اعترف بأنني لم افاجأ بالبضاعة الفرجوية التي عرضتها علينا قنواتنا التلفزية في شهر رمضان ولم اجد تفسيرا للقول بحصول خيبة لدى المشاهدين !.. فما شاهدناه ونشاهده هو من توابع الكوارث التي عشناها على امتداد السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.. والطامع في العسل من "الفرززو" لا ينال سوى اللسعات الموجعة !.. من زرع.. حصد.. قد يبدو كلامي غريبا وخارجا عن سياق ما يدور هذه الأيام في اللمات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وما يكتب حول المقترحات الرمضانية لقنواتنا التلفزية.. لذلك أقول ان ما نحصده اليوم زرعناه بالأمس! كم قلت وكررت بمعية البعض من المهتمين بهذا الشأن ان مرآة التلفزة تعكس الوجه المجتمعي وان ما يجري على الأرض ينعكس على اضوائها واجوائها.. والنتيجة فان مستوى المادة التلفزية من مستوى الحوار الاجتماعي والتواصل المدني ،بمعنى آخر ،إن مستوى معروضات تلفازاتنا يجسم مستوى لغة المجتمع وما وصلت اليه من رداءة وسفالة! لقد عشنا في السنوات الأخيرة هبوطا حادا في ثقافة التحاور والتواصل بين الافراد ومختلف الفئات.. ويكفي ان نستذكر البعض من المدوّنة اللغوية المستعملة حتى في ارقى مستوى لندرك حقيقة الهوة التي اوقعنا فيها سادة الكلام وهواة الخصام! لقد أصبحت العبارات الخادشة للسمع بضاعة رائجة في جل المنتديات واقتحمت حتى الفضاءات المحروسة على غرار مجلس النواب.. بدأ المعزوفة الأولى نائب التأسيسي القصاص واخد عنه المشعل بعض نواب البرلمان الذين اغنوا المدونة بعبارات لا تمحى على غرار"هزان الساقين" و"الرجولية" و"الكارثة الرئاسية" الخ.. هذه المفردات وغيرها ساهمت ولا تزال في نشر ثقافة العنف اللفظي الذي يؤدي أحيانا الى ما هو اشد واعنف. واذا اضفنا الى كل هذا ما يأتيه بعض "العقلاء" ممن اصطفيناهم ليكونوا اصواتنا وعقولنا وصفوة مجتمعنا.. من تصرفات وخروقات في علاقاتهم بمحيطهم ندرك جذور الفوضى والرداءة اللتين تزحفان على وسائل الاعلام المرئية على وجه الخصوص والتي أصبحت تحت تأخير ما ذكرنا تتصرف كناطقة رسمية لممارسي العنف المعنوي والمادي. لاحظوا كيف تهرول جل القنوات بدعوى اصطياد الاخبار وتغطية الاحداث الى ابراز ابسط الاحتجاجات وكأنها احداث مهمة تستحق التغطية والتركيز محليا وعالميا. اذ يكفي ان يقف نفران وسط الطريق ويرددان شعارات معينة لتهب الكاميرات ومن معها.. تصور وتحاور.. والآخر يردد "سنصعّد.. و.." ! تلك العناية الفائقة التي تلقاها مثل هذه التحركات مع ضمان الرواج جعلت هذا السلوك ينتشر في كل الجهات.. فكم مرة أوقف قطار الفسفاط.. ووقع قطع الطرقات الذي اصبح خبزا يوميا مرا يعانيه أصحاب السيارات والمسافرون الخ..؟ ! لقد اصبح متاحا لأي فرد ان يوقف سير العمل او يعطل سير الدروس او يوقف حركة النقل.. والقنوات تنقل تلك الاحداث على انها بطولات.. ديمقراطية!.. ويجد احدهم ما يكفي من "الذكاء" الشعبوي ليصفها بالتحركات.. السلمية! هكذا اذن! ولا يمكن ان اختم هذا العرض الخاطف للأسباب المؤثرة في تلفازاتنا من دون التعرض الى العرض الاستثنائي الذي قدمه ثنائي النواب عند حضورهما المقابلة التي جمعت بين اتحاد بن قردان وقوافل قفصة.. اذ لم يكتفيا بالفرجة بل نزلا الى الميدان ووضعا نفسيهما في قلب الاحداث التي جدت وادت الى توقف المباراة! ومهما كانت التبريرات فان هذا التصرف يبقى قابلا للتأويل خاصة وانهما لم يتعودا متابعة المباريات الكروية وقد اكد احدهما انه يحضر لأول مرة في حياته مباراة كرة القدم.. وهذا يعني ان في حضوره وزميله "إنّ" و"مهمة! !" لكل هذا وغيره أعيد القول بان المواد المعروضة على تلفازاتنا بما فيها منوعات "البوز" والمسلسلات والستكومات ليست سوى رجع لصدى ما يحدث في المجتمع الذي اصبح يميل الى صنع البطولات الوهمية وضرب قواعد