عاودت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين التأكيد على أن «لا أحد يملك القدرة أو الصفة لإيقاف أعمال هيئة الحقيقة التي ستواصل أعمالها لجبر ضرر الضحايا وإنصافهم» وذلك خلال ندوة صحفية عقدتها الهيئة يوم أمس على خلفية منع بن سدرين من السفر إلى فرنسا باستعمال جواز سفرها الديبلوماسي وبعد أن خيّرت إلغاء سفرها على استعمال جوازها العادي وفق تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أمس. وقد حمّلت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي بصفة شخصية مسؤولية افتكاك جواز سفرها الدبلوماسي بمطار تونسقرطاج يوم أمس ومنعها من السفر بغرض تقديم محاضرة بمعهد السلام بالإتحاد الأوروبي حول التجربة التونسية في العدالة الانتقالية، وفق تعبيرها، مضيفة أن الهدف من منعها من السفر هو تعطيل أعمال هيئة الحقيقة والكرامة. ويعدّ سحب الجواز السفر الديبلوماسي لسهام بن سدرين وبقية أعضاء مجلس الهيئة المتمتعين بهذا الامتياز، حلقة جديدة من حلقات الصراع المحتدم منذ مدّة بين الحكومة المتمسّكة بتنفيذ طلب مجلس نواب الشعب بإيقاف أعمال هيئة الحقيقة والكرامة التي انتهت وفق القرار البرلماني بتاريخ 31 ماي المنقضي وبين هيئة الحقيقة والكرامة المصرّة على تمديد مهامها لغاية الانتهاء من أعمالها وتقديم تقريرها النهائي. الجهيناوي مهدّد بالسجن! اعتبرت سهام بن سدرين أن سحب الجوازات الديبلوماسية من أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة يعدّ «إجحافا وتجاوزا للسلطة من قبل وزارة الخارجية» مضيفة منعها باستعمال جواز سفرها هو» اعتداء على صلاحيات الهيئة من قبل وزير الخارجية وأنّ الهيئة التجأت إلى القضاء على معنى الفصل 66 من قانون العدالة الانتقالية الذي يعاقب بالسجن من يقوم بتعطيل متعمد لأعمال الهيئة». وينصّ الفصل 66 من قانون العدالة الانتقالية أنه يعاقب بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر وبخطية قدرها ألفا دينار كل شخص يقوم بأي عمل أمام الهيئة يشكل في حال حصوله في المحكمة ازدراء لها، أو يعيق عمل الهيئة بشكل متعمد، أو لا يمتثل عمدا لدعوة الهيئة للإدلاء بالشهادة أو يحول دون النفاذ إلى الوثيقة أو المعلومة المطلوبة، أو يكشف عن أية معلومات سرية تحصل عليها بمناسبة عمله بالهيئة». وفي الندوة الصحفية التي عقدتها الهيئة بالأمس أكّد سهام بن سدرين أن وزارة الشؤون الخارجية من بين الوزارات التي تتعامل»سلبيا مع الهيئة»وهو ما يتنافى مع اتفاق الهيئة مع الحكومة في مواصلة مهامها وفق ما أكّدته بن سدرين. ويرى عدد من الملاحظين أن ما حصل بالأمس من منع استعمال بن سدرين لجواز سفرها الديبلوماسي يأتي في اطار عملية تضييق تنتهجها الحكومة ضدّ الهيئة التي رفضت الخضوع لقرار مجلس نواب الشعب ولمراسلة الحكومة في شهر ماي ورفضت تسليم مهامها وقد اعترفت بن سدرين بالأمس أن عدّة وزارات منها وزارة أملاك الهيئة تتعمّد تعطيل عمل الهيئة ورغم ذلك تتمسّك الهيئة بمواصلة مهامها الى ديسمبر القادم. جوازات السفر الديبلوماسية تمنح وزارة الخارجية جوازات السفر الديبلوماسية لأعضاء الحكومة وكبار الموظفين حسب شروط يحددها القانون. وقد نظّم الفصل التاسع من القانون عدد 40 المؤرخ في14 ماي1975 المتعلق بجوازات السفر ووثائق السفر مسألة تسلّم جوازات السفر الديبلوماسية ونصّ أنه تسلّم»جوازات السفر الديبلوماسية مجانا من طرف وزير الخارجية لمدة ثلاث سنوات