إن مشهد غرق مركب يحمل مجموعة من المهاجرين غير النظاميين في السواحل الجنوبية التونسية مخلّفا عديد الضحايا ليس -على مأساويته- بجديد على التونسيين ولا على العالم. فمنذ سنوات أصبح العالم شاهدا في صمت تقريبا على الكوارث الإنسانية المتكررة التي يذهب ضحيتها سنويا آلاف الضحايا ممن يركبون البحر خلسة ويستقلون ما يسمى بقوارب الموت التي لا تتوفر فيها أبسط شروط الحماية والسلامة، كل ذلك على أمل أن تتاح لهم فرصة أفضل وإمكانية العيش الكريم في الضفة الغنية.. والسؤال إزاء ذلك، متى تخرج المجموعة الإنسانية عن سلبيتها وتقلع عن عادتها في الاكتفاء بالتعبير عن قلقها كلما تكرر مشهد الجثث المتناثرة على الشواطئ بعد أن تكون قد لفظها البحر؟ السؤال كذلك متى تقتنع الأطراف المعنية مباشرة بالهجرة غير النظامية سواء كانت بلدان الاستقبال أو البلدان الموفدة للمهاجرين بضرورة التوصل إلى حلول جذرية تضع حدا للمآسي الناجمة عن ركوب قوارب الموت، فلا المحاولات الزجرية في عرض البحر منعت تكرار مثل هذه العمليات الانتحارية ولا المعاملات القاسية التي يلقاها المهاجرون في دول الاستقبال حالت دون تواصل هذا الطاعون ولا اتفاقيات ترحيل المهاجرين غير النظاميين كانت كفيلة بالتخفيف من حدة المأساة، بل على العكس مازال المهاجرون مصرين على ركوب البحر ومازالت قوارب الموت تتربّص بالباحثين عن الخلاص في الضفة الأخرى. بل نعتقد أن الإصرار سيزيد كلما استفحلت الفوارق بين البشر وكلما حاولت البلدان المحظوظة أن تعلي في أسوارها أكثر وأن تغلق باب الأمل أمام البؤساء في هذا العالم. وإن كنا نتفهم غضب التونسيين الذين عبروا عنه بمجرد انتشار خبر غرق مركب المهاجرين بسواحل قرقنة يوم السبت، على «الدولة العاجزة» عن إيجاد حلول لمشاكل البطالة والمتسببة في دفع الشباب إلى حلول انتحارية على غرار «الحرقة»، فإننا نجدد التأكيد على أن الهجرة غير النظامية ليست قضية دولة موفدة لوحدها أو هي فقط نتيجة اخلالات أمنية في بلدان العبور على غرار بلادنا تونس، وإنما هي شوكة في خاصرة الإنسانية. ثم إن خطورتها لا تقل عن خطورة الإرهاب العابر للقارات الذي هو بدوره مرتبط بشبكات خطيرة دولية تتكون من مروجي الممنوعات والمتاجرين في أرواح البشر أو لنقل تجار الرقيق الجدد. ولئن لا يسمح لنا المجال بالتوسع في الموضوع، فإنه يهمنا أن نقول أن القضية أخطر من أن تلخص في مجرد حلول أمنية وإنما هي قضية متشعبة ومتشابكة وتدخل فيها اعتبارات اجتماعية وثقافية وسياسية كذلك دون أن ننسى استعمال الهجرة غير النظامية كسلاح تحقق من خلالها المجموعات وحتى الدول مصالح خاصة. وللأسف فإن بلادنا ليست في مأمن من هذه العصابات الإجرامية العابرة للقارات التي لا تتردد في استغلال حالة البؤس لدى الشباب بالخصوص، وهي لن تكون في مأمن هي وغيرها من البلدان التي تعيش وضعيات مشابهة، وحتى بلدان الاستقبال التي تصر على اعتبار الحلول الأمنية حلولا كافية لمواجهة قضية الهجرة غير النظامية، في حين أن الواقع اثبت عكس ذلك، لن تكون في أمان ما لم تسع المجموعة الدولية إلى تغيير جوهري في أسلوبها في التعامل مع طالبي فرصة ثانية في الحياة، لم تتوفر في بلدانهم الأصلية.