منع رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه ورئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم بعد انتهاء مهامهم من تقديم استشارات ضد الدولة لمدة خمس سنوات بالتعديلات التي أدخلتها على مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بالقطاع العام، قطعت لجنة التشريع العام الطريق أمام كل مسؤول تسول له نفسه استغلال منصبه لأغراض شخصية، وذلك بإقرارها عقوبات صارمة تصل الى ثلاث سنوات سجنا ستسلط على من يختار لنفسه أن يكون في وضعية تضارب مصالح. ومن المؤمل أن ينهي هذا المشروع الهام الذي تقرر تمريره على جلسة عامة يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين، قصصا مؤسفة لوضعيات تضارب مصالح انهكت اقتصاد الدولة وحصل كثير منها تحت قبة البرلمان نفسه، أمام مرأى ومسمع الجميع، سواء بمناسبة المداولات حول قوانين المالية أو خلال نقاش مشاريع قوانين ذات صبغة اقتصادية حيث يتحول نائب الشعب الذي من المفروض ان يدافع عن مصالح الشعب إلى محام عن نفسه ومدافع عن مصالح قطاعه أو شركاته أو أعماله. والمقصود بتضارب المصالح في النسخة المعدلة من مشروع القانون الوضعية التي يكون فيها للشخص المعني مصلحة خاصة، مباشرة أو غير مباشرة يستخلصها لنفسه أو لمن تربطه به صلة، تؤثر أو من شأنها أن تؤثر على أدائه الموضوعي والنزيه والمحايد لواجباته المهنية. ويذكر أنه سبق للمشرع، وتحديدا في الفصل الثاني من قانون الابلاغ عن الفساد وحماية المبلغين الصادر سنة 2017، أن اعتبر تضارب المصالح فسادا وذلك عندما عرف مصطلح الفساد بأنه «كل تصرف يضر أو من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة، وسوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية، ويشمل جرائم الرشوة بجميع أشكالها في القطاعين العام والخاص والاستيلاء على الأموال العمومية أو سوء التصرف فيها أو تبديدها واستغلال النفوذ وتجاوز السلطة أو سوء استعمالها، وجميع حالات الإثراء غير المشروع وخيانة الأمانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال وتضارب المصالح واستغلال المعلومة الممتازة والتهرب الجبائي وتعطيل قرارات السلطة القضائية وكل الأفعال التي تهدد الصحة العامة أو السلامة أو البيئة». وإضافة إلى ما ورد في قانون التبليغ عن الفساد وحماية المبلغين، فإن مشروع القانون المعروض على الجلسة العامة لم يقتصر على تجريم تضارب المصالح بل أوجد آليات للتوقي منه تتمثل أساسا في: - منع الجمع بين بعض الوظائف أثناء القيام بالمهام أو بعد انتهائها. إعلام جهة الإشراف في صورة اعتقاد المعني بوجوده في وضعية تضارب مصالح بذلك بالامتناع عن أخذ القرارات في صورة التأكد من الوجود في وضعية تضارب مصالح. - الزام بعض الأشخاص في صورة امتلاكهم لأسهم أو حصص شركات، بتكليف جهة أخرى بالتصرف فيها في أجل شهرين من تاريخ تعيينهم أو انتخابهم. منع بعض الأشخاص من المساهمة في استثمارات في مجالات كانت تحت إشرافهم المباشر أو تقديم الاستشارات لشركات تعمل في مجالات كانت تحت إشرافهم المباشر وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ انتهاء مهامهم لأي سبب من الأسباب إلا بترخيص من هيئة مكافحة الفساد وهي الجهة التي تتقبل التصاريح بتضارب المصالح وتتابعها. - تنظيم كيفية التعامل مع الهدايا التي يتحصل عليها الأعوان العموميون. نواب الشعب معنيون في إطار التوقي من تضارب المصالح، منع مشروع القانون في نسخته المعدلة من قبل لجنة التشريع العام على رئيس مجلس نواب الشعب وجميع أعضاء المجلس المشاركة في المداولة أو التصويت، سواء في الجلسة العامة للمجلس أو في اللجان، بخصوص أي موضوع لهم فيه مصلحة شخصية مالية مباشرة أو غير مباشرة. وأوجب مشروع القانون على عضو مجلس نواب الشعب، إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب المصالح إعلام رئيس مجلس نواب الشعب بذلك وعدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار وفي نفس السياق أوجب على رئيس مجلس نواب الشعب، إذا اعتقد أنه في وضعية تضارب مصالح إعلام مكتب المجلس بذلك وعليه عدم مواصلة المشاركة في أخذ القرار. واضافة الى نواب الشعب، منع مشروع القانون في العديد من فصوله على رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه، وعلى رئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، الجمع بين مهامهم التي يشغلونها وبين أية وظيفة عمومية أخرى، وعضوية الهياكل أو المنشآت العمومية أو الشركات ذات المساهمات العمومية وكل الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدولة أو الجماعات المحلية في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ومهنة حرة أو عملا صناعيا أو تجاريا وكل نشاط خاص بمقابل. كما منع عليهم الجمع بين مهامهم تلك وعضوية هياكل التسيير والمداولة للشركات الخاصة، وعضوية مجالس الجماعات المحلية المنتخبة، ووظيفة لدى دولة أخرى، ووظيفة لدى المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية. وجاء في النسخة المعدلة من مشروع القانون أنه على رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه، ورئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، في صورة امتلاكهم لأسهم أو حصص شركات أو في صورة إدارتهم لشركات خاصة يمتلكون رأس مالها كليا أو جزئيا، تكليف الغير بالتصرف فيها. وجوبية اعلام الهيئة للتوقي من تضارب المصالح بعد انتهاء المهام، فرض مشروع القانون على رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه، وعلى رئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، بعد انتهاء مهامهم لأي سبب كان، ولمدة خمس سنوات كاملة، توجيه إعلام لهيئة مكافحة الفساد قبل مساهمتهم في استثمارات في مجالات كانت تحت إشرافهم المباشر أو تقديمهم استشارات لشركات تعمل في تلك المجالات. كما منع عليهم تقديم استشارات ضدّ الدولة لمدّة خمس سنوات وفي صورة المخالفة يقع تسليط عقوبة بالسجن مدة عامين وخطية مالية قدرها الفا دينار. وحجر مشروع القانون على رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ومستشاريه، وعلى رئيس الحكومة وأعضائها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، وعلى رئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه ورئيس ديوانه ومستشاريه وعلى رؤساء الجماعات المحلية وأعضاء مجالسها، أثناء ممارسة مهامهم، التعاقد بغاية التجارة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات والمنشآت العمومية. قائمة طويلة أورد مشروع القانون في نسخته المعدلة التي صادقت عليها لجنة التشريع العام بإجماع أعضائها الحاضرين، قائمة طويلة أخرى لأشخاص آخرين معنيون بتضارب المصالح، فعلى سبيل الذكر لا الحصر يمكن الاشارة الى أنه منع على رؤساء الهيئات الدستورية المستقلة وأعضائها، وعلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء وأعضائه، وعلى رئيس المحكمة الدستورية وأعضائها، وعلى القضاة، وكل من يتمتعون برتبة وامتيازات وزير أو كاتب دولة، وعلى الأعوان العموميين الذين يشغلون وظائف عليا والذين يشغلون وظائف مدنية التعاقد بغاية التجارة مع الهياكل التابعين لها. ونفس هذا التحجير ينسحب على رؤساء الجماعات المحلية وأعضاء مجالسها وعلى محافظ البنك المركزي التونسي ونائبه وأعضاء مجلس إدارته وكاتبه العام، وعلى المديرين العامين للبنوك والمؤسسات المالية التي تساهم الدولة في رأس مالها ورؤساء وأعضاء مجالس إدارتها وعلى مديري الأجهزة الإدارية للهيئات الدستورية المستقلة ورؤساء وأعضاء مجالس الهيئات التعديلية وعلى رؤساء جامعات التعليم العالي وعمداء الكليات ومديري مؤسسات التعليم العالي والبحث ورؤساء المخابر ووحدات البحث في هذه المؤسسات. وينسحب التحجير أيضا على المكلف العام بنزاعات الدولة والمستشارين المقررين لنزاعات الدولة وحافظ الملكية العقارية والمديرين الجهويين للملكية العقارية والمعتمدين الأول والمعتمدين والعمد والكتاب العامين للجماعات المحلية وكل عون عمومي يتولى خطة أو رتبة معادلة لخطة مدير إدارة مركزية بهيئات الرقابة والإدارات العامة للتفقد التابعة للوزارات والمديرين العامين المساعدين والمديرين المركزيين بالمؤسسات والمنشآت العمومية والخطط المعادلة وأعضاء لجان تقييم وإسناد ومراقبة عقود الصفقات العمومية وعقود اللزمات وعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وأعوان قوات الآمن الداخلي وأعوان الشرطة البلدية الذين لهم صفة الضابطة العدلية وغيرهم. وجاء مشروع القانون في نهاية الأمر لسد فراغ تشريعي استغله العديد من المسؤولين الانتهازيين للدفاع عن مصالحهم. والى جانب تجريمه وضعيات تضارب المصالح، جرم هذا المشروع عدم التصريح بالمكاسب والاثراء غير المشروع، وفي صورة مصادقة مجلس نواب الشعب عليه الاسبوع القادم سيمثل اضافة نوعية للترسانة القانونية في تونس وحتى يكون نافذا فور صدوره، أوصى العميد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نواب الشعب بتعديل فصوله التي تحيل الى اوامر حكومية والتنصيص على كل ما يجب التنصيص عليه في القانون نفسه.