ما أن تمّ الإعلان عن إقالة وزير الداخلية لطفي براهم من مهامه حتى تزايدت وتيرة الحملات الموجهة ضد الحكومة، والمنادية في البعض منها برحيل يوسف الشاهد حسب ما يطالب به اتحاد الشغل ونداء تونس وتحديدا حافظ قايد السبسي ومن معه من مناصرين.. وتحركت في الجهة المقابلة مناجم الفسفاط بقفصة التي يطالب عمالها بمنحة الإنتاج، منحة انتاج لم يقع انتاجه بدليل ان عدد أيام العمل الضائعة كبير وان المناجم لم تعرف قط على امتداد السنة استمرارية في العمل.. ومع هذه المناورات تحركت بعض الأقلام المأجورة لتتدخل في كل شيء بما في ذلك التدخل في شؤون مؤسسات معينة في محاولة لإظهار فشل هذه الحكومة في شتى المجالات بينما تجندت وسائل اعلام مرئية لشن حملة مباشرة وعلنية في السهرات الرمضانية التي يفترض فيها الابتعاد عن السياسة نحو الدراما والترفيه وغير ذلك... وبصرف النظر عن وجاهة أسباب اعفاء وزير الداخلية لطفي براهم من عدمها، لسائل أن يسأل أليس من حق رئيس الحكومة، مهما كان اسمه وانتماؤه، اقالة وزير في حكومته؟.. هل هناك وزراء معفون من المحاسبة ومن التقييم، واخرون معرضون لشتى أنواع الضغط؟.. وهل يحق لنائب بمجلس نواب الشعب ان يدعو النقابات الأمنية الى رد الفعل حتى لا نقول «العصيان» لإيقاف هذه الإقالة؟ اين هيبة الدولة التي يتحدث عنها مؤسس نداء تونس الباجي قايد السبسي؟ أين هيبة الدولة التي يريد ان «يستبيحها» ما يسمى بالحزب الحاكم من اجل شن حملة على يوسف الشاهد...؟ مهما كانت الأسباب والدوافع التي تقف وراء فوضى الحملات الموجهة، وبصرف النظر عن لطفي براهم ويوسف الشاهد، هل انتهت كل الصعوبات ومشاكل البلاد ليهتم الجميع: سياسيين ومنظمات، بإقالة الحكومة، وابعاد يوسف الشاهد؟ وهل رحيله يحل المشكل ويعيد الأمور الى نصابها ونحن على مرمى حجر منذ سنة 2019..؟ أم ان استعراض العضلات.. أهم من مصلحة البلاد والعباد..؟ الأسئلة عديدة.. والاستفهامات لا تحصى، لكن المؤكد أن الطيف السياسي والمجتمع المدني مورطان في ما يحدث وان مسؤولية عديد الأحزاب والتنظيمات والمنظمات باتت المسؤول الوحيد تجاه عدم الاستقرار الذي تسعى هذه الأطراف الى استمراره من اجل الإطاحة بهذا وذاك.. وتبين أننا نعيش «المزاجية السياسية» في ظل وضع هش وظروف صعبة تعيشها البلاد منذ 2011، وتتحمل النخب السياسية كامل المسؤولية في ذلك، لأنه بهذه «المزاجية» لا يمكن للنمو ان يتحقق ولن يتعافى الاقتصاد، ولا أيضا يستقر الوضع الاجتماعي، فضلا عن ان ما يحدث يقيم الدليل على فشل الطيف السياسي ككل في إدارة شؤون البلاد وممارسة سياسة قائمة على ثوابت معينة من شأنها ان ترتقي بالبلاد الى ما هو افضل.. لوبيات تتحكم في خيوط اللعبة، تعودت على تعيين الوزراء والمسؤولين وممثليها في مختلف الهياكل.. الدولة العميقة تمارس السلطة الفعلية، وما تسمّى بالأحزاب الحاكمة «تشرّع وتنفّذ.. والمقدرة الشرائية تنهار يوما بعد آخر.. عجلة الاقتصاد معطلة، والطبقة الاجتماعية المفقرة تزداد اتساعا، لان الكل مشتغل بالإطاحة «بيوسف في البئر».. هذه حال البلاد.. بلاد نكبتها في نخبتها ولن يستقيم الظل طالما العود أعوج.. طفح الكيل، ولابد من إيقاف نزيف اشباه السياسيين الذين يريدون التحكم في مصير شعب، فقد اصبح لدينا في كل حومة حزب، لكن تسمع جعجعة ولا ترى طحينا ولا نرى أيضا الا انحراف المؤسسات ومراكز القوى بالتعيينات الحزبية.. تكريس المحاصة في مختلف المجالات والحكومات المتعاقبة ظل مثل رجال المطافئ، لم يقدر على تنفيذ برامجها، ولم يعرف الاستقرار، والضحية في النهاية واحد وهو أغلبية المواطنين..