اليوم ،البرهان على قدرته على إصلاح نفسه نسبياً على الأقل. فما الذي يمنعه من تقديم البرهان على هذه القدرة في باقي البلدان، وعلى نحو أشمل وأعمق ؟ إصلاح الإسلام اليوم ضروري وممكن. ما ينقص هو الشجاعة السياسية والشجاعة الفكرية. صحيح أن عتاقة النخب الدينية، في أقصى اليمين الإسلامي السياسي والتقليدي،لا تسهل التكيف الضروري مع العالم الذي نعيش فيه. لكن الشجاعة مطلوبة لمثل هذه الحالات. شجاعة النخب، التي تملك رؤية واضحة للمستقبل الذي تقود إليه شعوبها برؤية واضحة، بلورتها صناعة قرار واقعي. حسب ابن قتيبه، الإجماع، إجماع نخب الأمة وسلطاتها التشريعية بالمفهوم المعاصر، "أهم من الحديث في التشريع". إذن إصلاح الإسلام لا يحتاج إلى نص ديني، بل إلى إجماع صناع القرار على أنه ضرورة ومصلحة. وكما يقول الشاطبي: وحيث المصلحة فثمة شرع الله.
* هناك من يقول أن إصلاح الإسلام ليس أولوّية في عالم عربي مليء بالمشاكل والتحدّيات. فما هو رأيك أنت الذي تعتبره أولوّية الأولويّات؟
** إصلاح الإسلام هو أولويّة الأولويّات . لأنّ على الشروع في إصلاحه يتوقّف نجاح الورشات الأخرى التي تبدو في الظاهر لا علاقة لها به، كورشة الإصلاح الإقتصادي مثلا. ورشة إصلاح الإسلام لا تتنافى مع فتح الورشات الأخرى بل تتكامل معها وتقتضيها. ورشات الإصلاح جميعا يأخذ بعضها برقاب بعض. فورشات الإصلاح السياسي والإجتماعي والتربوي والديمغرافي واللغوي … جزء لا يتجزّأ من ورشة إصلاح الإسلام. القاسم المشترك بينها ، أنّها جميعا تتطلّب كأولويّة مطلقة إصلاح صناعة القرار. سبب الأسباب لتخلّفنا ،أو بما هو أدقّ ،لتخبّطنا الطويل في أزمة الحداثة ، التي نجتازها وعدم خروجنا منها سالمين حتّى الآن ، هو سوء صناعة القرار، الذي مازال في تسعة على عشرة على الأقل من البلدان العربية، لا تصنعه المؤسَّسات صناعةً علمية يكون الكمبيوتر أوّل صانع له، بل تصنعه نزوات وهذيانات الحاكم الفرد. واحد من بين عشرات الأمثلة، صدّام حسين الذي افتخر بأنّ القرار، الكارثي عليه وعلى العراق وربّما على الشرق الأوسط كلّه، قرار ضمّ الكويت، اتّخذه بناء على حلم رآه في المنام ؛مُضيفا: إعتمادا على حديث محمّدي، بأن الحلم الصادق جزء من أربعين جزء من النبوّة. لكن الملاك الذي أوحى اليه بالحلم، نسي أن يوصيه بطرح السؤال المركزي، الذي توجبه صناعة القرار: "و،ماذا في صباح اليوم التالي؟".وهو السؤال الذي لم يطرحه قبله جمال عبد الناصر، عندما طرد القوات الدولية المرابطة على الحدود المصرية الاسرائيلية في مايو 1967 ، والذي كان سبب حرب الستة أيام؛ ولم يطرحه بعده السيد حسن نصر الله، عندما خطف الجنود الاسرائيليين الثلاثة، فتسبب في حرب 2006 ؛ولم تطرحه حماس عندما رفضت تجديد الهدنة مع إسرائيل ، فتذرعت بها حكومتها لشن حرب غزة سنة 2008. في الحقيقة طريق هزائم العرب والمسلمين، منذ اصطدامهم بالاستعمار، كان غالبا مفروشا بالقرارات الانفعالية التي يصنعها الفكر السحري ، الذي يطلب من أضغاث الأحلام ان تتحول إلى رؤى صادقة ، ومن التخييلات أن تتحول إلى حقائق. جميع منجزات الحداثة، منذ خمسة قرون إلى الآن، صنعتها قرارات سياسيّة شجاعة وذكيّة، مازالت بالنسبة للنخب العربية برسم الإكتشاف.