تضبط شروط الحصول عليها والتمديد في صلوحيتها وتجديدها وسحبها بمقتضى أمر»ويتمتّع صاحب الجواز السفر الديبلوماسي بامتيازات منها استعمال مسار خاصّ في المطارات والمنافذ البرية بالنسبة للديبلوماسيين وعدم خضوع حقائبه عند السفر لعمليات التفتيش المعتادة كما وأن حامل جواز السفر الديبلوماسي يُعفى من دفع ضرائب الدخول ومن التأشيرة أو يتمتّع بسرعة الحصول على التأشيرة. وبعد الثورة أثارت جوازات السفر الديبلوماسية عدّة انتقادات وجدل انطلق بصدور أمر رئاسي بعد الثورة يلغي مفعول أكثر من100 جواز سفر ديبلوماسي كان على ملك أفراد من عائلة «الطرابلسية» وكذلك من أقارب بن علي لتعلّق تهم فساد بهم بعد فرار بعضهم إلى الخارج ومنهم سليم شيبوب الذي كان يتمتّع زمن بن علي بجواز سفر ديبلوماسي ألغي بعد ذلك وتم منحه بعد ذلك جواز سفر عادي ليتمكّن من العودة الى تونس. وفي عهد الترويكا كاد حصول زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على جواز سفر ديبلوماسي أن يتسبّب في حصول أزمة سياسية بعد اتهامات لوزير الخارجية آنذاك رفيق عبد السلام بمحاباة زعيم حزبه وصهره ومنحه امتيازا لا يستحقّه باعتبار أنه لم يتقلّد أي منصب في الدولة يخوّل له الحصول على جواز سفر ديبلوماسي وهي التهمة التي نفاها رفيق عبد السلام مؤكّد أن رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي هو من أصدر أمرا بتمكين رؤساء وزعماء الأحزاب السياسية الممثلين في المجلس التأسيسي من الحصول على جوازات سفر ديبلوماسية، وهو ما نفته أغلب القيادات الحزبية والسياسية آنذاك وطوي هذا الملف كما طويت ملفات مشابهة ولا نعلم اليوم ما إذا تم تجديد جواز السفر الديبلوماسي لراشد الغنوشي بعد تولي الباجي قائد السبسي للرئاسة خاصّة وأن القانون التونسي ينصّ على كون صلوحية الجواز الديبلوماسي تنتهي بعد 3 سنوات من تاريخ الحصول عليه إذ لم يتم سحبه من طرف الجهة السيادية التي أصدرته كما حصل بالأمس مع رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين. وقد أكّدت وزارة الداخلية أمس من خلال تصريحات ناطقها الرسمي أن إدارة أمن مطار تونسقرطاج الدولي أعلمت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين بتعذر سفرها بجواز سفرها الدبلوماسي لانتهاء مفعوله نظرا لانتهاء مهامها على رأس الهيئة موفى شهر ماي الماضي وذلك تنفيذا لمكتوب تلقّته وزارة الداخلية من وزارة الخارجية يطلب ضرورة سحب جواز السفر الدبلوماسي لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، باعتبار أنّه لم يتم التمديد في عمل الهيئة من قبل مجلس نوّاب الشعب. وينسحب هذا القرار الذي اتخذته إدارة أمن المطار على كلّ أعضاء مجلس هيئة الحقيقة المتمتّعين بجوازات سفر دبلوماسية بعد إنهاء مهامهم. ويبقى ملف جوازات السفر الديبلوماسية من الملفات المسكوت عنها سواء عند منحها أو سحبها وكذلك من الملفات التي أثارت لغطا بعد الثورة في أكثر من مناسبة مما دفع كاتب عام نقابة سلك الديبلوماسيين يصرّح في وقت سابق أنها باتت تُمنح»لمن هبّ ودبّ»رغم خطورة هذه الجوازات وطابعها السيادي بالنسبة لأي دولة تمنحها ورغم ذلك فان جوازات السفر التي تمنحها وزارة الخارجية وفق ما ينصّ عليه القانون تُحاط بالكثير من السرّية ولا تطرح امام الرأي العام والكثيرون ممن منحوا جوازات السفر بأمر حكومي أو رئاسي لا يستجيبون للشروط القانونية التي نصّ عليها القانون المنظّم لجوازات السفر.