سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أفريل شهر الرحيل: الخطاب وعقدة اللاحقين.. أولاد أحمد حكاية الصباح والمساء ويوم الأحد.. أحمد عامر رجل الثقافة والصحافة.. ورجاء بن عمار نجمة في أعلى مدار..
فسحة العين والأذن يؤمنها: الهادي السنوسي شهر أفريل أصبح موسوما برحيل المبدعين في مجالات مختلفة.. فقد عشنا خلال السنوات الأخيرة غياب العديد من نجومنا بطريقة فاجعة ومفاجئة في أغلبها رغم إيماننا بأن الموت حق على الجميع وأن الساعة عند الله وحده. ورغم ذلك فإن شهر الرحيل هذا يبقى شهر الكذب لأن الراحلين عن عالمنا باقون أحياء بيننا رغم الغياب الذي يعتبر كذبة كبرى.. وفي هذا الشهر المخادع تحضرني أسماء أربعة ربطتني بثلاثة منها أواصر صداقة ومحبة على مدى سنوات وبالرابعة منها صلة متابعة وقرابة عن بعد من خلال أعمالها ونضالها المسرحي. الخطاب حاضر بالغياب يوم الجمعة 24 أفريل من سنة 1998 رحل نجيب الخطاب عن دنيانا معلنا نهاية مرحلة طبعها بألوانه وأجوائه ومخلفا فراغا رهيبا في الساحة الإعلامية باعتباره فارس التنشيط في التلفزة تعود بي الذاكرة إلى سنة 1982 التي تمكنت خلالها من التعرف على نجيب عن قرب حيث جمعتنا غرفة واحدة على امتداد بطولة إفريقيا للأمم في كرة القدم التي دارت بالقطر الليبي الشقيق... كنا سبعة صحافيين موفدين لتغطية الحدث الإفريقي.. المرحوم ومحدثكم وحسن المزوغي ورضا علي النجار وعبد الحميد بن حميدة والطاهر بن عمر والمرحوم بشير المنوبي.. دامت إقامتنا أكثر من عشرين يوما وكنا متلازمين نخصص النهار للعمل وبعض الليل للسهر في غرفتنا.. وخلال تلك الفترة عرفت نجيب الإنسان والفنان والفتى النشيط.. لقد كتبت كلاما كثيرا عن الراحل العزيز وسكبت حبر الروح وأنا أستعرض ذكريات مشتركة لا يمكن لفوضى الأيام وضوضاء الحياة وضجيج الزمان أن تسدل عليها ستائر النسيان.. من أين أبدأ؟ وكيف أصطفي شذرات غابرات باقيات بإثارة ذكريات قد لا تعطي الرجل حقه.. فنجيب ليس مجرد ماض ولى وانتهى.. إنه امتداد الفكر المتوقد وانسياب الذات الكريمة المتواضعة.. لقد دخل نجيب القلوب من باب الاجتهاد والتجديد والتواضع ولأنه عاش في صميم الشعب وبين أحضان أبنائه البسطاء، استطاع أن يمسك بالخيط الموصل إلى قلوب الجميع من خلال تعبيرات ملتحمة وملتصقة بهم.. فهو لم يتفلسف ولم يحاول الركوب على الأساليب المعقدة والمنتفخة إدعاءات وتهويمات بل اختار أيسر السبل وأعسرها في آن للوصول إلى ضمائر العامة وعقولهم وأعني نبذ التكلف إلى جانب الصدق في أداء رسالته.. هذا على المستوى الشعبي.. أما على المستوى المهني فإن ظل الخطاب وطيفه لم يفارقا معابر التلفزة الوطنية واستوديوهاتها ولم يستطع جل المنشطين باستثناء حاتم بن عمارة الخروج من الطوق الخطابي.. وفي ذلك أكثر من عبرة لكل الذين يحالون اليوم شق طريقهم والبحث عن مكان لهم تحت الشمس... فحياة الخطاب مليئة بالعبر.. فالنجاح لم يأته على طبق من ذهب وإنما حققه الرجل من معاناته وعذاباته الكثيرة والطويلة عبر مسيرة شائكة وحارقة.. ويكفي الراحل أنه خلق جيلا كاملا من المعجبين والأصدقاء الأوفياء وهذا لا يقدر عليه إلا كبار المبدعين المنتمين إلى طينة الخوارق الخالدة.. ولا عزاء للأدعياء والأغبياء الأشقياء ! لتنم صديقي في مثواك السرمدي هانئا قريرا.. فأنت في القلوب مقيم