* ماذا تعني بشجاعة وذكية؟
** أعني واقعية، تستلهم واقع عصرها. عكس القرارات المتهورة والغبية ، التي تُرتجل تحت ضغط الأحداث والتي طالما اكتوينا بنارها ، لأنها تستلهم عادة مخاوف صانع القرار اللامعقولة أو ردود فعله الهاذية، خاصة والبارانويا هي أعدل الأشياء قسمة بين حكام أرض العروبة والإسلام. العالم الذي نعيش فيه معقد وغير قابل للتّوقع، ومقاربته بالقرارات المرتجلة واللامعقولة تساوي الإنتحار بشقّ البطن. أن تكون شجاعا وذكيّا ، هو أن تعترف بأن الواقع والرغبة قلما يجتمعان. أي أن مبدأ اللذة ومبدأ الواقع نقيضان. وهذا ما لم يدركه بعد الإسلاميون والقوميون، الذين مازالوا يتفاوضون مع أنفسهم ويغالطونها في حقائق العصر الذي يعيشون فيه.
* هلا وضحت أكثر علاقة الإصلاح الديني بصناعة القرار؟
**هي علاقة وثيقة. صناعة القرار العربية، قلما احترمت المبدأ الأول لهذه الصناعة، الذي هو التعريف الدقيق، دقة المعادلات الرياضية، للمصلحة القومية، والحساب الدقيق للتكاليف والمكاسب، أي للخسارة والربح في كل قرار. وتجاهلت المجالات الاستراتيجية الأربعة: اصلاح الإسلام، والبحث العلمي، والتجديد التكنلوجي والتعليم الجيد بالمعايير الدولية. صنع قرار الإصلاح الديني اليوم يفترض التفكير في مخاطر النهاية المأساوية لأي مشكلة تطرح نفسها علينا، من أجل تغيير الإتجاه في الوقت المناسب. بقاء الإسلام من دون إصلاح، أي من دون فصل الدين عن الدولة، لتفادي مخاطر الحروب الطائفية والدينية، خاصة الحرب السنيّة الشيعيّة، التي قد تتحول في إحدى مراحلها إلى حرب ذرية؛ ومن دون فصل الشريعة،خاصة في الأحوال الشرعية والقصاص، عن القانون الوضعي، ليغدو الوحيد المُطبَّق، سيسقط العالم الإسلامي في همجيّة تطبيق العقوبات البدنية التي ينطبق عليها وصف فرويد للممارسات النازيّة بأنّها "همجية ما قبل التاريخ" ؛ ومن دون فصل البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني عن الرقابة الدينية، سيبقى "الاشتباك بين القرآن والعلم"، كما أسماه د. عبد الصبور شاهين، دائما؛ ومن دون الفصل بين المؤمن والمواطن، سيبقى المسلمون ماثلين أكثر فأكثر في قفص اتهام المجتمع المدني العالمي لهم بالإنتهاك المتكرر لحقوق الإنسان والمواطن، وبمعاملتهم المرأة كحشرة مُؤذية ، وأقلّياتهم كأهل ذمّة ، والعالم كدار حرب موعودة بالجهاد، الذي أخذ منذ الآن إسم الإرهاب الإسلامي العالمي؛ والذي تنعكس صورته سلبا على الإسلام نفسه في نظر الرأي العام العالمي وفي نظر قطاع من المسلمين أنفسهم!
