لا يزال حزب نداء تونس يصر على انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام بالدعوة إلى تقديم مقترح بسحب عدد من وزرائه من حكومة الوحدة الوطنية مما سيحولها إلى حكومة تصريف أعمال وهو ما عمل على تأكيده القياديون بالحزب منجي الحرباوي وخالد شوكات، وقد أوغلت ردة فعل النداء في التعنت بشكل رسمي بعد إعلانه من جانب واحد نهاية حكومة الوحدة الوطنية وتحولها إلى عنوان أزمة سياسية وفق بيان للحزب صادر عن المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي أول أمس الاثنين بعد ان فشل الحزب في فرض المسارات الموازية لمجلس نواب الشعب. ولئن بدا الحزب في اتخاذ إجراءاته في إبعاد رئيس الحكومة فقد لازم يوسف الشاهد وفريق عمله الصمت الى حد الآن منتهجا في ذلك سياسة «الانحناء حتى تمر العاصفة» وكان هناك مفاجأة في الأفق وفق بعض التقديرات السياسية. ورغم الحرص الظاهر على مسالة الاستقرار والتوافق الاجتماعي والسياسي فان بيان النداء أول أمس لم يشر في نقاطه الأربعة إلى إمكانية التجاء الحزب إلى البرلمان لفرض تغيير الشاهد بشكل ديمقراطي من داخل مجلس نواب الشعب الذي يبقى المؤسسة الوحيدة التي ستحدد مصير الشاهد وحكومته وهو ما أكده رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. وإذا ما افترضنا جدلا توافق الشيخين حول هذه النقطة مقابل رفض النداء والاتحاد الوطني الحر والاتحاد العام التونسي للشغل فان ذلك يدفعنا للتساؤل عن الأسباب الحقيقية لتشبث هذه الاطراف الثلاثة بخيار إقالة رئيس الحكومة من خارج أسوار باردو . خيوط اللعبة السياسية ومن خلال سلسلة المفاوضات والنقاشات التي خاضها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يبدو واضحا انه ورئيس الجمهورية باتا أهم الماسكين بخيوط اللعبة السياسية، مثل هذا الأمر ساعد الغنوشي على توجيه محور النقاشات بشان الشاهد من وثيقة قرطاج إلى البرلمان، في وقت اشتد فيه الضغط على الحركة للتنازل والإمضاء على النقطة الأخيرة من الوثيقة وهي ذات النقطة التي نسفت المسار التفاوضي في جزئه الأول في انتظار استكمال النقاشات والاجتماع حول الوثيقة اثر شهر رمضان وذلك رفضا لإعادة سيناريو رئيس الحكومة السابق حبيب الصيد الذي غادر القصبة نزولا عند رغبة المدير التنفيذي للنداء. وإذا كانت النهضة حريصة على دعم الاستقرار وفقا لمقولات الغنوشي فان لرئيس الجمهورية دوره الأساسي في ضمان دستورية إنهاء او الإبقاء على الحكومة، ليُكذب بذلك كل المقولات التي أحيطت حول شخصه بدعمه لابنه المدير التنفيذي للنداء في إطار التوريث «الديمقراطي» وليغلق بذلك الأبواب امام المزايدات السياسية التي انتهجتها أطراف من داخل الوثيقة نفسها. وقد أثار موقف رئيس الجمهورية والقاضي بالعودة للبرلمان لفض الخلاف السياسي حول مصير الشاهد إعجاب عدد من النواب وقد كتب القيادي بحزب مشروع تونس الصحبي بن فرج «ان الرئيس الباجي قائد السبسي قرر تعليق العمل بوثيقة قرطاج، وإنهاء المسار الموازي الذي تسبب في تعطيل البلاد طيلة أكثر من ثلاثة أشهر بلا جدوى وبلا معنى وبلا غاية أتوجه بالشكر والتقدير إلى الزملاء النواب الذين قاموا بدورهم التاريخي في الحفاظ على الدستور، والعودة إلى المؤسسة الوحيدة التي تعود إليها سلطة عزل وتعيين الحكومات: