رغم إقرار جل المتبقين من الموقعين على وثيقة قرطاج رحيل الشاهد وحكومته في إطار التغيير العميق والشامل فان عددا واسعا من المؤشرات تؤكد أن بقاء رئيس الحكومة ومواصلته العمل على رأس حكومة الوحدة الوطنية أمر وارد جدا رغم الاعتراض الشرس للاتحاد العام التونسي للشغل. مؤشرات ثلاثة، أولها الموقف الصادر عن السفير الفرنسي على إثر جلسة العمل، المنعقدة، صباح الجمعة بدار الضيافة بقرطاج، والتي جمعت رئيس الحكومة يوسف الشاهد بسفراء مجموعة الدول السبع الكبار المعتمدين بتونس وسفير الاتحاد الأوروبي باتريس برغاميني. لقاء اظهر فيه المجتمعون «الطمأنينة» لما اعتبروه مؤشرات ايجابية على المستوى الاقتصادي، موقف لخصه سفير فرنسابتونس أوليفيي بوافر دارفور حيث قال «المؤشرات الإيجابية المسجّلة لا سيما على الصّعيد الاقتصادي، مطمئنة، ومحفّزة على عودة النمو والاستثمار» مضيفا «ثقتنا بالغة في هذه الحكومة لقيادة وإنجاح مجمل الإصلاحات التي وضعتها، بما يجعل من تونس نموذجا مثاليا يحتذى في المنطقة، وفرنسا ستبقى داعما دائما لتونس». وهو ما اعتبره الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، «وصمة عار جديدة لتونس»، مجددّا التأكيد خلال إشرافه نهاية الأسبوع الماضي على أشغال المؤتمر العادي للإتحاد الجهوي للشغل بمنوبة، على أن تونس «حرّة ومستقلّة» وهي رسالة واضحة حاول من خلالها الاتحاد إلزام سفير فرنسا بالحياد السياسي وعدم التدخل في الشأن الوطني سيما وان تعليق السفير الفرنسي جاء 48 ساعة قبل لقاء قرطاج، كما انه موقف من شانه أن يعطي نفسا جديدا للشاهد وحكومته في الوقت الذي حاصرته «لاءات الاتحاد». أما المؤشر الثاني فقد حمله نداء تونس الذي غير تكتيكه الحزبي تجاه الشاهد وحكومته فبعد أن طالب بإنهاء مهام رئيس الحكومة وفريق عمله عاد النداء ليعدل أوتاره السياسية حيال المسالة، اذ انه وبعد نحو 24 ساعة من موقف القيادي خالد شوكات «هناك حاجة لإحداث تغيير عميق يحسّن أداء العمل الحكومي والقيام بالإصلاحات الضرورية.. ويجب أن يكون التغيير فعليا وليس صوريا» خرج الناطق الرسمي باسم الحزب منجي الحرباوي ليؤكد « ان كل ما يهم النداء اليوم هو الخروج بالبلاد من الوضعية والأزمة الحقيقة التي جاءت نتيجة تأجيل تقديم حلول ناجعة من اجل القيام بإصلاحات عميقة . وقال الحرباوي في تصريح ل»الصباح نيوز» إن الوضع اليوم في تونس صعب كما أن الوضع الإقليمي متقلب موضحا أنهم مع شركائهم في وثيقة قرطاج يرون انه من الضروري اتخاذ الحلول الممكنة وتقديم تنازلات من اجل إنقاذ البلاد مؤكدا أن نداء تونس منفتح على الجميع . وبالنسبة لموقفهم من التحوير الوزاري وهل أنهم متمسكون بيوسف الشاهد، قال الناطق باسم النداء ان الإطار الذي يتحركون ضمنه هو مصلحة البلاد بغض النظر عمن سيحل الأزمة.» ويأتي هذا الموقف ليكشف عن تخلي النداء عن طابعه الحاد تجاه الشاهد أولا وتجاه بعض من وزرائه ومستشاريه ثانيا، ويظهر التكتيك الجديد للنداء استعداد الحزب لتقديم تنازلات في ظاهرها»مصلحة البلاد» كما أشار الحرباوي الى ذلك وفِي باطنها محاولة لاستمالة حركة النهضة التي لا تزال تعارض المس بالشاهد قبل الكشف عن خارطة الطريق التي تتبناها وثيقة قرطاج 2 ويأتي الموقف الجديد للنداء والحامل لتنازلات ممكنة بعيد أيام قليلة من انطلاق الحديث عن رؤساء البلديات سيما البلديات الكبرى منها. ثالث المؤشرات هو الموقف المفاجئ للرئيس الباجي قائد السبسي خلال افتتاحه أشغال اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج بداية هذا الأسبوع والذي رفض الحديث عن التحوير الحكومي مكتفيا بدعوة الجميع إلى ضرورة ضبط الأولويات والتزام الحكومة بذلك شريطة التنازلات». تنازلات، وان لم يحدد رئيس الجمهورية ملامحها، أو الجهة الملزمة أكثر بالتنازل، فان الشاهد وحكومته أيضا ملزمان بالتنازل والذي لن يكون اقل من أن يعلن الشاهد عدم ترشحه للاستحقاق القادم وهو ما طالبت به حركة النهضة منذ أوت الماضي، وهو ما قد يقلل الضغط على نداء تونس ومديره التنفيذي حافظ قائد السبسي الذي بات في منافسة على «باتيندة» الحزب مع الشاهد . هكذا إعلان من شانه أن يجنب الجميع مجهودات جبارة في البحث والنقاش عن رئيس جديد للحكومة ومنها إلى الوزراء خاصة إذا علمنا أن العمر الافتراضي لما تبقى من الحكم هو 20 شهرا. خيارات بقاء الشاهد على رأس الحكومة مفتوحة، ورحيله أيضا ممكن جدا، فكيف سيتعاطى الاتحاد العام التونسي للشغل مع وثيقة قرطاج 2 في حال خالفت حسابات الحقل حسابات البيدر وبقي الشاهد؟