ناصع الصورة.. نقي السريرة.. الموت كذبة كبرى.. إلى اللقاء نجيب.. ... شاعر ونصف... فاجعتي الأخرى في شهر أفريل كانت في الصديق العزيز الشاعر المبدع محمد الصغير أولاد أحمد الذي غادرنا في الخامس من أفريل من سنة 2016. عرفت أولاد أحمد بصيغة المفرد أي محمد الصغير في مقهى الزنوج «Chez les negres» قبل أن تتحول إلى بنك للأموال بعد أن كانت بنكا لهموم الشعراء والمبدعين الباحثين عن موطئ قدم في زحمة العاصمة وصخبها وضوضائها.. عرفته أيام كنت وبعض الزملاء أذكر منهم نجيب الخويلدي وعبد الحميد الرياحي وجمال الكرماوي وغيرهم نزرع بذور «البيان» في نهج «أفينيون» (لوثر كينغ حاليا). كانت لقاءاتي به صاخبة ومحببة.. فقد كان الفتى القادم من أعماق سيدي بوزيد ناصع السريرة.. تلقائيا ومندفعا.. وكنت ألتقي معه في جرأته وإقدامه على قول ما يجب وما يحب أن يقول.. كان يقرأ لنا بعض أشعاره الأولى.. كما كان يناقش كتاباتي في مجال الرياضة.. في كلمة كنت واحدا ممن عايشوا بدايات الشاعر أولاد أحمد وتنقلاته عبر شوارع المدينة وأزقتها وكنت شاهد عيان على مظاهر «صعلكته المتمدنة».. وأشهد لله أني ما رأيته يوما مكرفتا.. محزوقا.. بالعا باكيتة ! ويوم لبس كرافات «بيت الشعر» واجه هجمة شرسة تخفي وراءها ما تخفي من الدسائس والمؤامرات التي تعرض لها الشاعر في حياته.. وأتذكر أنني كتبت عندئذ مقالة مطولة دفاعا عن الشاعر المكرفت تحت عنوان: «كرافات أولاد أحمد.. حكاية الصباح والمساء ويوم الأحد».. وتساءلت: «هل قدّر لأولاد احمد أن «يموت» مشنوقا بكرافات بيت الشعر؟ وهل كتب عليه أن يقضي مصلوبا على ناصية بوابة الغواية الشعرية؟» (مارس 1996). كتب أولاد أحمد: وحده الموت يضمن حق السكن الدائم في التراب.. وحدها العظام تصلح أسمدة للسنبل والنخل وما بينهما.. شبه متيقن كنت.. أما الآن: فعلى يقين من أنهم احترموا الوصية وزرعوني.. في كل شبر من هذه البلاد.. هذه البلاد التي أضيف لها ياء من موتي وأسمّيها: بلادي.. .. فماذا عساي أضيف وقد تمرّد الحرف على القلم؟ ! الثقافة والمسرح وما بينهما وفي الشهر ذاته.. في العشرين منه سنة 2016 رحل الزميل والصديق الكريم أحمد عامر الذي تعود علاقتي به إلى أكثر من أربعين سنة.. فقد عرفته خلال السبعينات وهو يشرف على تنشيط النادي الأدبي بدار الثقافة بجبل الجلود إلى جانب نخب الصمود طبعا.. كان شعلة من النشاط وقد تمكن بفضل حماسه وقدرته على الإقناع ومخزونه الفكري والأخلاقي من استقطاب شباب المنطقة.. وقد ساعد على بعث عدة نواد على غرار نادي المسرح ونادي الموسيقى... وقد تواصلت علاقتنا منذ ذلك التاريخ والى يوم رحيله صافية تعكس معدن ذلك الرجل الذي بقي وفيا لجذوره الجريدية وأخلاق أهله ولم تزده شهرته كإعلامي ومبدع ومؤلف وكاتب إلا تواضعا وقدرة على التفاعل مع محيطه بعفوية الكبار.. وفي الرابع من أفريل من سنة 2017 رحلت المبدعة المسرحية رجاء بن عمار التي بدأت مسيرتها بالمسرح المدرسي والجامعي (خلال الستينات) وساهمت مع المبدعة الأخرى جليلة بكار في تجديد المسرح التونسي (1980) قبل أن تؤسس مع منصف الصايم «مسرح فو» لتستقر بعد ذلك بفضاء مدار قرطاج في منتصف التسعينات. من أهم أعمالها أذكر: ساكن في حي السيدة (1989) الحلفاوين (1990) بياع الهوى (1985) هوى وطني (2005) الخ.. رحلت رجاء وبقي الأثر الوضاء..