بالتزامن مع فتح باب الترشيحات من جديد لعضوية المحكمة الدستورية، تواجه المبادرة التشريعية المتعلقة بتنقيح القانون المنظم لهذه المحكمة صدا كبيرا تحت قبة البرلمان خاصة من قبل نواب المعارضة. وبعد تعبير جل نواب لجنة التشريع العام عن رفضهم هذه المبادرة التي اقترحتها الحكومة فإن مصيرها على ما يبدو سيكون في الرفوف مثل مصير مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، وربما ستقرر اللجنة ارجاعها الى الحكومة. ولئن فسر وزير العدل غازي الجريبي أمام اللجنة أن الهدف من مشروع القانون الجديد هو تجاوز حالة الانسداد التي يمكن أن تحصل مرة أخرى بمناسبة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من قبل مجلس نواب الشعب، فإن هذه التعلة لم تجد آذانا صاغية، وتعرض المشروع الى انتقادات لاذعة، وقال جل النواب إنه من غير اللائق أن يتم تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في منتصف الطريق، وإنه من غير المنطقي أن يقع انتخاب عضو بأغلبية الثلثين أي بمائة وخمسة واربعين صوتا وبقية الأعضاء بمائة وتسعة أصوات. كما بين العديد من نواب اللجنة أن الأدهى والأمر من كل ذلك هو أنه في صورة النزول بالأغلبية المطلوبة في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية فإنها ستكون أقل قيمة في نظر المهتمين بالشأن العام من الهيئات الدستورية المستقلة التي يتم انتخاب أعضائها بالأغلبية المعززة رغم أن المحكمة الدستورية تتمتع بصلاحيات كبيرة وخطيرة من مراقبة دستورية تعديل الدستور، و مراقبة دستورية المعاهدات، و مراقبة دستوريّة مشاريع القوانين، ومراقبة دستورية القوانين، ومراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، بل بإمكانها ان تصدر قرارا يقضي بعزل رئيس الجمهورية في صورة ثبوت خرقه الجسيم للدستور. تصعيد بعد تأكدهم من تمسك وزير العدل بتنقيح قانون المحكمة الدستورية لوح نواب المعارضة من كتلتي الجبهة الشعبية والديمقراطية بالتصعيد في صورة اقدام مجلس نواب الشعب على تنقيح قانون لم يطبق بعد، وقالوا إن هذا التعديل يدل على رغبة الائتلاف الحاكم في وضع اليد على المحكمة الدستورية وتعيين من تراه مناسبا لها. ولعل المثير للانتباه هو ان هناك من نواب الائتلاف الحاكم أنفسهم من تبنوا نفس هذا التفسير، وبينوا أن تغيير الاغلبية المطلوبة في انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية سيؤدي آليا الى تمرير الأعضاء المرشحين من قبل كتلة نداء تونس وكتلة النهضة فقط.. ويشار إلى أن مشروع القانون المعروض على أنظار اللجنة والذي طلب مكتب مجلس نواب الشعب استعجال النظر فيه، يتمثل في تنقيح الفصل الحادي عشر من مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية، وبمقتضاه يعين مجلس نواب الشعب أربعة أعضاء لهذه المحكمة ولكل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب، أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابية يساوي عددهم أو يفوق سبعة نواب الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون. وينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه. وإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة فيما بقي من نقص، يتمّ المرور إلى دورة جديدة يتمّ فيها انتخاب بقيّة الأعضاء بالاقتراع السرّي بالأغلبية المطلقة. وفي صورة عدم اكتمال العدد المستوجب من الأعضاء، يتمّ تدارك النقص في دورة أخرى بالمرشحين المحرزين على أكبر عدد من الأصوات، مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه. وفي صورة التساوي في عدد الأصوات المتحصل عليها، يصرح بفوز الأكبر سنّا. كما نص مشروع القانون المعروض على اللجنة على تعديل الفصل الثاني عشر المتعلق بانتخاب أربعة اعضاء للمحكمة الدستورية من قبل المجلس الاعلى للقضاء.. وأثار هذا الفصل بدوره جدلا كبيرا حول أسبابه لأن المجلس الاعلى للقضاء لم ينتخب بعد أعضاء المحكمة الدستورية ولم يحصل فيه نفس التعطيل الذي حصل تحت قبة البرلمان وبالتالي لا يوجد على حد قول النواب أي موجب لهذا التعديل الا اذا كانت الأغلبية البرلمانية تراهن على حالة الانقسام الموجودة في المجلس الاعلى للقضاء وتريد تعبيد الطريق أمام شق على حساب الشق الآخر لينتخب الأعضاء الذين يروقون له. وبمقتضى هذا الفصل يعين المجلس الأعلى للقضاء أربعة أعضاء ولكل مجلس قضائي الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون. وتحدث لدى المجلس الأعلى للقضاء لجنة خاصة تتكون من رؤساء المجالس القضائية الثلاثة توكل لها مهمة التثبت في توفر شروط الترشح من عدمها. وتنتخب الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي أعضائها أربعة أعضاء، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون، وإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة، يتمّ المرور إلى دورة ثانية يتمّ فيها انتخاب بقيّة الأعضاء بالاقتراع السرّي بالأغلبية المطلقة. وفي حالة عدم اكتمال العدد المستوجب من الأعضاء، يتمّ تدارك النّقص في دورة ثالثة بالمرشّحين المحرزين على أكبر عدد من الأصوات، مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه وفي صورة التساوي في عدد الأصوات المتحصل عليها، يصرح بفوز المترشّح الأكبر سنّا. وتتكون المحكمة الدستورية من 12 عضوا ينتخب مجلس نواب الشعب اربعة أعضاء ويعين رئيس الجمهورية اربعة أعضاء وينتخب المجلس الاعلى للقضاء أربعة اعضاء. وينتظر ان تقدم الكتل البرلمانية اسماء مرشحيها للمحكمة الدستورية قبل موفى يوم الجمعة القادم. وستتولى اللجنة الانتخابية القيام بعملية فرز الملفات خلال الفترة الممتدة من يوم 28 الى 30 ماي الجاري. وسبق لمكتب مجلس نواب الشعب أن قرر عقد جلسة عامة لانتخاب الثلاثة أعضاء المتبقين يوم الخامس من جوان المقبل. وكان المجلس فشل في انتخاب حصته كاملة خلال ثلاث دورات انتخابية، ولم يتمكن سوى من انتخاب عضوة وحيدة وهي روضة الورسيغني مرشحة كتلة نداء تونس، ونظرا لأن الاقتراع سري فإن هناك من النواب من خانوا العهد ولم يحترموا التوافقات التي وقع رؤساء كتلهم عليها والتزموا بها، فتسببوا بذلك في تعطيل تركيز المحكمة الدستورية.