يستمد الإصلاح الديني مشروعيّته، من إمكانية قطعه للطريق على مخاطر هذه النهايات المأساوية، ومن تكييف الإسلام مع عصره، الذي يتّجه في السيناريو المتفائل، إلى حضارة بشرية واحدة تتعرّف على هويتها في القيم الإنسانية الكونية المشتركة، وفي الضوابط الأساسية للعيش معًا ،في عالم مُعَولَم تشابكت فيه مصائر البشرية، في السرّاء والضراء، إلى درجة أن سؤال الحكومة الإقليمية والحكومة العالمية أو "الكونفدرالية العالمية"، كما يسميها الفيلسوف والأنتروبولوغ ادغار موران، أصبح سؤالا مشروعا لمواجهة تحديات يتوقف على رفعها بقاء الحضارة، بل وربما بقاء النوع البشري نفسه.
* ما هي نقاط الضعف في الحالة الإسلامية التي يمكن علاجها بالإصلاح الديني؟
** ما زال الإسلام لم يرفع حتى الآن تحدّي عوائقه الثلاثة، التي شخّصها رينان في القرن التاسع عشر : احتقار العلم الوضعي، ورفض البحث العقلاني في نصوصه بما هي كلام الله المُنزّه عن المساءلة العلمية، وفي رموزه بما هم فوق البحث والمساءلة، والخلط بين الروحي والزمني.
وهذه هي عوائق دينية، وذهنية ونفسية تحالفت على كبت الإبداع الديني والسياسي والإقتصادي والعلمي والأدبي والفني؛ مثلا الرسم والنحت والموسيقى مازالت محرّمة في الإسلام. اليهودية، التي أخذنا عنها هذه المحرمات، تناستها لحسن حظ اليهود. ونحن مازلنا متسمرين فيها. تناست أيضا حد الرجم الدموي الذي أخذناه عنها. بالرغم من عدم وجوده في القرآن وتهافت الروايات عن رجم النبي لزناة… إيران، والسعودية،والسودان و"شباب الشريعة" في الصومال مازالوا يرجمون. الأمير خالد بن سلطان، وزير الدفاع السعودي، منعني سنة 2001 من الكتابة في "الحياة"، التي كانت مصدر عيشي الوحيد. لماذا؟ لأنني طالبت "في الجزيرة" بتدخل دولي لمنع الرجم في إيران، محتجا بأن السعودية هي أيضا ترجم، فتكون إذن مشمولة بمطلب التدخل الدولي. رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، اعتبر ،في مقال وقعه، أن العقوبات البدنية الإسلامية، كالجلد، أرحم من السجون الأوروبية. فلماذا لا يعتبر الرجم أيضا أرحم من السجون الأوروبية، علماً بأن عقوبة الزنا نسخت من القوانين الأوربية منذ زمان طويل؟
عالم الإسلام مازال يمشي على رأسه، ونريد، "بإصلاح الإسلام"، أن نجعله يتعود المشي على قدميه.
* لكن جمال الدين الأفغاني ردّ على رينان بأن جميع الأديان،معادية للعلم، وليس الإسلام وحده هو المعادي للعلم ؟.
** صحيح أن جميع الأديان، التوحيدية على الأقل، تنطبق عليها تهمة رينان، لكن اليهودية والمسيحية قبلتا أخيرا، طوعا أو كرها وبالأحرى كرها، رفع تحدّيات رينان الثلاثة. مثلا كشف علم الأركيولوجيا في إسرائيل على أن ما كان يُظَنّ وقائع تاريخية، في أسفار العهد القديم، لم يكن إلاّ أساطير؛ مثل الخروج من مصر، وشقّ البحر الأحمر بعصا موسى؛ وهيكل سليمان الذي اتّضح أنّه شخصيّة أسطورية، والملك داوود الذي كان يُعتبر شخصية تاريخية، اتّضح أنه شخصية نصف أسطورية. لا بأس بهذا الصدد من ترجمة كتاب (الكتاب المقدس وقد تَعرّى) تأليف الاركيولوجيين الإسرائيليّين نأ.سيلبيرمان و جفينكيلستين. احتجّ المتعصّبون من رجال الدين اليهودي، لكن العلماء الإسرائيليين لم يُقدّموا للمحاكمة، كما حوكم د. نصر حامد أبو زيد في مصر ، ولا صدرت ضدّهم فتاوى بالقتل، كما يفعل رجال الدين الإسلامي ، ولا بالطبع اغتيل أيّ عالم منهم، كما اغتيل فرج فودة وأيّد اغتياله بتهمة الردّة محمد الغزالي، أحد نجوم الإسلام السياسي. مؤخرا طالب مجلس البحوث بالأزهر بمحاكمة سيد القمني وحسن حنفي من أجل أفكارهما. مازلنا نعيد صلب الحلاج، وسلخ السهروردي، و نطارد التصوف والفلسفة والعلوم الحديثة وخاصة منها الإنسانية.
