بعد أن خفّت نسبيا طيلة شهرين بعد إصدار مجلس النواب في جلسة عامة مثيرة قرارا برفض التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة لسنة إضافية، ها أن الجدل السياسي- القانوني يعود من جديد بشأن قانونية قرار البرلمان المطعون فيه وأيضا بشأن تمسك مجلس الهيئة بالتمديد لنفسها حتى ديسبمر 2018. وجاءت مراسلة رئاسة الحكومة للهيئة أول أمس تعلمها فيها بانتهاء مهامها رسميا يوم 31 ماي الجاري لتؤكد أن قرار مجلس النواب دخل فعلا حيز التنفيذ.. وطالبت رئاسة الحكومة في مراسلتها الهيئة بتسليم تقريرها الاداري والمالي للرئاسات الثلاث حسب ما ينص عليه قانون عملها كما طالبتها بتسليم وثائقها الى الأرشيف الوطني وإنهاء إلحاق كل الموظفين الذين ألحقوا بالهيئة والعودة الى مواقعهم الإدارية السابقة. مراسلة عجّلت بعقد الهيئة جلسة طارئة لمناقشة المراسلة الحكومية والرد عليها. ويبدو أن الهيئة تتجه إلى التمسك مجددا بقرار التمديد في عملها حتى ديسمبر المقبل. لم تفلح تحركات منظمات المجتمع المدني في التصدي لقرار البرلمان رفض التمديد لعمل الهيئة لسنة اضافية، آخرها اللقاء الذي جمع وفد عن إئتلاف المجتمع المدني للدفاع على مسار العدالة الإنتقالية أول امس بلجنة شهداء وجرحى الثورة. كما لم تفلح دعوات منظمات دولية على غرار منظمة "هيومن رايس ووتش" التي أصدرت قبل أسبوعين تقريرا مطولا يدعو فيه السلطات التونسية إلى تسهيل عمل هيئة الحقيقة والكر امة والتمديد في عملها ورفع التضييقات التي تمارس عليها من اجل اتمام مسار العدالة الانتقالية. كما وجه المقرر العام الخاص للأمم المتحدة (المعني بتكريس الحقيقة وجبر الضرر وتعزيز ضمانات عدم التكرار) في 30 افريل 2018 توصيات وملاحظات حول هيئة الحقيقة والكرامة وطالب فيها السلطات التونسية باحترام استقلالية الهيئة والسماح لها في التمديد في مدة عملها. وكانت النائبة يمينة الزغلامي (كتلة النهضة) طالبت أمس خلال جلسة عامة بالاطلاع على نص مراسلة قالت إن رئيس مجلس النواب وجهها الى رئاسة الحكومة بخصوص التصويت على عدم التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة، وتساءلت "كيف اعتبر رئيس المجلس تصويت البرلمان قانونيا والحال انه غير ذلك وكيف قام بمراسلة رئاسة الحكومة وهل كان ذلك القرار فرديا أم انه كان مطالبا بعرض الأمر على مكتب البرلمان؟". ويؤشر موقف الزغلامي الرافض لقرار رفض التمديد المتخذ في جلسة عامة بتاريخ 26 مارس 2018 لعودة الجدل القانوني والسياسي بشأن احقية مجلس النواب في التداول بشأن قرار التمديد الذي اتخذته الهيئة لنفسها حتى نهاية العام الجاري تأويلا للفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية. بدوره صرح عضو هيئة الحقيقة والكرامة، عادل المعيزي، أمس ل(وات)،أن الهيئة ستواصل أعمالها إلى غاية يوم 31 ديسمبر 2018، كما قرر مجلسها في شهر فيفري الماضي. سجال قانوني وصراع سياسي يذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة أصدرت في فيفري الماضي قرارا بالتمديد في عملها سنة اضافية استنادا إلى الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، وتحوّل النقاش إلى سجال قانوني وصراع سياسي حاد في أورقة البرلمان على خلفية اختلاف بين الكتل النيابية في قراءة نفس الفصل ودور السلطة التشريعية في إقرار التمديد لعمل الهيئة من