أعلنت قائمتا النهضة والجبهة الشعبية منذ أيام قليلة في بيان سُمّي ب»التوافقي» عن تحالفهما لإدارة المجلس البلدي بالعروسة التابعة لولاية سليانة ومسقط رأس الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّة الهمامي. وجاء في البيان الذي تمّ تداوله على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" أنّه تم التوصل إلى اتفاق بين "الفائزين بمقاعد المجلس البلدي بالعروسة عن قائمة النهضة والجبهة وبعد صدور النتائج النهائية للانتخابات البلدية" وأن ذلك يأتي "من منطلق الحرص على توفير كامل ظروف النجاح لانطلاق أعمال المجلس البلدي في مناخ إيجابي يخدم مصلحة العروسة أوّلا وآخرا». هذه الحركة «التوافقية» أثارت استغراب العديد من السياسيين والحقوقيين ورواد صفحات التواصل الاجتماعي إلى حدّ الاستهزاء والاستنكار والسبّ والشتم للجبهة الشعبية، فكثيرون تفاجؤوا بهذا التحوّل «السياسي» الغريب و»المتسرع» و»اللامنطقي» باعتبار اختلاف السياسات وتباين المناهج والمرجعيات الفكرية والإيديولوجية إلى حدّ التناقض. سلوك سياسي جديد يهزّ قيادي الجبهة الشعبية ومناصريها بعد الجدل الواسع الذي رافق تصريح القيادي بالجبهة منجي الرحوي بخصوص إقالة وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم. المستغرب في هذا «التوافق» على مستوى الجهات إقدام قائمة الجبهة الشعبية بالعروسة من ولاية سليانة على التوقيع على اتفاق لم تتشاور فيه مع الهيئات القيادية للجبهة وهو ما يتأكّد من خلال البلاغ الصادر عن الجبهة الشعبية أمس الأحد 17 جوان 2018. فقد نفى المجلس المركزي للجبهة الشعبية حصول اتّفاق بين قائمتي الجبهة وحركة النهضة حول توزيع المسؤوليات في المجلس البلدي بالعروسة التابعة لولاية سليانة، موضّحا أنّ "ما حصل في العروسة موقف تمّ بشكل انفرادي ومحلّي ودون التشاور مع الهيئات القيادية للجبهة في أي مستوى كان" معتبرا ذلك موقفا لا يلزم الجبهة ولا هيئاتها القيادية. وذكّر المجلس، في نفس البلاغ، بأنّه كان قد أصدر بيانا بتاريخ 11 ماي الماضي أكّد فيه أنّ الجبهة الشعبية لن تتحالف في تشكيل المجالس البلدية مع حركة النهضة ولا مع حزب نداء تونس، محمّلا إيّاهما، النهضة والنداء، مسؤولية تدهور الوضع بالبلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. في المقابل جاء موقف النهضة عن طريق تصريح ناطقها الرسمي عماد الخميري ل»الشارع المغاربي» حيث قال إنّ "دخول الحركة في مسار من التوافقات مع بقية الأحزاب والقائمات الممثلة في المجالس البلدية المنتخبة كان على قاعدة البحث عمّا من شأنه خدمة المواطنين في كل جهة». وأشار الخميري في تصريح ل»الشارع المغاربي» أمس الأحد إلى أنّ الاتّفاق بين قائمتي حركة النهضة والجبهة الشعبية حول توزيع المسؤوليات في المجلس البلدي بالعروسة التابعة لولاية سليانة «كان من منطلق الكفاءة والبحث عن الاستقرار في الجهة بعيدا عن التجاذبات السياسية"، وإلى أنه "من حق الجبهة التعليق على هذا الاتفاق كما تشاء». وأضاف أنّ «النهضة تدرس تحالفات مع بقية الأحزاب والمستقلين بكافّة البلديات الممثّلة فيها لتوزيع المهام والمسؤوليات داخلها على قاعدة التوافق وخدمة مصالح الأهالي، لافتا إلى أن «تركيبة التوافق تختلف حسب كل منطقة». هذا التصريح قد يواجه الكثير من الانتقادات في قادم الأيام لما يحمل في طياته من تناقضات ستثير استغراب العديد من المحللين إذا ما تمّت العودة إلى أحداث الرشّ والاتهامات التي وجّهت من أهالي الجهة ومن غيرهم لحركة النهضة. فموقف حركة النهضة من هذا «التوافق المزعوم» يطرح العديد من نقاط الاستفهام باعتبار أن مواقف الجبهة الشعبيّة تجاهها واضحة ونهائية قائمة على مبادئ لم تتغير منذ تكوينهما، أضف أنه في كلّ المناسبات سواء كانت انتخابات أو تشكيل حكومات عبّرت الجبهة دوما عن رفضها الدخول في أي تحالف أو اتفاق مهما كان نوعه أو هدفه أو غايته مع حركة النهضة. فالتكتيك السياسي الذي اعتمدته النهضة وفي جهة سليانة بالذات رغم المواقف المعلنة من الجبهة قد يُستنتج منه محاولات الأولى بأي شكل من الأشكال ضرب الجبهة الشعبية في عقر دارها كما قد يذهب إليه بالتحليل متتبعو الشأن السياسي والحزبي.