* لماذا عجز إسلام الفقهاء عن رفع هذه التحديات ؟
** بسبب افتقاده للقدرة على التكيف مع العالم الحديث. ديناميته الأولى، الجهادية، تحولت إلى عائق وعجز عن اكتساب دينامية جديدة تتطلبها الحقبة التاريخية. هي دينامية التكيف مع جديد التاريخ. عندما يفتقد الدين القدرة على التكيف والدينامية يسقط في الجمود الديني،الأب الشرعي لكل الإنحرافات الدينية وفي مقدمتها عبادة الأسلاف.
* ما المقصود بالجمود الديني ؟
** هو تحريم السؤال، وفرض الأجوبة الجاهزة، الصالحة للجميع ولجميع الأزمنة وجميع الأمكنة، هو اليقين الجامد، وإيمان العجائز المطلق و الساذج . ايمان العجائز يصلح للعجائز ولكنه لا يصلح للباحثين. هو العجز عن التطور وإنتاج الأفكار المجددة. وهو في الوقت نفسه محاربة القلة المجددة التي تظهر من حين لآخر، مثل الشيخ نجم الدين الطوفي الحنبلي، الذي سُجن وأُتلفت كتبه، والفلاسفة والمتصوفة الذين راموا إصلاح الإسلام في عصرهم، وكلفهم ذلك أحيانا حياتهم مثل السهروردي والحلاج.مفتي مصر ورائد إصلاح الإسلام ،محمد عبده، رفض الأزهر لنصف يوم صلاة الجنازة عليه،لحسم النقاش الديني عمّا إذا كان مرتداً أم لا،ورائد تحرير المرأة التونسية من رق فقه العصور الوسطى، الطاهر الحداد، شيع جنازته بضعة أصدقاء…
* وأنت ماذا تتوقع بعد عمر طويل؟
** تبرعت بأعضائي وأنسجتي لمن يحتاجون إليها لزرعها. و وهبت جثتي للعلم. لكلية الطب في أي بلد أموت فيه. عندما سلمت وصيتي لرئيسة الممرضات، في أحد المشافي الباريسية، قالت لي هذا إذا قبلتها كلية الطب، التي كثيرا ما ترفض لكثرة المتبرعين. قارن هذا مع تحريم فقهاء الجمود الديني تشريح الجثث. في 1973، كانت كليات الطب السورية تستورد من الصين الجثة بألف دولار. هذا التسمر في أحكام فقهية معادية للعلم، هو أحد أعراض عبادة الأموات الفرعونية،التي هي بدورها راسب من عبادة الأموات منذ العصر الحجري الحديث التي ترافقت مع شعائر الدفن، – كما يعلمنا ذلك تاريخ الأديان المقارن – التي جعلت فقهاء الإسلام يحتقرون الجسد حيا ويقدسونه ميتا. هذه الواقعة وحدها حافز على ضرورة التعجيل بإصلاح الإسلام.