عدمه، وانتهت بجلسة عامة درامية مثيرة تخللتها نقاشات حادة بين النواب تطورت إلى تشابك بالأيدي وتبادل للتهم.. وتعود بدايات تشكل الخلاف السياسي في شأن هيئة الحقيقة والكرامة منذ انطلاق عملها قبل ثلاث سنوات وتحديدا مع بروز خلافات عميقة بين أعضاء مجلسها المنتخبين بخصوص طرق التصرف المالي والإداري وإدارة ملفات العدالة الانتقالية من قبل رئيسة الهيئة تلتها استقالة بعض الأعضاء وإقالة البعض الآخر.. وكانت الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 26 مارس 2018 شهدت تصويت 68 نائبًا فقط ضد قرار التمديد واحتفاظ نائبين، بعد انسحاب نواب كتلة حركة النهضة والكتلة الديمقراطية قبل بدء التصويت، احتجاجا على ما اعتبروه تجاوزات شكلية وقانونية تطعن في شرعية انعقاد الجلسة ونتائجها القانونية. قرار غير مفهوم لم يحسم قرار المحكمة الإدارية الصادر في 26 مارس 2018 في قضيتي طعن الأول في أحقية الهيئة في اتخاذ قرار التمديد لنفسها دون العودة إلى البرلمان، وفي أحقية مكتب مجلس النواب احالة النظر في قرار التمديد على الجلسة العامة، الجدل القانوني بشأن تأويل الفصل 18، فصيغة القرار حمّال أوجه وقابل للتأويل والفهم وفق منظور كل فريق، فهو لم يناصر لا الفريق المساند لطلب الهيئة في تمديد مهامها ولم يقدح في قراءات الفريق الرافض للتمديد وخاصة في أحقية مجلس النواب في النظر أصلا في قرار التمديد من عدمه. وقالت المحكمة: "إن القرار المنتقد صدر في نطاق الصلاحيات المخولة إلى مجلس الهيئة ولا يشكل تعديا على إختصاص المجلس المكلف بالتشريع الذي يحتفظ بكامل صلاحياته بالنظر في قرار مجلس الهيئة التمديد في مدة عمله". يذكر أنّ هيئة الحقيقة والكرامة بدأت عملها منذ 6 جوان 2014 واضطلعت بمهام تحقيق العدالة الانتقالية في تونس وملف انتهاكات حقوق الإنسان في الفترة الممتدة من 1955 إلى حدود عام 2013. وقامت خلال فترة عملها بعقد أكثر من 49 ألف جلسة استماع سرية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من أصل أكثر من 62 ألف ملف مودع لديها من بينها 21 ألف ملف يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. كما قامت بعقد 13 جلسة استماع علنيّة تم الاستماع خلالها ل93 شاهدا في ملفات تتعلّق بجرائم وانتهاكات طالت ضحايا القمع السياسي في تونس. تواصل مسار العدالة الانتقالية مسار العدالة الانتقالية لن يتوقف بتوقف نشاط الهيئة لكنه يستمد تواصله من التوصيات ونتائج عمل الهيئة الملزمة بإصدار تقريرها النهائي والشامل قبل نهاية فترة عملها القانونية، ومن خلال الأحكام الانتقالية المضمنة بالقانون الأساسي للعدالة الانتقالية وخاصة الفصلين 68 و70 من نفس القانون. وكانت رئاسة الحكومة قد أصدرت الأمر المتعلق بضبط طرق تنظيم صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد وتسييره وتمويله في 2 مارس 2018. وقد تم رصد 10 مليون دينار لفائدة الصندوق مع إمكانية تمويله من موارد أخرى مثل نسبة من الأموال المتأتية من القرارات التحكيمية الصادرة عن لجان التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة والهبات والتبرعات.. كما نص الأمر على تشكيل لجنة حكومية تتصرف في الصندوق تترأسها رئاسة الحكومة من ضمن صلاحياتها "طلب معلومات ولها الحق في الاطلاع على الوثائق التي تمكنها من القيام بأعمالها". رفيق بن عبد الله