ارتفعت أسعار النفط منذ مطلع 2018 بنسبة 18 %، ولامست منذ يومين فقط حاجز ال80 دولارا للبرميل. ارتفاع يؤثر سلباً على الدول المستوردة للمحروقات باعتباره يرفع معدل التضخم ويخل بميزان المدفوعات، وقد يقود إلى أزمات لعملات بعض الدول الضعيفة مالياً.. وحال بلادنا ليست ببعيدة عن حال هذه البلدان المعرضة أكثر من غيرها إلى خطر تفاقم عجز موازناتها المالية.. وحسب خبراء النفط في العالم فإن ارتفاع سعر البترول في العالم والذي تخطى مستويات لم يصل إليها منذ 2014 حدث لسببين، السبب الأول تحسن نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي ارتفع الطلب على الخامات، والثاني يعود إلى التوتر الجيوسياسي والمواجهة العسكرية في سوريا والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران.. تداعيات ارتفاع أسعار برميل النفط في العالم على الاقتصاد التونسي إذا استمر على هذه الحال ستكون وخيمة من ذلك التقديرات الأولية والتي جاءت على لسان وزير الطاقة والمناجم، وأيدها خبراء في الاقتصاد تشير إلى أن حاجيات الدولة لسد نقص الميزانية تفوق 2100 مليون دينار.. برمجت الحكومة ميزانية 2018 على أساس سعر برميل النفط ب54 دولارا لكنه قفز خلال الأسبوعين الأخيرين بصفة مفاجئة ليصل إلى أكثر من 78 دولارا، علما أن الدولار الواحد زيادة لسعر برميل النفط يكلف ميزانية الدولة 120 مليون دينار.. وكان مهدي بن غربية الوزير المكلف بالعلاقة في حكومة الشاهد قد حذر في مقال له نشر في جريدة «المغرب» منذ يومين من ان منظومة الدعم ستتأثر كثيرا بسبب ارتفاع سعر برميل النفط والذي سيؤدي إلى دعم إضافي بأكثر من 1500 مليون دينار تضاف لل1500 مليون دينار المرصودة في ميزانية 2018، وقال إن الأمر «يقتضي إيجاد حل هيكلي لتوجيه الدعم لمستحقيه»، وفق تقديره. المحير في الأمر، أن الميزان الطاقي في تونس يعاني بطبعه من خلل كبير نتيجة تراجع الإنتاج المحلي من النفط من نحو 80 ألف برميل يوميا سنة 2010 إلى حوالي 40 ألف برميل يوميا فقط حاليا (بعد أن كان هذا المعدل قدر ب45 ألف برميل يوميا خلال نفس الفترة من السنة الماضية) مقابل ارتفاع الطلب على الطاقات التقليدية، وفقا لبيانات نشرها مؤخرا المعهد الوطني للإحصاء. خياران أحلاهما مر.. ويفهم من كلام بن غربية، أن الحكومة ليست لها خيارات كثيرة لمواجهة تفاقم عجز الميزانية، الذي يأتي بنسبة كبيرة منه من ارتفاع سعر البترول عالميا، فإما الرفع في أسعار المحروقات محليا عبر آلية التعديل الآلي التي أنتجت إلى حد الآن ثلاث زيادات متتالية، آخرها كانت في شهر مارس الماضي وهو أمر قد يتسبب في مزيد من التضخم (نسبة تضخم قياسية سجلت في شهر أفريل بواقع 7.7 بالمائة) وقد يتسبب في شكل غير مباشر في الضرر بالطبقات الوسطى والمهن الحرة خاصة في قطاع النقل والمؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة ويخلق أزمات اجتماعية وربما سياسية.. أما الخيار الثاني فهو اللجوء مجددا إلى الاقتراض الخارجي مع ما يعنيه ذلك من صعوبات أمام تونس حاليا للخروج إلى السوق المالية والضغوطات المسلطة عليها من كبار الممولين على غرار البنك الدولي وصندوق النقد وحتى الاتحاد الأوربي والتي تطالب بنسق أسرع لما بات يعرف بالإصلاحات الكبرى وهي من اعقد الملفات السياسية خلافية.. كما أوصت الحكومة التونسية برفع الدعم تدريجيا وإقرار تعديلات دورية على أسعار المحروقات وخاصة وقود السيارات والعربات.. فرغم نسبة النمو الايجابية المحققة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية (2.5 بالمائة) ووجود مؤشرات على بداية تعافي الاقتصاد وتحسن الميزان التجاري، إلا ان تواصل ارتفاع سعر البترول وعدم وجود توقعات بتراجعه حتى نهاية السنة الحالية قد ينسف أية بوادر أمل في انتعاشة اقتصادية سريعة وصلبة، وقد يزيد في النهاية انهيار الدينار امام العملات الرئيسية وخاصة الدولار ( 1 دولار= 2.51 دينار وفقا للمعدلات المسجلة يوم 17 ماي 2018) وتهاوي مخزون الاحتياطي من العملة الصعبة في الخزينة المركزية (74 يوما فقط وفقا لبيانات محينة للبنك المركزي التونسي)، علما ان الحكومة وضعت هدفا في ميزانية 2018 بعدم تجاوز نسبة العجز الميزانية 4.9 بالمائة، لكن هذا الهدف بات الآن على المحك وصعب التحقيق.. تداعيات وخيمة ويعتبر الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة، في مقال له منشور في القسم الاقتصادي لجريدة «الصباح» أن الفرضيات التي بنيت عليها توازنات قانون المالية كانت خاطئة وغير واقعية وقال إنه كان من بين الخبراء الذين نبهوا من عدم واقعية فرضية معدل 54 دولارا للبرميل عند إعداد ميزانية 2018، مما سيجبر الحكومة على تحيين هذه الفرضية عبر التطبيق الآلي للأسعار وإعداد قانون مالية تكميلي، وبالتالي سيساهم في تدهور المقدرة الشرائية للمستهلك وفي زيادة نسبة التضخم وتعميق عجز ميزانية الدولة.. ومن تداعيات الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات أن وزارة النقل وافقت قبل أيام على مراجعة أسعار النقل العمومي غير المنتظم للأشخاص وأقرت زيادة بنسبة 13 في المائة نتيجة الضغوط التي سلطها أصحاب التاكسي الفردي، والنقل الجماعي الريفي والتاكسي السياحي وسيارات الأجرة والتاكسي الجماعي. وأرجأت وزارة النقل تطبيق هذه الزيادات إلى بداية شهر جويلية المقبل، وفتحت أبواب مراجعة الأسعار المعتمدة في عدد من الأنشطة الاقتصادية المعتمدة على أسعار المحروقات على غرار الكهرباء والغاز والنقل العمومي للمسافرين..