*قلتَ في مقال يتيم عن إصلاح الإسلام أنّ إصلاحه يمرّ بالإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني إلى مدرسة المعقول الديني. فماذا تقصد بذلك؟
**كل إصلاح حقيقي هو إعادة تأسيس، هو ابتكار لنموذج جديد من العقلانية الدينية، التي لا تعترف من الدين خاصة، في المعاملات، إلا بما يقبله العقل الذي جسدته وثائق حقوق الإنسان. كل إصلاح ديني يمر بقتلٍ رمزي للأب؛ في موضوعنا، يمر بالقطيعة مع لامعقول التراث، وبحلّ مشكلة تنفيذ الجديد بالأدوات القديمة. العمليتان تتطلّبان إصلاح التعليم والإعلام والخطاب الديني جُملةً. لا، بل أن إصلاح الإسلام لن يتحقّق إلاّ بالإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني، المُستمرّة منذ قرون في اجترار أجوبة غدت متقادمة، إلى مدرسة المعقول الديني المنشودة، الوحيدة المؤهّلة لعقلنة التعليم، والخطاب الديني بما فيه الخطاب الديني الإعلامي. الإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني إلى مدرسة المعقول الديني، يعني الإنتقال من القراءة الحَرفيّة للقرآن خاصة المدني، السائدة إلى اليوم تقريبا في كل مكان من أرض الإسلام، إلى القراءات الأخرى المنافسة لها والتي همّشتها أو كفّرتها كالقراءة التأويليّة، والمقاصديّة، والرمزيّة والتاريخيّة التي مارسها القرآن نفسه بالناسخ والمنسوخ، أي نسخ الآيات التي لم تعد متكيّفة مع مستجدّات التاريخ. واصل الخلفاء الراشدون وبعض الفقهاء هذه القراءة الناسخة للأحكام التي لم تعد تستجيب للواقع المعيش. هذه القراءة الأولى للنّص المُؤسِّس، التي مارسها الراشدون، ضرورية لنا جدّا اليوم. وعلى مدرسة المعقول الديني أن تستعيدها. وهذا ما دشّنه اليوم كلٌّ من جمال البنا، وحسن الترابي، ومحمد الطالبي، وغالب بن الشيخ وأنا نفسي. للتاريخ، أوّل من طالب بالعودة إلى القراءة التاريخية لنسخ أحكام الآيات المتقادمة هو المأسوف على فقده، محمد عابد الجابري سنة 1988، وعندما استخدمت مصطلحه سنة 2002 بعد توسيعه وتعميقه نوهت بذلك.
* قد يقول قائل هذه القراءات التي تحدّثت عنها تكفّلت بها علوم الدين الإسلامية، فلماذا اللجوء إلى علوم الأديان المعاصرة التي دُرست بها الأديان الأخرى، و لماذا لا نكتفي بإصلاح الإسلام من الداخل كما يقول الأستاذ الجابري رحمه الله؟
** كان ينبغي أن تُضيف الأديان الأخرى بما فيها الإسلام ،وخاصّة الظاهرة القرآنية التي درسها بعض المستشرقين، وحتّى المسلمون أنفسهم، مثل محمد أركون في كتابه "قراءة القرآن"، ومحمد علي أمير معزي الذي أشرف على إصدار معجم القرآن بالفرنسية الصادر سنة 2007 . تُرجم إلى عدد من اللغات إلاّ لغة القرآن. هذه الواقعة وحدها إدانة لعدم إصلاح الإسلام حتى الآن،لذلك مازال يخشى، خشية الموت،دراسته بعلوم الأديان!
القراءات الأخرى المقصودة يجب أن تستضيء بعلوم الأديان المعاصرة، لأن علوم الدين الإسلامية تجاوزها التطوّر العلمي،فلم تعد قادرة على التجاوب مع المتطلبات الحديثة لدراسة النّصين الإسلاميين المُؤسِّسين، القرآن والحديث، ولا على دراسة مُجمل التراث الإسلامي، الذي مازال بمنأى عن التحليل والنقد العلميّيْن، اللذين طُبّقا على تراث الأديان الأخرى، وخاصة اليهودية والمسيحية.