التعامل والتواصل والخروج عن المألوف وان لزم باستعمال "البونية والكفوف"! صور وعناوين بلا مضامين هذه الفوضى العارمة انعكست على الاعمال الرمضانية المقترحة على المشاهدين من قنواتنا المختلفة.. ولعل الملاحظة العامة التي تنطبق على جميعها انها أي الاعمال تلتقي في السطحية والخواء فيما ذهب بعضها في اتجاه الاثارة واصطياد "البوز" الذي خرج من انوفنا.. فمحطة "علي شورب" استوقفت الكثيرين حتى قبل الوصول اليها بالاعتماد على الاسم الذي اشتهر في ستينات القرن الماضي بصعلكته الاجرامية.. وقد تعددت الآراء بشأنه.. الا ان الثابت ان أصحاب العمل لم يكن لديهم الا هدف واحد.. استغلال "الشهرة السوداء" للمعنى فقط لا غير ولم يتمكنوا من تصور عمل مكتمل الاضلع.. (الموضوع والابطال.. والوسيلة). لذلك تلخصت العملية في استعراض بعض الاحداث التي ارتبطت بعلي شورب مع اهمال بقية العناصر وخاصة على مستوى اختيار البطل.. اما "شالوم" فتلك مسألة وراءها هموم وغيوم لا نود الخوض في تفاصيلها. واتوقف عند هذه الملاحظات لعدم الرغبة في خوض غمار المساجلات حول احقية الموضوع بالإنتاج والعرض بالإضافة الى الجوانب الأخلاقية التي تبدو لبعضهم محددة لقيمة العمل فيما يرى اخرون ان بين العمل الفني والواقع بكل ضوابطه مسافة ! ومن "التاسعة" نتجه الى "الحوار التونسي" التي تهتم اكثر من غيرها بمسألة نسب المشاهدة.. فمن مقترحاتها "دنيا أخرى" في جزئه الجديد.. وليس من المبالغة التأكيد بان هذا الجزء يمثل الضربة القاضية لهذا العمل.. فما يعرضه علينا كريم وبسام والصادق حلواس ومن لف لفهم مجرد لوحات خاوية الا من الشتم واللكم والعنف بكل اشكاله ولا نعثر على خيط واحد يوصلنا الى انه العمل وعقدته. لقد عول أصحاب العمل على الأسماء بحكم حرفيتها وما تتمتع به من شعبية ليضحكوا على ذقون المشاهدين.. وبدل الكف أقول للجماعة.. كفى.. ستوب! واصل الى "تاج الحاضرة" الذي أراده سامي الفهر انقلابا على نفسه أولا وعلى عادات القناة ثانيا من حيث نوع العمل.. فبعد النجاح النسبي دائما الذي عرفته بعض الاعمال التي قدمها سواء كمؤلف او كمخرج اختار سامي هذه المرة اقتحام التاريخ من خلال مسلسل "تاج الحاضرة".. وفترة البايات والثورات المحلية الخ.. كعادته عول الفهري على عنصر الابهار الذي يعتمد جمال الصورة والملابس والديكور.. وقد نجح في ذلك الى حد كبير.. الا ان ذلك لم يبدد ما لحق العناصر الأخرى من تجاهل قد يصل الى حد الاتهام بالجهل. ان من اهم مقومات الاعمال ذات الصبغة التاريخية ان تعتمد البحث في المراجع ذات المصداقية والتدقيق في الاحداث والشخصيات.. وهذا ما يبدو غير ثابت في "تاج الحاضرة"... هذا من جهة.. ومن جهة أخرى لقد تمثل العمل في استعراض لمواقف متعددة في غياب خيط درامي رابط يجعل المتابع يمسك بلب المسألة ليصل الى النهاية.. وهذه نقطة محورية في العمل الدرامي الذي يتطلع الى شد المشاهد ومتابعته له. وعلاوة على ذلك فان توزيع الأدوار لم يكن موفقا بنسبة اخلت بتوازن الأداء الجماعي... مع الملاحظة ان سامي بقي اسير المجموعة التي عملت معه في اعمال سابقة ولم يطعمها الا بنسبة ضئيلة وهذا ينطبق على "تاج الحاضرة" وجل اعمال القناة. واختم بالحديث المقتضب عن "الوطنية" التي لم تستطع مرة أخرى التخلص من قيودها فعادت الى الماضي القريب وقامت بتخليص "فاميليا لو" من الإقامة الجبرية بعد ثلاثة مواسم من الزجر والمنع.. وسنعود لاحقا لتشريح هذا العمل.. اما ما تبقى فلا يستحق الذكر! زقزقة: تفريكة قال خبر صحفي: جديد "حنبعل".. تفريكه للهزل والضحك.. ** قالت العصفورة: فعلا.. هي تفركية لرمانة "حنبعل" التي فقدت البوصلة بتقديم مثل ذلك العمل الذي يهرج ولا يفرج.. ويضيف الى شبكة القناة حلقة أخرى من الهزل والابتذال.. الفرجة أصبحت هرجة ومرجة في زمن التفريك والتكوميك..