مجلس نواب الشعب، السلطة الأصلية والمنتخبة فالانتصار في معركة صيانة سلطة الدستور أعاد للنواب مكانتهم وللمجلس اعتباره وللشعب كلمته.» وإذا ما نجح الباجي قائد السبسي في إعادة «الاعتبار» لمجلس نواب الشعب فان حزب نداء تونس ما يزال رافضا تماما الذهاب إلى هذه المؤسسة ذلك ان الحسم في ملف الشاهد انطلاقا من وثيقة قرطاج سيقيه إحراج الذهاب للبرلمان لإدراكه مسبقا عجزه نيابيا عن توفير الضمانات الدستورية لإبعاد رئيس الحكومة قانونيا بعد ان فقد الحزب 1/3 نوابه بعد المؤتمر التأسيسي سنة 2016 وبعد الخلافات الدائرة الآن داخل ما تبقى من الكتلة. تململ داخل النداء وأمام إصرار حافظ قائد السبسي على إبعاد الشاهد وفشله مبدئيا في ذلك بات البعض من الملاحظين يعتبرون قائد السبسي الابن يشكل خطرا على استقرار الحزب واستمراره وهو ما دفع بعدد من النواب بالدعوة الى ضرورة التغيير الجذري داخل الحزب وإعادة صياغة النداء بما هو وعاء جامع لكل أبنائه. وقد أكدت عضو المكتب السياسي للنداء زهرة إدريس ان اجتماع المكتب السياسي أول أمس لم يتضمن كل الأعضاء بل من هم قريبون من حافظ، وأضافت إدريس في تصريح ل»الصباح» ان جزءا من النواب ومن قيادات الحزب يدعمون التغيير الديمقراطي داخل النداء الذي باتت خياراته السياسية نابعة من موقف فئة مصغرة خاصة وان المكتب السياسي لم يجتمع منذ أكثر من سنة وثلاث أشهر وان كل القرارات النابعة عنه تخص حافظ والمقربين منه وتساءلت إدريس عن الأسباب الحقيقية لغياب عدد من القيادات الحزبية على غرار منصف السلامي والأخوين وفاء وقاسم مخلوف. ويبدو ان الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي قد استجاب الى مسالة التغيير من خلال ابعاد «حافظ» عن الواجهة السياسية للحزب وهو ما قد يؤكده اللقاء الذي جمع مؤخرا قائد السبسي الأب بأحد مؤسسي النداء عبد الستار المسعودي الذي كتب «استقبلني الرئيس الباجي قائد السبسي صبيحة هذا اليوم..وكان مستاء من الأزمة السياسية في البلاد.. وعلى الحالة المتردية لنداء تونس ..كان الحوار صريحا ..دون تكلف..ودون «طابوات»..عن العائلة....والمرتزقة الجدد..الذين خربوا النداء.. استمع لي في لحظة صفاء.. وبصدر رحب.. وقلت ما توجب قوله.. كما استمعت لرده وتحليله السياسي.. ووعد بإصلاح ما اعوج.. وما أفسدته الجماعة.. في مفهومها الواسع». ويظهر من خلال ما تقدم ان الخسارة ستلقي بظلالها مجددا على النداء وهو ما سيستدعي الدعوة قريبا إلى المؤتمر الأول للحزب ودخوله في مرحلة الترميم وإعادة البناء دون حافظ قائد السبسي الذي أحرج الرئيس أكثر من خصومه . وبغض النظر عن موقف الوطني الحر الذي يسعى لإبعاد الشاهد ربما «انتقاما» لرئيس الحزب سليم الرياحي بعد منعه من السفر وتجميد أصوله المالية في إطار «الحرب على الفساد» فان «العجيب» هو إصرار الاتحاد العام التونسي للشغل على إبعاد رئيس الحكومة، وتساوي بذلك الاتحاد بما هو مؤسسة جماهيرية بنفس موقف النداء والاتحاد الوطني الحر الذين ترجح التوقعات أنهما سيخسران معركة البرلمان. فموقف الاتحاد بات سياسيا أكثر منه موقف تعديلي وهو ما صنع الفرق بين الاتحاد العام التونسي للشغل الذي صنع ملحمة جائزة نوبل للسلام وقاد البلاد في أصعب المراحل وبين اتحاد تقوده «ديكتاتورية البروليتاريا».