"التحديث من الداخل" غير منتج، وبصدد إصلاح الإسلام مثلا هو إستحالة إيبستيمولوجية. علوم الأديان الحديثة تكونت في مناخ الثورات العلمية والفلسفية والصناعية الحديثة. وليس لها أشباه ونظائر، في تاريخ العلوم، لا عندنا ولا عند غيرنا من أمم الجنوب. وهذه العلوم ليست نبتة أو حيوانا يمكن تدجينه بتكييفه مع البيئة الجديدة. هي مفاهيم ونظريات وقوانين علمية دقيقة غالبا، تدجينها مرادف لإجهاضها. إذن هي غير قابلة للتدجين.المطلوب هو دراسة تراثنا بها بطريقة إبداعية؛درس المستشرقون بعض تراثنا بالطريقة الفيلولوجيه، التي دُرس بها الكتاب المقدس،وترجم بها بلاشير القرآن ترجمة ساعدت كثيراً على كشف تناقضاته الداخلية،التي كثيراً ما تخفيها الترجمات الأخرى بما هي تأويل أي إعادة إنتاج للنص.قرأت 3 ترجمات إسلامية:ترجمة حميد الله،الصادق مازيغ وصلاح كشريد:لا أحد منهم لاحظ تناقضاً أي تشابهاً يجعل المعنى غامضاً؛في المقابل،فإن بلاشير،وكذلك نولدكه،وضع مراراً علامة استفهام أمام الآيات والكلمات المتشابهات أي الملتبسات.
الخلفية الأيديولوجية، لشعار التحديث أو التجديد من الداخل، غير مقبولة علميا أيضا. فهي في الواقع تعبير عن "الخصوصية" العربية الإسلامية الشهيرة : نحن أمة إستثنائية لا يصلح لها ما يصلح لغيرها من الأمم التي لم يكرمها الله بالإسلام… الله كلمنا لآخر مرة في التاريخ، فأعطانا الدين الحق، ولغتنا هي لغة أهل الجنة،وهما لا يقبلان الإصلاح إلا إذا كان من الداخل، وفي قول آخر أكثر انتشاراً، هما لا يحتاجان لأي إصلاح أصلاً:ألم يقل الله،"اليوم أكملت لكم دينكم"؟.
نحن هنا أمام منطق عبادة الأسلاف النرجسي الإقصائي، السائد لدى الشعوب البدائية أو ذات الذهنية البدائية، والذي آن لنا أن نخرج منه إلى منطق الشعوب الحديثة، أو ذات الذهنيات الحديثة، التي لا ترى مانعا من استعارة العلوم الحديثة، دونما تشويه لمنطقها الخاص وصرامتها العلمية برغبات عصابية. شعار التحديث من الداخل، هو أحد أعراض عقاب الذات المتواصل منذ قرنين بتكرار التجارب الفاشلة. لا توجد أمة في العالم حدثت نفسها من الداخل. اليابان، منذ حكومة الميجي في القرن التاسع عشر، دشنت دخولها للحداثة باستعارة الحداثة الأوروبية، فتبنت دستور بلجيكا وقوانينها الوضعية، وأدخل إمبراطورها الشوكة للأكل بدل العيدان اليابانية التقليدية، وأدخل الموسيقى الكلاسيكية بدل الموسيقى المحلية. لماذا فعلت اليابان ما عجزنا عنه؟ لأنها يتيمة حضارياً:بلا تراث أسلاف يردعها – مثلنا – عن تقليد الآخر "الكافر". لكن فكر بعض نخبنا السحري يفترض أن التحديث من الداخل ممكن بالنسبة لنا بفضل معجزة مّا؛ جاهلا أو متجاهلا أن الحداثة،كما تتطلب سوسيولوجيا المعرفة، هي كل لا يتجزأ. إما أن تأخذه أو تتركه. وقد تركناه لسوء حظنا طويلا . فلماذا لا نحاول، ولو لمرة واحدة، أخذه عسى ولعل يساعدنا على الخروج من كابوس التأخر التاريخي، الذي أسقطنا في الهذيان شعوبا ونخبا، وجعل جرحنا النرجسي، أي شعورنا بالخصاء والإذلال والدونية، بعرض وعمق النيل والسين معا. وكلما تعمق الجرح،تعمق عجزنا عن الشفاء منه،باسترداد الثقة بالنفس وتقدير الذات بفضل العمل اليومي من أجل التنمية الإقتصادية،والعلمية والثقافية، للحاق بقاطرة الحداثة.
...........................
يتبع الفصل الثاني بعنوان: إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.