الحدث الدولي الأبرز الأسبوع الماضي هو ودون أدنى شك ذلك اللقاء الذي جمع رئيسين مثيرين للجدل لطالما هدد الواحد منهما الآخر بضغط زر إطلاق الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى.. تهديدات متبادلة كانت توحي بأن العالم سيدخل حربا عالمية جديدة ولكن كل ذلك انتهى عندما عاد هذان الرجلان إلى «رشدهما» غير المألوف بل تعهدا بالتعاون لإحلال السلام والرخاء في شبه الجزيرة الكورية. الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون وقعا في سنغفورة على وثيقة مشتركة «شاملة» يكون على الولاياتالمتحدة بموجبها أن توفر الضمانات الأمنية لكوريا الشمالية مقابل التزام كيم جونغ أون بالعمل على نزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية. «الإنجاز» الأول لترامب ؟ هذا اللقاء الذي من البديهي اتجاه البعض إلى وصفه بالتاريخي نظرا للسنوات الطويلة التي قضاها رئيس كوريا الشمالية في عرض عضلاته النووية أمام العالم والحبر الذي أسالته سياساته الداخلية. ولكنه على «تاريخيته» هذه لقاء غريب أيضا يجمع أكثر رئيسين «شعبويين» في العالم أو على حد تعبير «دايلي بيست» الأمريكية لقاء بين صاحبي تسريحتين سيئتين. ولكنه لقاء يثير أيضا تساؤلا عن أداء ترامب ذلك الذي لم يسلم لا الأعداء أو الحلفاء من «شطحاته» و»طلعاته» آخرها مواقفه التي قلبت موازين التجارة العالمية رأسا على عقب. فهل يتحول هذا الاتفاق إلى الإنجاز المنطقي الوحيد الذي حققه الرئيس الأمريكي؟ في الحقيقة لا يتعلق الأمر بإنجاز أمريكي بقدر ما يبدو أن كيم جونغ أون قد راجع فعلا حساباته وحاول أن يبدأ مرحلة جديدة لا تكون فيها كوريا الشمالية معزولة عن العالم وهذا بالفعل ما بدأت وسائل الإعلام الكورية الشمالية بالترويج له. وبالرغم من الحديث عمّا وفرته الولاياتالمتحدة من نفقات تواصل المواجهة من بينغ يانغ أو حتى الدخول في مواجهة عسكرية مستبعدة تذهب صحيفة «الغادريان» البريطانية في مقال رأي لأحد معلقيها على سبيل المثال إلى القول إن ترامب لم يحقق أي إنجاز في الحقيقة بل أعطى شرعية دولية لديكتاتوري مقابل وعود بالعمل على نزع السلاح النووي وليس حتى نزعه. ولكن ما حققه الرئيسي الأمريكي فعليا هو أن ينتج صورة جديدة لنفسه على أنه رئيس مثير للمشاكل ولكنه قادر على تحقيق إنجازات تاريخية أيضا، من المستبعد أن ينقلب عليها الرؤساء اللاحقون مثلما انقلب هو على الاتفاق النووي مع إيران، ومثلما حذرت طهران نفسها عندما دعت الرئيس الكوري الشمالي إلى عدم الثقة في الرئيس الأمريكي الذي يمكن أن يتراجع عن الاتفاق حتى قبل أن يعود إلى بلده. كوريا الشماليةوإيران ومن غير المنطقي بطبيعة الحال عدم مقارنة موقف ترامب من الاتفاق النووي مع إيران واتجاه ترامب إلى توقيع اتفاق بخصوص أسلحة كوريا الشمالية. وفي الحقيقة هذه المقارنة دفعت العديد من المحللين والمعلقين إلى الحديث عن أن إيران ليست كوريا الشمالية من منطلق أن الحسابات الأمريكية مختلفة في كل حالة والرهانات التي يطرحها الملف النووي الإيراني تجعل إسرائيل في قلب المعادلة ولإسرائيل دائما مكانة خاصة في السياسات الخارجية الأمريكية. وهنالك من رأى أنه من غير العادل المقارنة بين الاتفاق النووي مع إيران الذي جاء في 159 صفحة ويتضمن تفاصيل إجراءات رقابية والذي وقعته طهران والدول الكبرى في 2015 وانسحب منه ترامب مؤخرا وإعلان سنغفورة بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة الذي جاء في صفحتين، ولم يتضمن تعهدات بنفس المستوى. التزامات أكبر في 1993 و2005 وبالرغم من الخطاب الفضفاض الذي جاء على لسان ترامب والذي ضخم فيه ما تحقق مع كوريا الشمالية على اعتبار أنه يخط تاريخا جديدا بين البلدين، فإن الرئيس الأمريكي لم يأت حقيقة بالجديد. فلم يكن هذا الاتفاق الأول بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة. فقد اتفق البلدان في بيان مشترك نشر يوم 11 جوان 1993 على «إرساء السلام والأمن في شبه جزيرة كورية خالية من السلاح النووي». وفي 19 سبتمبر 2005 تم الاتفاق كذلك بين الصين واليابان وكوريا الشماليةوكوريا الجنوبية وروسيا والولاياتالمتحدة في محادثات في بيكين حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية على اتخاذ خطوات فعلية وهامة بهذا الخصوص وأشار البيان المشترك إلى أنه «قد التزمت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية) بالتخلي عن جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية القائمة والعودة في وقت مبكر إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإلى ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.» واعتبر الكثير من المتابعين للشأن الكوري الشمالي أن هذا الاتفاق بلا قيمة وأنه لم يأت بجديد بل أن الاتفاقات السابقة حققت أكثر بكثير وتقدمت في المفاوضات مع كوريا الشمالية ولكن من الواضح أن هذا الاتفاق كان للاستهلاك الإعلامي الداخلي في البلدين والأهم أيضا أنه ليس إنجازا «ترامبيا» كما يحاول ترامب التسويق لذلك لأن اتفاقات سابقة حققت نتائج متقدمة. من الملفت أن تثير تساؤلات بخصوص موقف ترامب الأخير من كوريا الشمالية حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي قد عاد فعليا إلى رشده. ولكن في الحقيقة ليس الأمر على هذه البساطة فلا يختلف هذا اللقاء عن سلسة المواقف والقرارات واللقاءات التي ميزت مسيرة ترامب إلى حد الآن التي تقوم على منطق الغرابة والتفرد. وعلى كل حال أن يتباهى الرئيسان بتسريحتهما أمام عدسات الكاميرات أفضل بكثير من أن يتباهى كل منهما بمدى وسرعة ترسانته من الصواريخ. ◗ أروى الكعلي هذا ما تضمنه الاتفاق بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة -إيقاف العمليات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية وتصريح ترامب بخصوص ذلك "ليس من اللائق أن تستمر المناورات بين سيول وواشنطن في الوقت الذي نجري فيه مفاوضات سلام مع الجارة الشمالية". -التزام كوريا الشمالية بالعمل على نزع سلاح نووي شامل في شبه الجزيرة الكورية. -الرئيس الأمريكي أكد تعهد كيم بتدمير مواقع الصواريخ البالستية التي كانت تستخدم لإجراء التجارب النووية. -التعاون لإقامة علاقات جديدة بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية والتعاون لإحلال السلام والرخاء في شبه الجزيرة الكورية. -العقوبات الأمريكية المفروضة على كوريا الشمالية، ستبقى حتى تتخلى الأخيرة عن ترسانتها النووية. -الكشف عن بقايا الأجسام المتحللة لأسرى الحرب الفيتنامية والمفقودين وإعادة من كشف عنهم إلى بلادهم فورا.